بقلم: علي حمادة – النهار العربي
الشرق اليوم – كان من المفترض أن يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لبنان الأسبوع المقبل، استكمالاً لزيارتيه السابقتين في أعقاب جريمة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من شهر آب / أغسطس الفائت، وفي إطار المبادرة الفرنسية السياسية – الاقتصادية التي طرحها في زيارته الثانية في الأول من شهر أيلول / يوليو عندما جمع في دار السفارة الفرنسية في بيروت ممثلي القوى السياسية اللبنانية الرئيسية المؤلفة لمجلس النواب الذين أجمعوا على قبول المبادرة الإنقاذية للوضع اللبناني المتدهور منذ أكثر من سنة.
ومنذ ذلك الحين، وبرغم إعلان جميع القوى السياسية موافقتها على المبادرة واستظلالها سياسياً وإعلامياً، لم تتقدم المبادرة خطوة واحدة الى الأمام، لا بل جرى إغراقها في زواريب اللعبة السياسية اللبنانية التقليدية، فيما عجزت باريس عن دفع مبادرتها نحو خواتيم سعيدة، بل إنها قبلت يوماً بعد يوم بإحداث تغييرات وتعديلات على المبادرة التي تغيّرت كثيراً عما كانت عليه في البدء، أقله لناحية تشكيل حكومة جديدة بعيداً عن الأحزاب السياسية التي تعتبرها غالبية اللبنانيين مسؤولة مباشرة عن حالة التردي التي بلغتها البلاد الغارقة اليوم في أزمة تكاد تدفع كل الشعب الى ما دون خط الفقر وشرائح واسعة منه الى فقدان الأمل بمستقبلها ومستقبل لبنان والتفكير في الهجرة النهائية الى بلاد الاغتراب.
لقد حال فايروس “كورونا” دون زيارة الرئيس الفرنسي لبنان، وهو الذي وضع لها هدفين: الأول زيارة القوات الفرنسية العاملة في الجنوب اللبناني في إطار “القوات الدولية – اليونيفيل”، وإجراء لقاءات شعبية في بيروت، وعلى الهامش زيارة القصر الجمهوري للقاء بروتوكولي مع رئيس الجمهورية ميشال عون، مع استثناء كل الطبقة الحاكمة في لبنان من لقاءاته، وذلك تعبيراً عن استياء فرنسا الكبير من تخاذل هذه الطبقة، وعدم تحملها مسؤولياتها في إنقاذ البلاد من الكارثة التي تعيش فيها، بفعل ارتكاباتها المديدة التي أجهزت على آمال اللبنانيين في قيام دولة حقيقية، وفي بناء مستقبل واعد لهم ولأبنائهم.
وكان منتظراً أن يخاطب الرئيس الفرنسي خلال هذه الزيارة الشعب اللبناني ويؤلبه على قيادته العديمة المسؤولية التي لم تفهم بعد أن الألاعيب السياسية الصغيرة فات أوانها، وأن الكلفة الناجمة عن حروب الأحقاد الصغيرة و المصالح الأصغر تستكمل تدمير مستقبل البلاد، وتدفع اللبنانيين الى اليأس الكامل. كما أنه كان منتظراً أن يقول كلاماً كبيراً في موضوع فشل الطبقة الحاكمة في تشكيل “حكومة مهمة” كان جرى الاتفاق عليها قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر، هدفها وقف الانهيار، وإعادة إعمار ما هدمته جريمة مرفأ بيروت، والتفاوض مع المجتمع المالي الدولي على دعم لبنان مالياً لمنع انهياره التام.
وكان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، قد قدّم قبل أيام توليفة حكومية لرئيس الجمهورية كي يوقّع على مراسيم تأليفها تماشياً مع نص المبادرة الفرنسية، غير أن الأخير أبقى تشكيلة الحريري في الأدراج معلقاً ولادة الحكومة، وبالتالي انطلاق مهمة الإنقاذ التي تعتبر شاقة للغاية، وغير مضمونة، حتى مع الدعم الفرنسي، لا سيما أن لبنان مصنف، إضافة الى أنه دولة فاشلة، بأنه واقع تحت سيطرة إيران بواسطة “ميليشيا” حزب الله المهيمنة على الحياة السياسية فيه، والممسكة بالقرار السيادي الوطني للدولة ككل. وهنا المفارقة، فلا إنقاذ للبنان من دون مبادرة ماكرون، ولا إنقاذ للبنان من دون أن يحصل أي تغيير في المعادلة السياسية اللبنانية التي يسودها “حزب الله”، حتى لو أقلعت المبادرة الفرنسية بتشكيل حكومة جديدة وفق المعايير التي وضعتها باريس!
في مطلق الأحوال، يمكن للرئيس الفرنسي أن يوجّه في الموعد الذي كان مقرراً لزيارته لبنان، كلمة من باريس الى الشعب اللبناني يضمّنها موقفاً قاسياً من الطبقة الحاكمة، وتكون بمثابة تحريض فرنسي – دولي على الطبقة المشار إليها، والتي يجمع العالم على اعتبارها غير مؤهلة للبقاء في مواقعها القيادية في لبنان. كما يمكن للرئيس الفرنسي أن يطلق مبادرة رديفة موازية للمبادرة الأولى تجاه المجتمع المدني اللبناني، لتشجيعه على التقدم الى الصفوف السياسية الأمامية لخوض معركة انتخابات نيابية مقبلة سنة 2022 ضد الطبقة الحاكمة، وانتزاع شرعية معتبرة في مجلس النواب اللبناني المقبل، تمهيداً للتغيير الشامل الذي يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى.