بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية
الشرق اليوم- الافتراض القائل بأن إيران يمكن، في إطار اتفاق ما، أن تحدّ من سياساتها العدوانية في المنطقة أو تردع ميليشيات الفساد والجريمة والإرهاب، يستند إلى جهل تام بطبيعة النظام الإيراني. إنه بطبيعته المجردة نظام جريمة وفساد وإرهاب. وهذه الطبيعة لا يمكن التخلص منها بأي اتفاق.
نعم، عندما يشعر هذا النظام بالضعف، فإن من طبيعته أيضا أن ينحني للعاصفة ويتظاهر بالمرونة، ولكنه يفعل ذلك على سبيل “التقية”. وهات في الغرب من يفهم المعنى. إنه الخداع من أجل النجاة قبل العودة من جديد للانتقام.
ولكن المشكلة ليست في أن الخداع مؤقت أو أنه يخفي ما لا يُظهر، بل إنه يعكس ذلك الجزء المظلم من الطباع الذي يجعل الوحشية والشراسة هي الخطوة التالية دائما.
لماذا؟ لأن الخسيس المجبول على النذالة يعود، بحسب طبعه، إلى أن يمارس أضعافا مضاعفة من نذالته عندما يتحرر من الخوف.
هل تستطيع أن تُعلم الضباع أن تقاتل كما تقاتل النمور والأسود؟ مستحيل. لأنها جُبلت على طبع لا تبديل له. مع ذلك، فهناك حقائق أفضل من هذا الكلام، هي التي تعود فتؤكده.
قد يمكن للنظام الإيراني أن يتخلى عن مشروعه النووي وأن يسمح لمراقبين دوليين بالإشراف على كل برامجه الصاروخية، وأن يوقف تخصيب اليورانيوم، ويدمّر الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الجديدة، وأن يعلق لوحة على باب المرشد الأعلى تقول: نحن دولة منزوعة السلاح، ولكن هل يمكنه أن يتخلى عن مشروعه الطائفي؟
هذا المشروع هو جوهر النظام، وما أسلحته إلا لكي تمنح هذا المشروع القدرة على التمدد في الجوار.
وماذا يعني ذلك؟ إنه يعني نزاعات أهلية، وجرائم تكفير، وانقسامات، ومطالبات بالثأر، واستعادات لفقه فاسد ومنفصل عن عالم اليوم. ومن ثم فإنه ميليشيات جريمة وفساد.
العراق نموذج ساطع. فهذا بلد كان بوسعه، بما يملك من ثروات مادية وبشرية، أن يكون نموذجا للتنمية والتقدم في كل مجال. ولكن أنظر إليه الآن بعد سنوات من تمدد المشروع الطائفي إليه وسترى مستنقع جريمة وتخريب وانحطاط وفساد، من المؤسف القول إن القذارة أطهر منه.
ولو شئت فاذهب إلى أي مكان تمدد إليه هذا المشروع، وسترى أنه صنع من انحطاط الجريمة في السياسة والاقتصاد والحياة العامة ما يجعل العهرَ ينفر منه.
إيران هي هذا المشروع. وهذا ما لا يستطيع أي اتفاق يتعلق بأسلحتها أن يوقفه ولا أن يحدّ من أضراره.
وهل تستطيع إيران أن تتخلى عن “الحرس الثوري”؟ مستحيل أيضا. فهذه الكتائب ليست جيشا للهجوم ولا للدفاع. إنها رؤية فكرية. إنها تصوّر محدد لطبيعة النظام وغاياته. إنها جيش للنذالة على وجه التحديد والحصر. أنظر إلى كتائبه وفروعه في الخارج، وأنظر إلى ما يتلقنه أعضاؤها من أفكار مريضة وتصورات، ثم أنظر إلى ما يفعلون، وما يبررون لأنفسهم أن يفعلوه، وسوف تصاب بالذهول والعجب، لتسأل عما إذا كان هؤلاء بشرا أم مجرد ضباع زادها الجوع وحشية وشراسة.
يمكن للولي الفقيه أن يوقّع على أي اتفاق إلا أنه لن يوقع على اتفاق لحل ميليشياته داخل إيران وخارجها، لأنها هويته ولأنها أداته المسلحة الأولى. وهي أكثر أهمية من صواريخه نفسها، لأنها وسيلته للقمع والترويع، ولأنها درعه المباشر.
وإيران ليست قليلة الموارد. في الواقع، فإنها من الغنى ما يمكن أن يجعلها واحدا من أكبر عشرين اقتصادا في العالم. ولكن أنظر إليها على امتداد كل السنوات التي سبقت الحصار المشدد الذي تعانيه الآن، وسترى خرابا، سببه فقه النظام وطبيعته الخاصة.
المسألة تتجاوز الحقوق والحريات. إنها تتجاوز حقيقة أن الدولة لم تعد نظاما مؤسسيا قائما على هيكليات تقصد توفير الموارد وإدارتها وترشيدها. إنها مسألة تتعلق بالعقلية المريضة التي تتحكم في النظام العام.
المتمعّن في فقه النظام الإيراني لن يعثر على غايات تقصد التقدم والإعمار؛ لن يعثر على غايات تنمية اجتماعية واقتصادية أو تنمية موارد بشرية. غاياته ليست من هذا العالم أصلا. إنها غايات تنشد شيئا لا علاقة له بحياة البشر، بل بموتهم. وكل ما يفعله آيات هذا الفقه هو أنهم ينتظرون “المهدي المنتظر”. ولا تسأل ماذا سيفعل هذا “المنتظر”، لأنك سوف تشاهد فيلم رعب لم يسبق لأي مخيلة مريضة أن أنتجته.
الإيرانيون يعيشون داخل هذا الفيلم. والمرشد الأعلى هو “المخرج”، ومؤسسات النظام الفقهية من قبيل “مجلس الخبراء” و”مجلس صيانة الدستور” وغيرها من مجالس العمائم التي أطبق عليها الظلام هي “المنتج”، وعناصر ميليشيات الباسيج والباسدران هم “الأبطال”.
هل يمكن لبلد يعيش في فيلم رعب وفي ظل ثقافة قتل وترويع وانتقام أن يحقق أي تقدم؟ مستحيل أيضا. وماذا يمكن للتخلف والانحطاط أن يعني فيه؟ هل يمكن له أن يُنتج علاقات سلام مع الجوار؟ هل يمكن أن ينتج علاقات تصالح مع العالم؟ أو أن يتصالح مع نفسه؟ هل يمكن أن يعيش في عالم اليوم على الأقل؟
البيئة التي يوفرها النظام الإيراني لشعبه ليست سوى بيئة منتجة للوحشية والتخلف، وهذه لا يمكنها إلا أن تكون أحد موارد التعصب والتطرف والإرهاب.
السؤال الآن هو، هل يمكن لأي اتفاق، مهما كانت سعته وتفاصيله، أن يقلب فيلم الرعب إلى قصة غرام؟
يحتاج المرء أن يكون غبيّا لكي يُصدّق أن هذا النظام سوف يتغير باتفاقات أو أنه سوف يلتزم بها أصلا. فذلك ليس من طبيعته ولا هو يقدر عليه من الأساس.
وما من شيء يمكنه أن يقدم تبريرا معقولا لمنحه فرصة أخرى، لأنه سيعود فيُنتج الشيءَ نفسه. تلك هي طبيعته التي لا سبيل إلى تبديلها.
الخيار الوحيد العاقل هو السعي إلى نجدة شعوب إيران منه. هذا شعب فيه من الأحرار ما يكفي. إنه شعب سحقه الظلام، كما سحقه الفقر. وهو شعب فيه مثقفون وفنانون وعلماء وأدباء يستحقون أن يقودوا بلدهم ليكون قادرا على العيش بحرية وكرامة في عالم اليوم لا في عالم الظلمات.
وحتى إذا كان بوسع مغريات المصالح أن توحي بإمكانية عقد صفقات مع هذا النظام، فالحقيقة الساطعة هي أن موارد هذه الصفقات سوف تذهب في النهاية لتمويل الخراب والإرهاب، كما فعلت من قبل، مما يجعل منها صفقات هشة وعاجزة حتى عن حماية نفسها.
وفي الواقع فقد جرّبت شركات عدة أن تعقد صفقات كبرى مع نظام الترويع هذا قبل أن تكتشف أنها عاجزة عن الاستمرار.
المصالح تستقر وتنمو مع شعب حر ونظام يلائم عصره لا مع شعب مقهور ونظام غارق في مستنقع الخرافة والجهل والفساد.
إسقاط النظام الإيراني هو الهدف الوحيد الصحيح. وهو أقل كلفة من أي محاولات أخرى للتعايش معه، حتى لو قرر أن يصبح نظاما منزوع السلاح.