بقلم: جيدون راشمان – المصري اليوم
الشرق اليوم – ينبغي ألا يكون تمديد المحادثات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بمثابة مفاجأة، فعلى الرغم من تبجح رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بشأن قدرتنا على “الازدهار بقوة”، فإنه يعلم أن خروج بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق ينظم العلاقة في مرحلة ما بعد “بريكست” سيكون تأثيره كارثيًا على البلاد، فصحيح أن الاتحاد الأوروبي نفسه سيعاني، ولكن ليس بنفس القدر، ولذلك فإنه من المحتمل أن يتم إبرام صفقة قبل نهاية العام، وإذا لم تتم بحلول ذلك الوقت، فإنها ستتم بعد ذلك بوقت قصير فقط.
وعندما يتم التوصل إلى اتفاق، فإنه سيكون إلى حد كبير وفقًا لشروط أوروبا، فصحيح أنه لا شك أن الاتحاد الأوروبي سيقدم بعض التنازلات كجزء من مساومات اللحظة الأخيرة، لكن سيتعين على بريطانيا الموافقة على المطلب الأساسي للاتحاد، وهو أنه يجب أن تكون هناك قواعد لتكافؤ الفرص، وذلك لضمان أن المملكة المتحدة لا تستطيع تقويض لوائح الاتحاد الأوروبي بشأن المنافسة كما تشاء.
والسبب في إبرام الصفقة وفقًا لشروط الاتحاد الأوروبي هو نفس السبب الذي جعل عملية خروج بريطانيا “بريكست” بأكملها مؤلمة للغاية لها، وهو عدم وجود تناسق أساسي في القوة بين الجانبين، حيث ترسل بريطانيا 43% من صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي، بينما ترسل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا حوالى 6% من صادراتها إلى بريطانيا، ويبلغ عدد سكان المملكة المتحدة حوالي 67 مليون نسمة، فيما يبلغ عدد سكان الاتحاد الأوروبي 447 مليون نسمة، وحتى دون بريطانيا، فإن الاتحاد لديه سوق يمكن مقارنتها من حيث الحجم بسوق الولايات المتحدة أو الصين.
ويصر جونسون على أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي متساويان في السيادة، لكن في ظل حفاظ الاتحاد على وحدته، فهما ليسا متساويين من حيث القوة، وهذا ما كان مهمًا في هذه المفاوضات، ولهذا السبب قدمت بريطانيا سلسلة من التنازلات المؤلمة على مدى السنوات الأربع الماضية، وأبرزها الموافقة على وجود وضع منفصل لأيرلندا الشمالية، والتي ستشهد عمليات فحص جمركية على البضائع التي تعبر البحر الأيرلندي، مما يقسم المملكة المتحدة فعليًا.
ولطالما أصر البريطانيون على ضرورة أن تتبنى بروكسل ولندن اتفاقًا يربح فيه الجميع، لكنهم فشلوا في فهم كيف يرى الاتحاد الأوروبي مصالحه الخاصة، فسلامة وجاذبية السوق الأوروبية الموحدة هي أهم الأصول الاستراتيجية للاتحاد، ويبدو أن بروكسل عازمة على عدم تقويض تلك القوة، وذلك من خلال السماح لدخول السوق البريطانية بشروط مفيدة للغاية.
ويحتاج الأوروبيون أيضًا إلى أن يثبتوا للقوى المتشككة في الاتحاد داخل بلدانهم أن مغادرة الاتحاد تعد فكرة سيئة، وبمجرد أن قرر الأوروبيون أنه ليس من مصلحتهم منح بريطانيا سهولة الوصول إلى السوق الموحدة التي وعد بها جونسون الناخبين البريطانيين، أصبحت القوة النسبية حاسمة، ولسوء الحظ، فقد بالغ مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد في تقدير قوة بلادهم، معتقدين أن الاتحاد كان على وشك الانسحاب أو تقديم تنازلات لم تتحقق أبدًا.
ولكن لماذا ارتكبت بريطانيا هذا الخطأ؟ يرجع ذلك جزئيًا إلى أن مؤيدى الخروج قد وضعوا الكثير من الثقة في حقيقة أن الاتحاد يتمتع بفائض تجاري كبير مع المملكة المتحدة، ولكنهم نسوا أن بريطانيا، على المستوى العالمي، ليست سوى سوق واحدة من بين العديد من الأسواق.
ولعقود من الزمان، كان الاعتقاد بأن الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار عنصرًا أساسيًا في الخطاب البريطاني المتشكك في أوروبا، فقد نشأ جيل على حكايات الانتصارات العسكرية البريطانية على ألمانيا وفرنسا، وهو الآن يجد صعوبة في تصور أن بريطانيا لن تتغلب في النهاية على هؤلاء الأوروبيين. وتجسد هذا النوع من الشوفينية بالملاحظة الأخيرة التي أدلى بها وزير التعليم البريطاني، جافين ويليامسون، بأننا أفضل بكثير من كل بلد منهم.
وبعد أن تلاشت أوهامهم، لجأ مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى الشكوى من أن الاتحاد يعامل بريطانيا بشكل غير عادل، لكن الاعتماد على لطف الدول الأخرى ليس استراتيجية سليمة، فالدول- بما في ذلك بريطانيا- تبحث عن مصالحها الخاصة أولًا.
وقد أدى الرعب من ضعف موقف بريطانيا إلى تفشي كراهية الأجانب والتفاخر الفارغ.. وصحيح أن المملكة المتحدة انتصرت في الحربين العالميتين بمساعدة أمريكا، لكن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لن تنقذ بريطانيا في مواجهتها مع الاتحاد الأوروبي اليوم، فمن شأن خروج بريطانيا من الاتحاد دون اتفاق أن يؤدي إلى عزلة سيئة للغاية، وهذا هو السبب فى أن الصفقة التى ستتم وفقًا لشروط الاتحاد هي النتيجة المرجحة إلى حد بعيد.