بقلم: نوح سميث – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – لن يكون من السهل التغلب على النموذج الاقتصادي الصيني. وفي حين أن النظام الشيوعي المختل وظيفياً في الاتحاد السوفياتي تحول في نهاية المطاف إلى مجرد نمر من ورق، فإنَّ الصين تبني نظاماً رأسمالياً مملوكاً للدولة سوف يُثبت أنَّه أكثر قوة ورسوخاً ومقدرة على المنافسة. ولكن هناك طريقة واحدة يعكس من خلالها النموذج الصيني بالفعل بعض علامات الضعف والوهن: إذ تواجه الحكومة الصينية صعوبات جمة في الاستثمار بالخارج.
وأشارت مقالة حديثة على صفحات “فايننشيال تايمز” إلى أن الإقراض الثنائي الذي تقدمه المصارف الحكومية في الصين إلى البلدان المشاركة في مشروع “الحزام والطريق” قد شهد تراجعاً بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة. ولقد أشار كثير من المراقبين بوتيرة سريعة إلى أن هذه ليست القصة الكاملة، إذ تشارك الحكومة الصينية في عدة أنواع أخرى من الإقراض أيضاً. بيد أنه لا يمكن إنكار أن البرنامج برمته يواجه مشاكل كبيرة وصعوبات جمة، جنباً إلى جنب مع القروض ذات الصلة به.
كان من المفترض لمشروع “الحزام والطريق” أن يعكس النفوذ الصيني في كل أنحاء آسيا وأفريقيا، ويعمل على تأمين الموارد حتى في الوقت الذي يمهد فيه الطريق من أجل عقد التحالفات الاستراتيجية المحتملة. ومنذ بداية المشروع الصيني الكبير وهو يواجه الصعوبات تلو الصعوبات. كما يواجه المشروع الطموح لبناء الميناء الصيني في هامبانتوتا في سريلانكا مشكلة عميقة، إذ تطالب الحكومة الجديدة في البلاد بإعادة التفاوض بشأن عقد إيجار الميناء.
وصار ممر النقل عبر باكستان الذي تبلغ قيمته 62 مليار دولار يعاني كثيراً من التأخيرات والنكسات. ولقد ألغيت عدة مشاريع، وجرى إعادة التفاوض على شروط مشاريع أخرى في ماليزيا وكينيا. وبلغت التوترات ذروتها لدى البلدان الآسيوية من برنامج الإقراض الصيني، وانحفضت الاستثمارات الصينية في الخارج. وعندما تسوء المشاريع، يؤدي الأمر إلى انخفاض الاستثمارات الصينية في الخارج بصورة حادة خلال السنوات الأخيرة.
وفي القارة الأفريقية، قبلت العديد من البلدان الأفريقية بشغف واضح حملة القروض التي قدمها النظام المالي الصيني المملوك للدولة. كما ارتفعت معدلات إصدار السندات الأوروبية جنباً إلى جنب مع الاقتراض من الحكومة الصينية.
لكن اتَّضح بعد ذلك أن هذا كان كأساً مسمومة – إذ إن العديد من المشاريع التي مولتها الحكومة الصينية لم تخضع للدراسة الجيدة، ما أسفر عن حدوث موجة متوقعة من التخلف عن سداد القروض. وباتت العديد من البلدان في أفريقيا وغيرها من الأماكن تطالب الآن بإعفائها من الديون، ويبدو أن الحكومة الصينية سوف تتعرض إلى خسائر فادحة جراء ذلك.
غير أن الأمور لن تكون بمثل هذا القدر من السوء إن كانت الخسائر الاقتصادية هي التكلفة الوحيدة المتكبدة من إخفاقات مشروع “الحزام والطريق” الصيني. ربما لم يكن الغرض الرئيسي من البرنامج هو تحقيق الأرباح في المقام الأول، فإن كانت الصين قد خسرت القليل من الأموال في مقابل بناء وتعزيز النفوذ الجيو سياسي حول العالم، لكان الأمر يبدو من زاوية المقايضة المنصفة.
لكن المشكلة تكمن في أنه أثناء عملية خلق الاضطرابات الاقتصادية وما تلاها من خيبة الأمل، كانت الحكومة الصينية قد أثارت سخط كثير من المواطنين والحكومات في العديد من البلدان التي كانت تتطلع إلى كسب مزيد من النفوذ فيها. وأسفر الأمر عن فضح الأساليب التي يعرقل بها النظام القائم في البلاد عمليات الحكومة الصينية والشركات الأخرى المملوكة للدولة.
ففي الصين، عندما تشرع المصارف المملوكة للدولة في إقراض كثير من الأموال إلى الشركات أو الحكومات المحلية، يشعر المقترضون بالامتنان بصورة عامة عندما يجري شطب القروض المعدومة من قبل الحكومة الصينية. لكن حتى إن سُمح لهم بإعادة جدولة الديون المستحقة، فإن البلدان النامية، من ناحية أخرى، تشعر بالاستياء الكبير من التجربة المهينة المتمثلة في إجبار تلك الحكومات على التسول على أعتاب الحكومة الصينية من أجل الإغاثة المالية، كما أن التخلف عن سداد القروض يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل كبير في التخطيط السياسي المحلي لدى تلك البلدان.
النظام الصيني يعني أنه بإمكان الحكومة مصادرة الأراضي بُغية إفساح المجال أمام مشاريع البنية التحتية أو بناء المصانع. ورغم الاحتجاجات الكثيرة، فإن الحكومة الصينية تمضي في طريقها غير عابئة بشيء. ولكن بالنسبة إلى بلدان مشروع “الحزام والطريق”، عندما يغضب السكان الفقراء ومجموعات السكان الأصليين على طردهم من أراضيهم لإفساح المجال أمام المشاريع التي تمولها الحكومة الصينية، يمكن للنتائج أن تكون أكثر زعزعة للاستقرار وذات آثار طويلة الأمد.
تميل الصين إلى العزف على وتر الحساسيات العرقية المحلية – على سبيل المثال، عندما يجري استيراد العمالة الصينية للعمل في مشاريع “الحزام والطريق” على حساب السكان الأفارقة المحليين، يبدو الأمر كأنه عودة غير معلنة للاستعمار من جديد. ولا يمكن للحكومة الصينية ببساطة التعامل مع الحكومات الأجنبية بالطريقة نفسها التي تعامل بها الحكومات المحلية في البلاد. فعندما لا تتحقق الوعود الاقتصادية في الخارج فإنَّ النتيجة تكون الاستياء طويل الأجل، بدلاً من القبول على مضض.
والنتيجة النهائية تقول إنَّ النظام الحاكم في الصين قد حال بينها وبين تعلم كيفية تحقيق التوازن المطلوب، بين المصالح السياسية والحساسيات العرقية لدى عدد كبير من الجهات الفاعلة.
وهذه من نقاط الضعف المهمة للغاية في النموذج الاقتصادي الصيني الراهن. ربما لا تعتمد الحكومة الصينية على قروض مشروع “الحزام والطريق” في كسب الأرباح من الخارج، ولكن مع ارتفاع النزعة الحمائية لدى البلدان الغنية، سوف تحتاج الحكومة الصينية إلى بيع مزيد من الصادرات إلى البلدان النامية. وبالفعل، شرعت الحكومة الهندية في منع التعامل مع شركات البرمجيات الصينية.
علاوة على ذلك، سوف يكون عقد التحالفات من الأمور بالغة الأهمية إن أرادت الحكومة الصينية مواصلة الضغوط على مطالبها الإقليمية، في منطقة بحر الصين الجنوبي وأماكن أخرى غيرها. الصين دولة ضخمة، ولكنها ليست بقدر الضخامة التي تتيح لها تحمل تكاليفها بمفردها. وينبغي على خصوم الصين في آسيا والغرب أن ينتبهوا للأمر، وأن يدلوا بدلوهم في الأمر من حيث طرح البدائل الخاصة الأفضل من الجهود الصينية القاسية.