BY: Michael Heseltine
الشرق اليوم – إن المملكة المتحدة ستصبح قريبا وحيدة إثر خروجها رسميا من الاتحاد الأوروبي فيما يُعرف إعلاميا بـ”البريكست”.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يستحدث وظائف للشعب ولن يضمن مستقبلا “مجيدا”، رغم أنه سيجعل الدولة تستعيد سيادتها وسيطرتها على شؤونها. إنه “أسوأ قرار” تتخذه لندن في العصر الحديث، ولكن السؤال الأهم هو ما مغزى صمت الوزراء المعارضين للخروج من الاتحاد الأوروبي؟
ما أعرفه من واقع تجربتي في العمل الحكومي أن هناك شحًّا في المعلومات والمعطيات، ووفرة في سجالات الرأي والمناورات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشأن “البريكست”.
أمس الأحد، اتفقت بريطانيا والاتحاد الأوروبي على مواصلة المحادثات لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن علاقتهما المستقبلية. ويعد قرار تمديد المفاوضات الأصعب في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما يأتي في ظل إشارات كثيرة من الطرفين إلى احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
إن استخدام عبارة “استعادة بريطانيا السيطرة على شؤونها” ينطوي على استنهاض الروح الوطنية البريطانية، كما يجب على القيادة في بريطانيا الاستماع إلى وجهة النظر المخالفة وإدراك ما ستفضي إليه التسويات من نتائج ما تلبث أن تجعل من النعرة الوطنية معتقدا لدى غالبية المجاميع الحزبية المتطرفة.
لا أعرف بالضبط ما ستتمخض عنه كل تلك المواقف من مآلات بحلول يناير / كانون الثاني المقبل، ولكن ما أعرفه هو “أننا سنكون خارج الاتحاد الأوروبي نظريا وعمليا سواء باتفاق أو من دون اتفاق”.
وفي ضوء تلك السياسة انتخب الشعب حكومة المحافظين الحالية التي “ستتحمل ببساطة مسؤولية أسوأ قرار يُتخذ في زمن السلم” في التاريخ الحديث.
إنني أعرف وزراءً في الحكومة يدركون مغبة ذلك القرار جيدا، ومع ذلك لا أفهم الأسباب التي تدعوهم لالتزام الصمت.
يمكننا القول إن بريطانيا تغامر بعلاقتها التجارية مع أكبر سوق على مقربة منها، تستأثر بنحو نصف وارداتها وصادراتها. ورغم ذلك ظل دعاة الخروج “يحدثوننا عن مستقبل مجيد، لكن ما يعوزنا ذرة من دليل أو حقيقة واحدة”.
إن “الوهم” السائد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سيعقد صفقة ملائمة مع بريطانيا تبخر إثر خسارته الانتخابات الأخيرة.
وسيحيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على منظمة التجارة العالمية، وما يستوجبه ذلك من الامتثال لشروط المنظمة، مما يعني أن أي رسوم جمركية تفرض على دولة من الدول ستنسحب على الجميع.
من المؤكد أن ذلك يعني أيضا أن السيادة على القوانين ستتحول ببساطة من بروكسل البلجيكية (مقر الاتحاد الأوروبي) إلى رئاسة منظمة التجارة العالمية في مدينة جنيف السويسرية.
ومن بين القضايا العالقة في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي مسألة الصيد البحري التي تُعد على وجه التحديد إحدى القضايا العاطفية لدى الطرفين.
ومن دون اتفاق على الخروج، ستفقد قوارب الصيد الأوروبية حق الوصول إلى المياه البريطانية والعكس صحيح. ولهذا السبب وضعت بريطانيا 4 سفن حربية على أهبة الاستعداد لمراقبة مياهها الإقليمية ومنع السفن الأوروبية من الصيد.
يجب أن تبذل بريطانيا كل ما في وسعها للاستفادة من الأسواق الآسيوية “التي تتمتع بمعدلات نمو عالية نسبيا”، حيث أن النجاح في هذا الصدد يعتمد على ما تملكه دولة ما من سلع ترغب دولة أخرى بشرائها بأسعار تتوافق مع ما تستطيع دفعه مقابلها.
وأهم مأخذ على الحكومة البريطانية أنها لم تبذل جهدا كبيرا لفهم الطبيعة الحقيقية للتحديات التي تواجه الشعب أو لتهيئة البلاد كي تتصدى لها.
إن ما من أحد سيلقي اللوم على الحكومة في أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19)، التي ربما انحسرت أخيرا بشكل كبير بعد تصنيع لقاح للمرض. لكن الجائحة كانت بمنزلة ستار حجب عن الناس رؤية “البريكست” وهو يقترب منهم خلسة.
آمل أن يسود المنطق السليم ويتراجع طرفا التفاوض عن حافة الهاوية، فإذا انصاع رئيس الوزراء بوريس جونسون، للمتشددين المحسوبين عليه وظل “متصلبا” في مواقفه فعندئذ سيسقط في اختبار القيادة و”سيدفع الشعب الثمن”.
ترجمة: الجزيرة