الرئيسية / مقالات رأي / إعادة الأمل للعرب

إعادة الأمل للعرب

بقلم: ياس خضير البياتي – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- قد تؤمن بعض الحكومات العربية، بِقول أبو العلاء المعَري (إذا سكت الإنسان، قَلَّتْ خصومه)، فترى حكوماتنا العتيدة صامتة بالرغم من كم المشاكِل والتهديدات الأمنية، ومخاطر تقسيم المنطقة. وربما تعتقد هذه الحكومات واهمةً أنها بسكوتها، تُقَلِّل عدد خصومها ومنتقديها. أو من المحتمَل أن حكامنا الأشاوِس مُعجبون بالمَثَل الأيرلندي (الفَم المُطبَق لا يدخله الذباب)، فلا يفتحوا أفواههم خشية دخول الناموس والبعوض! يبدو أن العرب أيضا لا يجيدون قراءة التاريخ. ولم يستوعبوا دروس ما يحدث للمنطقة من تشرذم وفوضى وتشكيل خرائط سياسية وجغرافية جديدة، وتقسيم المقسم، وتحويل الأوطان إلى خيم ونازحين. وإشعال حرائق الطائفية، وتدوير النفايات السياسية لجعل المدن العربية أثارا من الماضي، ومختبرات ميدانية لصواريخ الطائرات ولأسلحة الدمار. حتى أصبحت بعض مدن العرب بلا عباد، والبعض الآخر ينتظر دوره في هذه اللعبة القذرة التي تمارسها الدول الكبرى تحت مسميات عديدة وخادعة. مرة تحت ذريعة الديمقراطية، ومرة أخرى باسم (حرب داعش). حتى كادت خرائط أوطاننا مقسمة بالدم والجغرافيا. وأصبحت بحار الآخرين بلون الدم العربي في هجرة الموت الأبدية. فالماء شأن كل عناصر هذا الكون كالمطر والنار قليله يكفي وكثيره يحرق ويغرق!

لازال البعض، مع الأسف، لم يستفق لما يجري للمنطقة من تهديدات خارجية معلبة بعلب السردين الأجنبي. وغزو مبرمج لداعش ذات الأصول الإيرانية والأمريكية. فالبعض يؤيد سرا، والآخر يؤيد قولا بدون المشاركة، والبعض الآخر يقف على الحياد.وكأن معارك اليمن لا تحرك شيم الرجال الذين يأملون أن لا تصلهم تسونامي الموت والدمار. فما يجري اليوم بين التحالف العربي والحوثيين لتحرير اليمن إلا هو (إعادة الأمل) للعرب وليس لليمن فقط! فهي حرب لمنع تفتيت الدول العربية، واستباق ذكي لما يمكن أن يحدث لهذه الدول من ويلات كارثية. ومن يقرأ الصورة عكس ذلك فأنه مصاب بالزهايمر!

لم يعد خافيا ذلك الهدف الاستراتيجي المشترك بين الحوثيين والإيرانيين، والمتمثل في السيطرة على الديار المقدسة في مكة والمدينة. إذ نلاحظ أن إيران تجهر بعلاقاتها مع الحوثيين بعد أن دخلوا صنعاء وسيطروا عليها في 21 سبتمبر 2014م، بل وصل الأمر بالساسة الإيرانيين يعلنون بغرور وتباهي بأن طهران تسيطر على صنعاء العاصمة العربية الرابعة. وهذا يعني أن الحوثيين جيشا إيرانيا مثل حزب الله اللبناني والجيوش الطائفية الأخرى. وفي الوقت نفسه كان الإعلام الإيراني يحتفي بالحوثيين ويتحدث عن وصول طهران إلى سواحل البحر الأحمر ومضيق باب المندب!

