الرئيسية / مقالات رأي / الأقليات العرقية أكثر عرضة للإصابة بكورونا فهل تعطى اللقاح أولاً؟

الأقليات العرقية أكثر عرضة للإصابة بكورونا فهل تعطى اللقاح أولاً؟

بقلم: ماري ديجيفسكي – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- في أواخر الربيع، حين تعرّضت الحكومة للانتقاد كما يحصل الآن بسبب طريقة استجابتها لفيروس كورونا، لحظتُ مجالين نجحت فيهما على الرغم من ذلك. أحدهما سرعة وحجم الدعم الاقتصادي الذي وفّرته، والآخر نجاح عمل نظام الائتمان الشامل المُنتقد كثيراً قبل ذلك الحين.

وحينذاك كما الآن، كان هناك بعض المجال لانتقاد الأمرين: فالبعض، لا سيما أصحاب المهن الحرة، لم تتلقّفهم شبكة الأمان التي نصبها وزير المالية كما أن الارتفاع الهائل في عدد المطالبين بالإعانات الاجتماعية سلّط الضوء على ضيق الكثير من الإعانات في المملكة المتحدة، بما فيها الأجر في حالة المرض، مقارنة بالمساعدات المرتبطة بالدخل والشائعة في معظم مناطق القارة الأوروبية. وصحيح كذلك أن المملكة المتحدة فيها أحد أعلى معدلات الوفيات من الفيروس للفرد في العالم المتقدم- لأسباب لم تُفسّر بشكل كامل بعد.  

لكن الآن، ثمة نقطة أخرى يبدو لي أن سياسيينا المحاصرين يستحقون أكثر من بعض الثناء عليها، وهي الجهود التي بذلت من أجل تفادي وصم أي أفراد أو جماعات، لا سيما السود والأقليات العرقية (التي يشار إليها في بريطانيا ب “بايم”).

حدث خرق صغير في جدار الحذر خلال إحاطة الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت، حين قال الجنرال السير غوردون ميسنجر- الذي يترأس عمليات برنامج الفحص الحكومي داخل المجتمعات المحلية- إن الفحص الجماعي، كذلك الذي يجري في ليفربول، سينتهي العمل به. وأوضح أنه في المستقبل، سيكون الفحص “مفصّلاً” وفق حاجات المجتمعات المحلية الخاصة و”قد يكون محدداً بحسب الجغرافيا أو الإثنيات”. كان هذا الأمر غير اعتيادي. فقد درجت العادة على تفادي أيّ ذكر للأعراق. 

وحين أصبحت ليستر المدينة الأولى التي يُفرض عليها إغلاق (حجر) من نوع خاص، حُرص على عدم الإشارة إلى العرق من أي ناحية. وحدها القناة الرابعة (على التلفزيون الإنجليزي) تطرّقت في البداية إلى هذه المسألة في سلسلة من التقارير الجديرة بالإعجاب من شوارع المدينة. وبثّت القناة ذاتها الأسبوع الماضي تقريراً من مدينة برادفورد (المنطقة التي تقطنها غالبية من أصول آسيوية) عن دفن فهزان جميل، البالغ من العمر عشر سنوات، وهو من أصغر ضحايا كوفيد-19 في المملكة المتحدة، وختمته ببعض الصور للمقبرة الممتلئة بقبور جديدة تكلّلها الورود.

نما ذُكر، وغالباً من دون تعليق إضافي، أن منطقة  سلاو Slough (القريبة من لندن)  هي تقريباً المنطقة الوحيدة الواقعة ضمن محافظة، التي يقع الاختيار عليها كي يطبق فيها المستوى الثالث من الإغلاق. وقد أُدرجت كِنت Kent  بكاملها في المستوى الثالث (ما أثار شكاوى صاخبة من أماكن متعددة، منها ثنبريدج ويلز). وقد يكون أحد أسباب إصرار عمدة لندن صادق خان طوال الوقت على ضرورة معاملة لندن باعتبارها كياناً واحداً- وسبب موافقة الحكومة على ذلك- هو أن حالات الإصابة وإدخال المستشفيات تباينت بشكل كبير بين الأحياء “الغنية” و”الفقيرة”، وهي ترتبط بالبنية العرقية كذلك.

قاومت المملكة المتحدة أيضاً على المستويين الوطني والمحلي، تبنّي المقاربة الناجحة التي اعتمدتها بعض الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية وتايوان، التي “فرضت الحجر” فقط على الأفراد المصابين. ففي بريطانيا حيث التنوع السكاني أكبر، كانت هذه المقاربة ربما لتنتج وضعاً شبيهاً بالتنميط العرقي. وجرى إجمالاً التمسّك بمقولة “كلّنا في هذا الوضع سوية” سواء كبلدٍ أو مقاطعات. 

وفي الواقع، كان الحديث صريحاً أكثر بشأن الجوانب العرقية للجائحة في المملكة المتحدة خلال وقت سابق من السنة، حين تبيّن ارتفاع معدلات الوفيات بشكل كبير بين بعض الأقليات العرقية. وبعد إجراء دراسات عدة، أصبح من المعروف الآن (في مكتب الإحصاءات الوطني وغيره من الهيئات) أن الرجال السود من الأصول الأفريقية والبنغلاديشيين هم الأكثر تأثراً، إذ تبلغ معدلات الوفيات في أوساطهم أكثر من الضعف مقارنة بأولئك من العرق الأبيض.

والسؤال الأكثر إثارة للجدل حالياً هو لماذا. هل في عرق الأشخاص ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، أم أن الأفراد الموجودين ضمن أكثر المجموعات تأثراً هم من يميلون إلى العمل في وظائف متدنية الأجر فيها تعاطٍ مباشر مع الناس، مثل الحراسة وقيادة سيارات الأجرة وبيع الأطعمة والرعاية الصحية؟ أم أنه انعكاس للظروف الحياتية أو الثقافية- أي الزيادة في عدد الأفراد الذين يعيشون سوية ضمن أسر فيها أجيال متعددة مثلاً، أم أن درجة الالتزام أقل بالتباعد الاجتماعي أو بوضع الكمامة؟ أم أن احتمال وجود حالات مرضية سابقة مثل السكري والأمراض التنفسية، أكبر؟ هل من الممكن أساساً فصل عامل العرق عن غيره من العوامل الاقتصادية؟

ومن الآراء التي صبّت في حركة “حياة السود مهمة” هو القائل إنه حتى بعد تعديل المتغيرات المعروفة كافة، يظل احتمال وفاة الأشخاص من بيئة (أبناء الأقليات من السود والآسيويين المعروفة بـ”بايم” Bame) بسبب فيروس كورونا أعلى بكثير، وأن الفرق لا يمكن تفسيره سوى بالعنصرية.

ويكبر الخطر عند هذه النقطة في أن يتجه النقاش نحو مسارات خطيرة قام السياسيون وغيرهم إلى الآن بتفادي السير عليها. أحدها يرتبط بالتوظيف. إن افترضنا أن الأشخاص من خلفية السود والخلفية الجنوب آسيوية أكثر عرضة للإصابة بمرض شديد جرّاء فيروس كورونا، هل يجب توفير حماية خاصة لهم حين يعملون في قطاعات قد تعرّضهم إلى درجة قصوى من الخطر، أم منعهم منها كلياً؟ هل يمكن لأصحاب العمل أن يبدأوا باختيار موظفيهم على أساس من يُعتبرون أقل عرضة للإصابة؟ في أي مرحلة قد تتحوّل الحماية إلى تمييز؟ 

أما اقتراب مرحلة التطعيم، فيمثّل معضلات عدة. إن كانت مجموعات العرق الأسود والجنوب آسيوي أكثر عرضة للإصابة بالفيروس- لأي سبب من الأسباب- هل يجب منحها الأولوية؟ لدى سؤاله منذ أسبوع أو نيف عن احتمال ضرورة تسريع تلقيح الأشخاص من الأقليات العرقية والإثنية “بايم”، تجنّب جوناثان فان تام، أكثر مستشاري الحكومة العلميين حنكة في التعامل مع الإعلام، السؤال بطريقة لائقة إذ أجاب أن الأشخاص الذين لديهم مشكلات طبية سابقة يعطون الأولوية أساساً، وأن عدداً من الأشخاص “بايم” (من خلفيات عرقية ملونة) يقعون في هذه الخانة ولكن لا خطّة لجعل العرق وحده معياراً.

إن الإشارة إلى أن الأشخاص من أعراق محددة قد يُعطون الأولوية شكّلت فخاً لسببين على الأقل. أولاً، يمكن أن تُحدث المرارة في أوساط السكان البيض إن شعروا بأنهم موضوعون في مرتبة متأخرة ضمن القائمة. والثاني، وهو المشكلة الأكبر، هو ثقل الطيف المظلم [الخبيث] للتاريخ وسجل الولايات المتحدة تحديداً في استغلال السود في تجارب طبية. وقد يكون المثل الأشهر هو دراسة تسكيغي سيّئة السمعة لمرض “سفلس” (الزهري) Tuskegee syphilis study التي امتدّت من ثلاثينيات القرن الماضي حتى سبعينياته، وأدت إلى اعتذار الرئيس بيل كلينتون عنها. 

تشير الدلائل بالفعل إلى أن البريطانيين السود لديهم شكوك أكبر بكثير تجاه التلقيح ضد فيروس كورونا مقارنة بالبيض: أظهر استطلاع للآراء أجرته يوغوف أخيراً أن 37 في المئة من سكان لندن  المتحدرين من عرقيات وإثنيات مختلفة “بايم” يقولون إنهم “لا يرجحون جداً” أو “لا يرجحون إلى درجة معينة” أخذ اللقاح، مقارنة بـ17 في المئة فقط من سكان لندن البيض. ولو كان يمكن ترجمة ذلك إلى أرقام حقيقية فماذا إذاً؟ كيف سيكون ردّ فعل البيض إن شعروا بأن حماية المدينة كاملة أو البلد بأكمله حتى، معرّضة للخطر بسبب رفض أقلية؟

كما أقول، أحسنت الحكومة والسياسيين في تفادي أي شيء قد يميّز أي مجموعة عن أخرى إلى الحين، أو يجلب عليها الوصمة خلال الجائحة. لكن أخيراً وقعت حادثتان تحذّران من مدى مشارفة الضغينة والتوتر على البروز.

تأتي الأولى من الأراضي الكندية التي يفترض أن مقاربتها ألطف، إذ أصبح الدكتور جان روبير نغولا، وهو طبيب صحة عامة يحمل الجنسيتين الكندية والكونغولية، منبوذاً في المجتمع المحلي بعد أن عُرف بأنه أصيب بالفيروس وقد يكون “المريض رقم صفر” في موقع سكنه ضمن مدينة كانت خالية من كوفيد حتى ذلك الحين في المقاطعة البحرية. ويبدو أنه التقط العدوى بعد القيادة لإحضار ابنته من مونتريال، وهي رحلة ربما كانت مخالفة للقوانين أو لم تكن كذلك.

أما الثانية، وهي الأقرب من هنا، فهي الردّ الشرس في بعض أقسام وسائل التواصل الاجتماعي على إعلان ساينسبوري التلفزيوني لعيد الميلاد الذي ظهرت فيه عائلة سوداء. كان ردّ فعل سلاسل المتاجر الأخرى تضامن يستحق الثناء، لكن العنصرية موجودة في الخارج. ومع تجلّي الجانب العرقي لهذه الجائحة، على الوزراء ورؤساء البلديات وجميع من يحتلّ أي دور قيادي التزام الحذر. 

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …