الرئيسية / الرئيسية / Project-syndicate: “عام صفري” جديد

Project-syndicate: “عام صفري” جديد

BY: KLAUS SCHWAB

الشرق اليوم – قد يكون العام المقبل تاريخياً وبصورة إيجابية، إذ بعد خمسة وسبعين عاماً من “عام الصفر” الأصلي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، أمامنا فرصة أخرى لإعادة البناء.

لقد كانت هذه العملية بعد عام 1945 حرفية؛ إذ أعيد البناء من حطام الحرب، وهذه المرة، ينصبّ التركيز على العالم المادي، ولكن أيضاً على أكثر من ذلك بكثير، إذ يجب أن نهدف إلى درجة أعلى من التطور المجتمعي، وإنشاء أساس سليم لرفاهية جميع الناس وكوكب الأرض.

بعد الحرب العالمية الثانية، طورنا فلسفة اقتصادية جديدة تقوم على التعاون والتكامل، مع اعتبار الرفاهية المادية هدفها الأساسي، وأدى هذا المشروع إلى ظهور منظمات دولية مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فضلاً عن الترتيبات التي تمخّض عنها منظمة التجارة العالمية، والاتحاد الأوروبي، وسادت النيوليبرالية- وهي التزام قوي بالأسواق الحرة والحكومة المحدودة- في الغرب، حيث حققت عقوداً من الازدهار والتقدم.

ولكن هذا النموذج تعرّض للانهيار، ورغم أن “كوفيد-19” وجّه الضربة القاضية، فقد كان من الواضح، على مدى عقدين على الأقل، أن نموذج ما بعد الحرب لم يعد مستداماً بيئياً أو اجتماعياً (بسبب مستويات عدم المساواة المرتفعة اليوم).

وقال المؤرخ الإنكليزي توماس فولر، جملته الشهيرة “إن أحلك ساعة في الليل تأتي قبل الفجر مباشرة”، ومع ذلك، لا يمكننا أن نفترض ببساطة أن عاماً أفضل سيتبع عاماً مروعاً تسبب في أكبر أزمة للصحة العامة، وأشد ركود اقتصادي منذ قرن من الزمن، بل يجب علينا أن نعمل لجعله كذلك.

وأرى ثلاث ركائز يتعيّن البناء عليها:

أولاً: قد يكون عام 2021، هو العام الذي نسيطر فيه على “كوفيد-19″، وإذا استمرت التوقعات الحالية، فسيتوافر العديد من اللقاحات، وإذا سمحت لنا بدحر الوباء، فعلينا أن نستخلص الدرس من هذه الأزمة، وعلى الرغم من أن اللقاحات يمكن أن تحقق الاستقرار، فإنها ليست حلاً سحرياً، وإن وقف الوباء هو مجرد خطوة أولى، شأنه في ذلك شأن تسوية سلمية تنتهي ولا تعكس الدمار الذي خلّفته الحرب، وسيكون التحدي الأكبر إصلاح العيوب الهيكلية في أنظمتنا ومؤسساتنا التي أخفق الكثير منها في توفير الرعاية والخدمات اللازمة لجميع من يحتاجون إليها.

وسيرجع القرار لنا جميعاً لضمان جعل أنظمة الرعاية الاجتماعية والصحية لدينا أكثر مرونة بالنسبة إلى الجيل القادم. لقد ذكّرنا الوباء بأنه لا يمكننا أن نهدف إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي والأرباح فقط، على افتراض أن تعظيم هذه المؤشرات يخدم تلقائياً مصلحة المجتمع. إنها ليست كذلك، ولهذا السبب يجب أن يأتي العام المقبل “بعملية إعادة تأهيل كبيرة” في كيفية تعاملنا مع النمو الاقتصادي والحوكمة.

ثانياً: سيكون عام 2021، هو العام الذي تلتزم فيه كل حكومة كبرى، وكذلك تحالفات القطاع الخاص الواسعة، بهدف تحقيق “صافي الصفر” لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وهذا يعني أنه بدلاً من أن يبقى العالم عالقاً في سباق نحو القاع، ويخاف من مشكلة “لمنتفع بالمجان” المستمرة، يمكن للعالم أن يستفيد من دورة حميدة لإزالة الكربون.

ووافق الاتحاد الأوروبي بالفعل على “إدراج حياد المناخ لعام 2050 في القانون”، وتعهدت الصين بأن تصبح “محايدة مناخياً بحلول عام 2060″، وقدمت اليابان تعهداً مماثلاً لعام 2050، ومع انتخاب جو بايدن رئيساً، من المتوقع أن تنضم الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، وأن تهدف إلى تحقيق طاقة نظيفة بنسبة 100 في المئة، وانبعاثات صفرية بحلول 2050.

وهذه الالتزامات هي بمنزلة تطوّر تاريخي، إذ تمثّل الصين، واليابان، والولايات المتحدة، وأوروبا مجتمعة أكثر من نصف جميع انبعاثات غازات الدفيئة، وأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وإن الأهداف المحددة في اتفاقية باريس قابلة الآن لتحقيق وشيك على المستويين الوطني والإقليمي، وفضلاً عن ذلك، فإن سلسلة من التزامات الصناعة والشركات تكمل الآن جهود الحكومة، ولم يحدث من قبل أن كانت حركة المناخ العالمية بهذا النطاق الواسع والملموس.

وأخيراً: سيكون عام 2021، هو العام الذي تتحول فيه الشركات من توجّه صارم نحو الربح القصير الأجل إلى استراتيجيات تركز بصورة أكبر على جدوى أعمالها على المدى الطويل، وعلى مصالح جميع أصحاب المصلحة ومساهماتهم، ومن المؤكد أن قادة الأعمال قد اعتمدوا مفهوم رأسمالية أصحاب المصلحة في عام 2019، بموجب تعهّد المائدة المستديرة للأعمال التجارية، ثم في بيان دافوس لعام 2020، ولكنهم افتقروا إلى الوسائل لترجمة هذه الالتزامات المبدئية إلى أهداف قابلة للقياس وتقارير غير مالية.

ولم تعد هذه هي الحال اليوم، فمع تطوير “مقاييس واضحة لرأسمالية أصحاب المصلحة” في عام 2020، تمتلك جميع الشركات الأدوات التي تحتاج إليها لتحويل الالتزامات البيئية والاجتماعية، وتلك المتعلقة بالحوكمة إلى إجراءات قابلة للقياس.

ومرة أخرى، هذا إنجاز تاريخي ستكون له تداعيات عالمية، لقد ساهمت شركات المحاسبة الأربع الكبرى- Deloitte (ديلويت)، وEY (إي واي)، وKPMG (كي بي إم دجي)، وPwC (بي دابليو سي)- جميعها في المقاييس الجديدة، ويمكنها الآن دمجها في تقاريرها السنوية الخاصة بأداء الشركة، وانضمت إليها مجموعة من المؤسسات المالية الكبرى، بما في ذلك Bank of America (بنك أوف أميركا) وBlack Rock (بلاك روك)، التي كانت تدعم بصورة متزايدة رأسمالية أصحاب المصلحة.

وتضمن كل هذه التطورات الرئيسة الثلاثة- بما في ذلك التركيز المتجدد على الصحة العامة والمرونة، وتعهدات صافي الصفر، ووصول مقاييس رأسمالية أصحاب المصلحة- أن عام 2021 سيكون “عاماً صفرياً” جديداً، وكما هي الحال في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تم وضع اللبنات الأساسية بالفعل، مما يوفر الأساس لبناء عصر جديد من رفاهية أفضل، والنمو الاقتصادي الشامل، والعمل المناخي.

ترجمة: الجريدة

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …