بقلم: سيرج ناكوزي – صحيفة “الاتحاد” الإماراتية
الشرق اليوم – تواجه منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، دوناً عن باقي مناطق العالم، أكبر التحديات المتعلقة بالمياه. فحصة الشخص الواحد من المياه العذبة المتجددة هي أقل بنسبة 10% عن حصة الفرد في باقي دول العالم، ويعيش واحد من بين كل خمسة أشخاص في مناطق زراعية تعاني من نقص شديد وندرة في المياه.
ومما يفاقم الأمور أنماط الإعانات المالية لاستخدام المياه والطاقة، والتي بالإضافة إلى ضعف المراقبة والتنفيذ، تقوض الحوافز للاستخدام الفعال للمياه، وتشجع على الإفراط في استغلال هذا المورد الشحيح أصلاً، كما أنها تطيل أمد نمط من الاستخدامات المنخفضة القيمة والإنتاجية المتدنية للمياه. لا جديد في ذلك، ولكن التحدي يتفاقم.
وهذا العام كرست منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أحد تقاريرها الرئيسية وهو “حالة الأغذية والزراعة” لتقييم وضع ندرة المياه في العالم ورسم الطريق المستقبلية للتغلب على التحديات. وتعتبر منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا حالة رئيسية في هذه المسألة، فاستخراج المياه في معظم دول المنطقة يتجاوز مستوى الموارد المتجددة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة في الاستدامة. وتعتبر الزراعة ساحة أساسية للتحرك والعمل، لأنها تستحوذ على 80% من استخدامات المياه، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي.
يحتاج المزارعون إلى المزيد من الحوافز لتوفير المياه. وفي أغلب الأحيان، يميلون إلى زراعة المحاصيل منخفضة القيمة، خاصة الحبوب، تماشياً مع أولويات الحكومات بتحقيق الاكتفاء الذاتي في الأغذية الأساسية، ومجموعة من العوامل الأخرى مثل دعم أسعار المنتجين، ودعم المدخلات، والضوابط على الاستيراد، وعمليات الشراء العامة.
ويشكل نضوب مستودعات المياه الجوفية المترتب على ذلك، تهديداً متزايداً سيقع عبئه الأكبر على صغار المزارعين. وقد ظهرت النتائج الكارثية المحتملة لذلك في الجمهورية العربية السورية، حيث أدى الجفاف وانخفاض منسوب المياه والوقف المفاجئ لدعم الديزل إلى نزوح واسع للسكان في 2009.
إضافة إلى ذلك فإنه تتم التضحية بالازدهار الأوسع في المنطقة، عندما لا يكون لأنماط الإنتاج مزايا نسبية، مثل زراعة محاصيل الفاكهة والخضروات الأعلى قيمة، والتي وبحسب دراسة لمنظمة “الفاو” يمكن أن تزيد الإنتاجية الاقتصادية للمياه فيها بنسبة 3 إلى 15 ضعفاً.
واليوم تستهلك منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا كمية قمح تزيد مرتين ونصف عن الكمية التي تنتجها. والماء- أكثر بكثير من الأرض- هو العامل الذي يحد من الإنتاج، إذ يلزم عدة أنهار كنهر النيل لتوفير المياه الضرورية لسد هذه الفجوة.
لذلك يتعين على صانعي السياسة تعزيز الانتقال التدريجي من أفكار مثل الاكتفاء الذاتي من الغذاء إلى الاعتماد على الذات. ويعني ذلك على الأرجح الانتقال إلى محاصيل ذات إنتاجية مائية مرتفعة، على سبيل المثال عن طريق زراعة المزيد من الفاكهة لبيعها وشراء القمح الذي يزرع في مناطق من العالم حيث المياه أقل ندرة. ويمكن تخفيف المخاطر المرتبطة بزيادة الاعتماد على الواردات، كما هو الحال بالفعل في بعض البلدان، من خلال اعتماد مزيج من أدوات السياسات ومن بينها الاحتياطيات الاستراتيجية، والتجارة الإقليمية، وتنويع مصادر الغذاء.
ويعتبر اللاعبون في القطاع الزراعي بشكل خاص، العامل الرئيسي لنجاح هذا التغيير.
ويحتاج المزارعون إلى مجموعة جديدة من الحوافز للاستثمار في التكنولوجيا، واختيار المحاصيل وتقنيات الري التي يمكن أن تقود إلى إنتاجية أكبر للمياه، كما أنهم بحاجة للوصول إلى أسواق جديدة. وبطريقة أو بأخرى فإن أنظمة تخصيص حصص المياه، والتي يمكن أن تشمل برامج تسعير واضحة، هي عنصر أساسي في عملية التحول.
إن الحاجة إلى القيام بتغييرات حاسمة ليس أمراً جديداً، ولكنها أصبحت ملحة الآن. والمنطقة لا تفتقر إلى المواهب، كما أن التحركات الإيجابية أصبحت تكتسب زخماً.
فمصر على سبيل المثال، هي البلد الذي انطلقت منه أنظمة تربية أحياء مائية مبتكرة تعد مثالاً لغيرها من الدول، نظراً لأنها تستخدم دورة المياه في إنتاج العديد من المحاصيل. وقد ذهب بعض رواد الأعمال الزراعيين إلى أبعد من ذلك واستخدموا “الأزولة”، وهو سرخس مائي خاص يعمل على استخدام نيتروجين الجو لإنتاج السماد، كما ينظف المياه المستخدمة لري محاصيل العنب والبرتقال والمانجو.
وتقوم العديد من الدول بطرح أنظمة قياس ومراقبة للمياه يمكن أن تعمل على ضمان الحقوق الأساسية، وفي الوقت ذاته تحفز المستخدمين على الحفاظ المتزايد على المياه.
وتمتلك منظمة “الفاو” خبرة واسعة تؤهلها لأن تقدم لأعضائها العديد من الخدمات ومن بينها المشورة بشأن السياسات، والاقتصاد الزراعي، وفرص التجارة، والتقنيات الرقمية المتطورة مثل WAPOR وهي أداة استشعار تعمل عن بعد يمكن أن تدعم برامج مراقبة وتدقيق المياه المفصلة على أرض الواقع. كما تهدف مبادرة الفاو “يداً بيد” إلى توجيه الموارد سواء النقدية أو الفنية، إلى وجهات جاهزة ومستعدة للبدء في تغييرات لتعزيز الإنتاجية يمكن أن تعزز سبل العيش وتحسن حياة من يعيشون في المناطق الريفية بمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. حان الوقت لتسريع الجهود والتحرك للتغلب على التحديات.