BY: Simon Tisdall
الشرق اليوم – إنه لأمر جدير بالثناء فعلا أن تكون إرادة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن المعلنة هي مواجهة الأنظمة القمعية في العالم، بيد أن هذا الأمر طريق محفوف بالمخاطر.
إن فكرة بايدن الرئيسية -التي تشكل جوهر “مشروع الترميم” الأميركي- هي إنشاء تحالف عالمي من الديمقراطيات الليبرالية، تقوده الولايات المتحدة في مواجهة الديكتاتوريات والأنظمة الاستبدادية. هذه الجبهة الموحدة -التي تضم الأمم العظيمة والخيّرة، والتي تهدف في المقام الأول إلى التصدي لكل من الصين وروسيا- قد تتسبب أيضا في استعداء حلفاء غربيين مهمين، مثل الهند وتركيا وبولندا؛ لذلك فهي محكومة -لهذا السبب وأسباب أخرى- بالفشل.
وقد تعهد بايدن خلال حملته الانتخابية بعقد “قمة للديمقراطية” في عام 2021؛ “لتجديد الروح والهدف المشترك للعالم الحر”، مشيرا إلى أن هذا اللقاء سيكون مناسبة “لتعزيز مؤسساتنا الديمقراطية ومواجهة الدول التي تنحرف عن المسار بشكل صريح، وصياغة أجندة مشتركة”، خاصة في ظل إرث الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي حوّل النظام الدولي الذي شيدته واشنطن إلى نظام “مفكك الأطراف”.
إن هذا الطموح الرئاسي جدير بالثناء، في ظل نمو ملحوظ خلال السنوات الأخيرة للأنظمة القمعية -اليمينية في الغالب- التي تتجاهل القانون الدولي، وتنتهك الحقوق العالمية كما تحددها مواثيق الأمم المتحدة، بما في ذلك الحقوق الديمقراطية، متسائلة عن المؤهلين من منظور بايدن للدخول في هذا الحلف.
ويتوقع دبلوماسيون أن يكون تحالف بايدن الكبير هذا عبارة عن “إعادة تشكيل” لمجموعة الدول الاقتصادية السبع الكبرى (أي الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان) مع إمكانية إضافة كل من الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية؛ لتكوين “مجموعة عشر” افتراضية، وهذا الأمر سيخلق بكل بساطة “ناديا نخبويا” آخر يستبعد العديد من الديمقراطيات الفعلية أو الطموحة.
أوروبا الضعيفة والمنقسمة ستشكل ربما الاستثناء الوحيد في الترحيب بمبادرة بايدن، وهو ما عبر عنه مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مؤخرا، حين قال إننا “نحتاج إلى تكثيف عملنا للدفاع عن الديمقراطية”.
ويأتي تصريح المسؤول الأوروبي بعد أن كشف تقرير الديمقراطية لعام 2020 الصادر عن معهد “في ديم” (V Dem) السويدي عن اتجاهات “مقلقة”، حيث أكد أن نظام الحكم المطلق بات -لأول مرة منذ عام 2001- شكل الحكم الأبرز في العالم (في 92 دولة، أي نحو 54% من سكان العالم).
يمكننا القول إن بايدن -مثل من سبقه من الرؤساء الأميركيين- سيقتنع في نهاية المطاف بأن عليه التعامل مع العالم كما هو لا كما يتمناه أن يكون. إضافة إلى أن الصين وروسيا وغيرهما من الدول “المنبوذة” غير الديمقراطية ستعتمد على سلاح الواقعية لتلطيف خطة بايدن في الممارسة العملية، حتى ولو استمر في ترديد الخطاب الأميركي القديم عن القيم والحقوق، وفي حال فقط حاول هو وحلفاؤه القيام بشيء ذي معنى -مثل الدفاع بقوة عن الحريات المنتهكة في هونغ كونغ مثلا- ستشعر بكين حينها بأن الرد بشكل مناسب بات ضروريا.
إن “تحالف الديمقراطيات” حسن النية والمعزِّز للاستقطاب الذي يقترحه بايدن لن يؤدي في الغالب إلا إلى تعميق الانقسامات، وربما وجود “محور شر” جديد عن غير قصد، وسيكون -وعلى عكس سابقه- محورا عظيما ومخيفا للجميع.
ترجمة: الجزيرة