بقلم: عمر علي البدوي – العرب اللندنية
الشرق اليوم– اتجاهان اثنان تتحرك إليهما منطقة الخليج العربي، فهي من جهة تسعى إلى الحفاظ على حالة الاستقرار وترسيخ مستوى التنمية والتطلع إلى مستقبل آمن وواعد، ومن جهة أخرى تركز على المخاطر المحدقة وتقليص الشرور المحيطة، الناتجة إما عن بؤر الفوضى التي تتفجر بالأزمات في عدد من الدول العربية المنهكة، أو مشاريع إقليمية للاعبين منافسين يدفعون بالمنطقة إلى أتون الخراب والانهيار.
ولا تكاد تخرج السياسات الفردية أو الثنائية لدول الخليج أو الآمال الشعبية فيها عن واحد من هاذين الاتجاهين، وهما يعطيان المفتاح الرئيسي لتفسير وفهم أيّ من تلك السياسات والسلوكيات، ابتداء من تصميم استجابة عملية للدور الدولي في المنطقة، مروراً بإعادة تعريف العلاقة مع الجوار الإقليمي (إسرائيل، تركيا وإيران) وانتهاء بالخيارات الداخلية والمحلية لكل بلد خليجي.
تعيش منطقة الخليج العربي، الآن، حالة من الحركة الدائبة، في ما يشبه إعادة اصطفاف وإصلاح لمسارات مفصلية في ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تتصل بها وتؤثر عليها؛ انتخابات نيابية في الكويت شهدت تغيير نصف الوجوه التقليدية، وحراك دبلوماسي واسع تخوضه الرياض لإنهاء أزمة قطر، وتسريع آليات الحل والاستقرار في اليمن، وملفات أخرى متعلقة بإسرائيل وتركيا والعراق، فيما تشهد الاتفاقيات التي أبرمت بين أبوظبي والمنامة من جهة وتل أبيب من جهة أخرى شهية مفتوحة لترسيم العلاقات وتوسيع نطاقها، وقد كسبت زخماً جديداً بانضمام السودان والمغرب مؤخراً.
وعلى الضفة الأخرى من الخليج العربي، تبدو إيران عالقة بين لملمة خسائرها وتقليص أهداف وتبعات عمليات الاغتيال الغامضة التي تلتقط عناصر برنامجها النووي والميليشياوي بين فينة وأخرى، وبين الإبقاء على خط رجعة مقبول في ظل إغراء وصول الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن ووعود استئناف الاتفاق النووي ورفع بعض أعباء “المرحلة الترامبية”، التي أثقلت النظام في طهران وكبدت الشعب الإيراني الكثير من المشقة والمتاعب القاسية.
أسفرت انتخابات الكويت عن تجديد ما يقرب من ثلثي أعضاء مجلس الأمة، الأمر الذي اعتبر بمثابة رد فعل متوقع على ما أظهرته جائحة كورونا والتحديات الاقتصادية من فرص لمراجعة أداء الأجهزة الرسمية المختلفة وضرورة ملحة لتبني روح التغيير والتطوير، ولعل التغيرات التي شهدها مجلس الأمة أولى إشارات نوايا الانتقال إلى تطوّر جديد للتعامل مع المرحلة الحرجة التي تمرّ بها المنطقة.
وفي البحرين، صدر أمر ملكي بتعيين ولي العهد نائب القائد الأعلى، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، رئيسًا للوزراء، خلفًا للأمير الراحل خليفة بن سلمان آل خليفة بعد 49 عامًا قضاها رئيسًا لحكومة البحرين. ويحمل تعيين ولي العهد الأمير سلمان بن حمد رئيسا للوزراء وعداً وبارقة أمل لتحفيز العملية الوطنية وإنجاز روح داخلية متوثبة لإصلاح العيوب والتزامن مع حالة التغيير الإيجابي الذي يشهده الخليج في نَواح تنموية واقتصادية كبيرة.
الرئيس دونالد ترامب يشبّه تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل ببزوغ “فجر شرق أوسط جديد” الأمر الذي يبدو شعار مرحلة جديدة ستتمخض عنها الأحداث المتلاحقة
من جهتها، تهتم الرياض بترتيب الكثير من الملفات المتعثرة، في مسعى لتركيز الاهتمام على التحدي الأكثر حساسية في المنطقة؛ إيران التي واجهت أربع سنوات مثقلة بالضغوط والخسائر والتحديات، ولا يمكن التفريط بهذا المكسب الذي أضعف قدراتها وكشف عن هشاشتها وتواضع مؤهلاتها للمقاومة والإيذاء، وتشتيت الانتباه في عدد من القضايا الموزعة على خارطة المنطقة السياسية.
وفي ظل تصميم الرئيس الأميركي المنتخب على محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وسط معارضة عربية وإسرائيلية في حال لم يتم توسيعه ليشمل ضبط البرنامج الصاروخي الذي تواصل إيران تطويره، والتخفيف من دورها التدخلي والتخريبي في دول المنطقة، وضمان وجود مقعد يمثل وجهة النظر هذه على الطاولة.
في اليمن، بدأ تحالف دعم الشرعية الإشراف على تنفيذ الشق العسكري لآلية تسريع “اتفاق الرياض” على أن يتم تشكيل حكومة جديدة قوامها 24 وزيراً من مختلف المكونات السياسية اليمنية في غضون أسبوع.
وعلى صعيد أزمة قطر، تتزايد المؤشرات عن قرب إنهائها، رغم أنها ما تلبث أن تنخفض وتتراجع بما يدل على استعصاء التفاصيل واشتباكها، في ظل استمرار الدوحة في سلوكها الإعلامي المزعج باعتباره أولى خطوات الالتزام العملي والحقيقي على نبذ منهجها التخريبي ودورها السلبي في المنطقة.
شبّه الرئيس دونالد ترامب تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل ببزوغ “فجر شرق أوسط جديد”، الأمر الذي يبدو شعار مرحلة جديدة ستتمخض عن الأحداث المتلاحقة، ما يقتضي من دول الخليج إعادة اكتشاف دورها منفردة ومجتمعة، حتى لا تبتلعها المشاريع وتقف عاجزة وذاهلة عن إبداء رد فعل عملي ووازن.
وفي ما يشبه عملية ترشيق لمناخ التطبيع السهل مع دولة إسرائيل، أدلى الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق بتصريحات هاجم فيها إسرائيل على هامش حوار المنامة 2020 في البحرين، وأعاد التذكير بضرورة رفع الثمن الذي يجب أن تبذله تل أبيب لنيل تطبيع صلب وحقيقي مع دول المنطقة. واعتبر أن التهديد الإيراني وتقاسم أعباء مواجهته، ليس كافياً وحده للاندفاع نحو إسرائيل، على الأقل بالنسبة إلى الرياض التي تحبسها عن هذه الخطوة الكثير من الحسابات الداخلية والإقليمية، عند قياس المصالح والمكاسب والمبادئ معاً.
يحدث هذا الحراك المحموم في ظل تكهنات مكتومة عن عمل عسكري وشيك ضد إيران، يزيد من سخونة الأجواء إذا وقع، أو يجعل المنطقة على كف عفريت إذا استمرّ في خانة الاحتمالات وعلى شفير الترقب والانتظار.