بقلم: رامي الأمين – موقع درج
فساد، سلاح متفلّت، وتاريخ دموي… كلها أمور يشترك فيها العراق ولبنان بنسب متفاوتة، فلا يمكن التيقنّ مما اذا كان لبنان يتعرقن أم أن العراق يتلبنن.
الشرق اليوم– يكاد المحرر المتخصص في الشؤون العراقية في وسيلة إعلامية لبنانية يشبه في عمله المحرر المتخصص في الشؤون اللبنانية في وسيلة إعلامية عراقية. أو يكاد المحرران أن يكونا محرراً واحداً لنوع متقارب من الأخبار التي تعني البلدين.
مع الأخذ في عين الإعتبار التعقيدات الخاصة بكل بلد، والفارق الشاسع في المساحة وعدد السكان وطول الحدود البرية وتماسها مع الدول الأخرى، تبدو المواضيع المتشابهة طاغية أكثر على الصحف والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي المتصلة بالأخبار العراقية واللبنانية كما لو ان “الحال من بعضه”، أو ان صيغة “تلازم المسار والمصير”، سيئة الذكر، التي كانت قائمة بين لبنان وسوريا لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، باتت تنطبق أكثر على المسارين اللبناني والعراقي ومصيرهما، مع فارق اساسي: بين لبنان وسوريا “واو كافرة”، لأن “الانفصال عن سوريا موت اقتصادي والإتحاد مع سوريا موت سياسي” على ما كان يقول المؤرخ اللبناني يوسف السودا، فيما لا يبدو ان هناك تأثيراً مباشراً للوضع العراقي على الوضع اللبناني ولا العكس.
من زاوية لبنانية، يبدو مدهشاً هذا التطابق “الكاربوني” بين أخبار البلدين اليومية. من الأزمة المالية، وأسعار صرف العملات المحلية في مقابل الدولار، انهيار المصارف وحجز أموال المودعين، إلى الفيضانات التي تغرق الطرقات وبيوت الناس بسبب الأمطار، إلى ذكريات انتفاضتيّ تشرين والاحباطات والنكسات المترافقة معها، مروراً بالفقر والبطالة والجرائم وأخبار قمع الصحافيين والاعتقالات والميليشيات و”الشبيحة” وصولاً إلى أخبار العنف ضد النساء، ومواضيع أخرى كثيرة تكاد تكون نفسها في البلدين مع تغيير تحريري بسيط في أسماء المناطق، ليس إلا.
مثلاً، هذا خبر من العراق: “النفايات تطوّق واحداً من أشهر الأديرة في العراق والشرق الأوسط”. الخبر يمكن ان يبقى كما هو ليصير مع تعديل بسيط، عن نفايات تطوّق ديراً في لبنان. وأزمة النفايات على ما يبدو واحدة في البلدين، فضلاً عن مشكلة الصرف الصحي وشحّ المياه وتلوّث مياه الأنهار.
التدخلات الخارجية هي نفسها في البلدين. سياسة المحاور:
الدور الإيراني والدور الأميركي وصراعهما في الداخل،
في الحكومة الواحدة، في الشارع الواحد، في البيت الواحد.
أخبار الأزمة المالية ايضاً متشابهة. خبر سعر صرف الدينار مقابل الدولار يومي وأساسي في العراق. وسعر صرف الليرة مقابل الدولار خبر أساسي في المواقع الإخبارية اللبنانية. أيضاً، خبر تأمين رواتب الموظفين يبدو أساسياً في العراق، وبسببه تندلع تظاهرات ويسقط قتلى في مواجهات مع قوى الأمن. تأمين الاعتمادات للموظفين يشكّل معضلة رئيسية تواجه الحكومة العراقية، وهي معضلة شبيهة بما تعانيه الحكومة اللبنانيين في تأمين الدعم لأبسط السلع الأساسية كالقمح والمحروقات والدواء، فضلاً عن أزمة تأمين الرواتب للموظفين في القطاع العام في ظل انهيار مالي واقتصادي لم يشهد لبنان له مثيلاً من قبل. حتى الكهرباء، التي ما كان ليتخيل المرء ان تنقطع عن بلد نفطي، تبدو لعنتها اللبنانية كأنها تلاحق العراقيين، وإن كانت الحكومة العراقية قد ساهمت في اكثر من موضع في إرسال شحنات من الفيول إلى لبنان لدعمه كهربائياً. لكن ستجد في الصحف الالكترونية العراقية خبراً عنوانه: “جولة للكاظمي على منشآت الطاقة في البصرة: الفساد تسبب بهدر مئات المليارات”. أليس هذا خبراً مألوفاً في لبنان؟
التدخلات الخارجية هي نفسها في البلدين. سياسة المحاور: الدور الإيراني والدور الأميركي وصراعهما في الداخل، في الحكومة الواحدة، في الشارع الواحد، في البيت الواحد. حتى “حزب الله” له نسخته العراقية. السلاح المتفلّت. الميليشيات. الاغتيالات. الفساد. تحلّل مؤسسات الدولة. المعابر الحدودية المتفلّتة. القمع. القضاء الفاسد. الطائفية. العشائرية. حروب لا تنتهي. تاريخ دموي. مقابر جماعية. كلها امور يشترك فيها العراق ولبنان بنسب متفاوتة، فلا يمكن التيقنّ مما اذا كان لبنان يتعرقن أم أن العراق يتلبنن. يبقى ان القتل يبدو اكثر “عادية” في العراق، خصوصاً قتل الصحافيين والناشطين من قبل مجموعات مسلحة مقنّعة لكنها تفصح ضمنياً عن هويتها. لا يكاد يمرّ يوم في العراق من دون خبر عن استهداف ناشط أو صحافي بقنبلة صوتية او رصاص او تعرضه للخطف او الضرب. وفي لبنان، مع الحديث عن عودة محتملة لـ”مسلسل الإغتيالات”، يجري التحذير من “السيناريو العراقي”!