من هذه النقطة بالذات استشعرت السعودية والإمارات خطورة ما يجري في اليمن الذي أصبح مهدداً بمعضلة لم تعد خلافاً سياسياً، بقدر ما تهدد كيانهما الوطني ونسيجهما الداخلي، كما التهديد الفعلي لأمن الخليج العربي. وحسنا فعلت بعض الدول العربية مع بعض دول الخليج باتفاقها على مواجهة إيران وحلفائها في اليمن. وإرسال رسالة واضحة للقيادة الإيرانية والمجتمع الدولي بأنها لن تقبل بسياسة البلطجة التي تمارسها حكومة طهران في منطقة الشرق الأوسط.

وبمعنى آخر فأن هذه الحرب كما ترى تحليلات سياسية: مثلت مجموعة مواجهات متعددة؛ أولاها منع قيام نظام ميليشياوي في اليمن مماثل لحزب الله في لبنان. والثانية إرسال رسالة للدول الكبرى بعدم قبول رضوخهم لمشروع التوسع الإيراني الذي يتمدد في المنطقة دون رادع. لذلك جاءت عاصفة الحزم، في توقيتٍ مازالت فيه إيران نموذجا ماثلاً للعيان في صناعة الطائفية والفوضى في لبنان والعراق وسورية واليمن.

ونتيجة ذلك، كما يرى البعض، تبدتْ عاصفة الحزم كمعركة ثقافية في مواجهة مشروع الدويلات والكانتونات الطائفية. وهي معركة جاءت لتكشف الغطاء عن الدور الإيراني في تفتيت الدولة العربية الوطنية. وجر مكونات بعينها نحو فكرة الحاكمية المطلقة لولي الفقيه. وتجسيدها داخل جغرافيات معزولة تؤمن بفكرة الدولة الإسلامية العابرة للوطنية. حيث تتراجع والحال هذه فكرتي المواطنة والأمن القومي.

وتبقى الأخطار والهواجس العربية مطروحة بقوة واستمرار. فما تزال الحرب اليمنية مستمرة، والامتحانات الحقيقية ماثلة للعين بالتجارب الميدانية. لكن، ما لا يدركه العرب أنّ هذه المعركة هي معركة مصير داخلياً وخارجياً. وهذا يعني بأن العمل على الانتصار فيها لا يقبل التهاون أو التراخي أو الوصول إلى منتصف الطريق والتوقف هناك!

معركة (إعادة الأمل) هي معركة الواجب الوطني. والحفاظ على عروبة المنطقة وعدم تفتيتها لصالح المد الإيراني. لذلك كان المقاتل العربي فارسا في مواجهة هجمة الشر والحقد. فأعطى للوطن الشيء الكثير. فأصبح بحق رمز النموذج الوحدوي في عصر عربي لا يسمح لمواطنيه أن يحلموا بجغرافية عربية واحدة. فقد صنعوا لنا في اليمن عروبة نقيّة وجديدة خارج قانون الانفصال. وحملوا همّ الأمة في أصعب الأوقات. كانوا حاضرين في كل المدن العربية بدون استثناء: رجال الموقف والعطاء والتحديات ونكران الذات!
ويبقى شهداء الواجب هم نجومنا المتلألئة في سماء العروبة، هم الحكماء في أمة ابتعدت عن الحكمة في هذا الزمن. فمن يستشهد من أجل أن يبقى الوطن لا يمكن أن يكون إلاّ حكيماً وفيلسوفاً وشاعراً في إنجازاته وبطولاته. هم الأعز كالبحر في عطائهم ومحبتهم للأرض. فما أعظم الخير الذي خلفوه لنا الأكرم منا جميعا، وأسياد الوطن من دروس وتضحيات ونكران الذات من أجل أن تبقى الأوطان سالمة. وما أعلى البناء الذي أنجزوه لتبقى الراية عالية. وما أجمل الحكمة التي غرسوها في تراب الوطن.وما أجمل الدروس البليغة التي تركوها للأبناء في مواجهة الزمن.

وبانتظار أن يعود لليمن السلام والأمل والسعادة والبهاء والجمال، ويحرّره عشاق الحياة والمستقبل، نقول: الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …