الرئيسية / مقالات رأي / الغرب ينعى لبنان. . . هل فات الأوان؟

الغرب ينعى لبنان. . . هل فات الأوان؟

بقلم: سابين عويس – النهار العربي 

الشرق اليوم –  لا يكاد يمر يوم إلا ويحمل معه تحذيراً خارجياً للقوى السياسية في لبنان من مستوى الدرك الذي بلغته البلاد في ظل الأداء السياسي المتهالك، وحال الإنكار التامة التي تعيشها هذه القوى من خلال قراءاتها المغلوطة للمتغيرات في المشهدين الإقليمي والدولي، ورهاناتها الخاطئة عليها. 

عندما حذّر وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، غداة انفجار مرفأ بيروت، من أن لبنان آيل إلى الزوال ما لم يتدارك أهله حجم المخاطر المحدقة به، لم يلق ذلك التحذير أي صدى. حتى أنه لم يتم التعامل معه بجدية، أقله سعياً وراء فهم الأسباب أو المعطيات التي دفعت رئيس الدبلوماسية الفرنسية إلى تصريح كهذا، يحمل ما يحمل من الخطورة، خصوصاً أنه يأتي من الدولة التي اندفع رئيسها إلى زيارة لبنان مرتين (والثالثة خلال أيام)، وطرح مبادرة إنقاذية وُصفت بأنها الفرصة الأخيرة، ربما، أمام البلاد للخروج من مأزقها. 

مضى أكثر من أربعة أشهر على ذلك التصريح، من دون أي تغيير في التعاطي الرسمي والسياسي مع الأزمة الداخلية، حتى بلغ الأمر بلودريان أخيراً، وفي حديث الى صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية، حد إطلاق توصيف مؤلم جداً، وإنما واقعي جداً للوضع اللبناني، إذ رأى أن الانهيار السياسي والاقتصادي يشبه غرق سفينة “تايتانك”، لكن من دون موسيقى. وقال إن اللبنانيين في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى موسيقى!

لا شك في أن تصريحات لودريان التشاؤمية أثارت الخوف في أوساط اللبنانيين، لا سيما أنها تأتي قبل أيام قليلة على الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي الزيارة الثالثة له منذ آب / أغسطس الماضي. لكنها تختلف في الواقع عن زيارتيه السابقتين في الشكل والمضمون والرسالة التي يحملها. فالرئيس الفرنسي الذي سارع إلى إظهار تعاطف بلاده مع اللبنانيين وعمد إلى جمع القيادات السياسية من أجل التوقيع على خريطة طريق تسهّل إنقاذ لبنان من المخاطر الوجودية التي تتهدده، انطلاقاً مما يملكه من معطيات حول ما يُرسم للبلد الصغير، منح اللبنانيين بعضاً من الأمل في زيارته الأولى التي شجعته على المضي في مبادرته، لكن ما لبث أن خاب ظنه في زيارته الثانية بعدما أيقن أن لا نية لدى المسؤولين اللبنانيين للخروج من حساباتهم الضيقة وأجنداتهم الخارجية ومصالحهم الخاصة. وهذا ما قاد إلى فهم الرسالة التي يحملها في زيارته الثالثة التي ستعبّر عن طيه صفحة المبادرة، والاكتفاء بتقديم الدعم للشعب اللبناني. 

في الموازاة، يتجلى موقف بريطاني مماثل، لم يكن أقل وضوحاً. فالسفير في بيروت يغادر ومعه عدد كبير من أعضاء السلك الدبلوماسي العاملين في السفارة. وفي زياراته الوداعية للمسؤولين، حمل رسائل لا تقل تشاؤماً، كما نقل عنه مضيفوه. فالمملكة المتحدة تنظر بعين القلق والتشاؤم عينها، وممثلوها على تنسيق تام مع الفرنسيين في الملف اللبناني، ويرون المصير عينه ما لم يستدرك المسؤولون اللبنانيون، ويستفيقوا من غيبوبتهم. 

لا يقفل السفير البريطاني الباب نهائياً من دون أن يترك نافذة أمل. فالفرصة لا تزال متوافرة، وأفق حديد يمكن أن ينفتح، ولكن لذلك شروطاً ومتطلبات تكمن في ضرورة السّير خطوات إلى الأمام، بدلاً من الانزلاق إلى الوراء. أبرز الشروط المعلنة تكمن في تشكيل حكومة وإقرار الإصلاحات المطلوبة. هي شروط مطاطة تحمل الكثير في طياتها مما يطلبه الغرب ومعه الولايات المتحدة الأميركية التي تزيد من حدة تضييقها على البلاد في إطار الضغط على “حزب الله”. 

جل ما يطلبه سفراء دول الغرب في لقاءاتهم اللبنانية “افعلوا شيئاً. أمامكم عمل كثير لا يحتمل الانتظار والمماطلة”. والأسرة الدولية تبلغ لبنان بكل وضوح أن عدم السير في الشروط السياسية سيؤدي إلى اقتصار الدعم الدولي على المساعدات الإنسانية والاجتماعية. 

في المقابل، آذان صماء في الداخل تتبع حساباتها المتصلة بتثبيت نفوذها ونفوذ رعاتها الخارجيين.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …