BY: Susan B. Glasser
الشرق اليوم – ينزلق الحزب الجمهوري إلى مربع معاداة الديمقراطية، على غرار الرئيس دونالد ترامب.
ففي مقابل مشهد الخوف من الجائحة الفيروسية في الشارع الأمريكي، فإن البيت الأبيض يضج بالحفلات والتجمعات من وقت لآخر، وأحدثها بمناسبة العيد اليهودي “حانوكا”، حيث هتف الحضور لترامب: “أربع سنوات أخرى”، بدون ارتداء كثير من الحضور كمامات، ودون تباعد اجتماعي، وفقا لمقطع فيديو تم تسريبه.
وقال ترامب: “سنفوز في هذه الانتخابات بأغلبية ساحقة”، رغم مرور أكثر من شهر من خسارته.
بعد أربع سنوات من تحول ما لا يمكن تصوره إلى حقيقة في عهد ترامب، اعتقدت أنني مستعدة لمختلف السيناريوهات غير المسبوقة التي قد تتكشف في فترة ما بعد الانتخابات وما قبل التنصيب.. لأن ترامب أخبرنا أنه لن يقبل بخسارة أمام جو بايدن، مهما حدث.
وما بين إنكار خطر “كورونا”، وإنكار نتائج الانتخابات، فإن الأخطر، هو انجرار الحزب الجمهوري، الذي يمثل الشطر المحافظ في السياسة الأمريكية، إلى هذا المربع المدمر للديمقراطية.
في الأيام التي أعقبت الانتخابات مباشرة، قال ترامب إن هدفه هو “وقف العد”، ثم أصبح “إيقاف السرقة”، أو المطالبة بإعادة الفرز، أو اكتشاف دليل على التزوير.
وخلال هذه الفترة، قال مسؤول جمهوري كبير إنه لم يكن هناك ضرر حقيقي في السماح لترامب بالإعراب عن غضبه، فإن هذا لن يؤثر على النتيجة على أي حال.
وقال المسؤول الجمهوري لصحيفة “واشنطن بوست”: “ما هو الجانب السلبي لمداراته لهذه الفترة القصيرة؟ لا أحد يعتقد بجدية أن النتائج ستتغير.. لقد ذهب للعب الغولف في نهاية هذا الأسبوع. ليس الأمر وكأنه يخطط لكيفية منع جو بايدن من تولي السلطة في 20 كانون الثاني / يناير. إنه يغرد عن رفع بعض الدعاوى القضائية، وستفشل تلك الدعاوى القضائية، ثم يغرد أكثر عن كيف سُرقت الانتخابات، ثم يغادر”.
وبدلا من مجرد قضاء بضعة أيام للتصالح مع خسارته، ثم الذهاب إلى فلوريدا بمجرد أن تلغي المحاكم دعاويه القضائية، فقد زاد ترامب من تصعيده، وبلغ ذروته يوم الأربعاء بتغريدة من كلمة واحدة أعلن فيها هدفه الجديد: ليس للفوز بالانتخابات ولكن من أجل “قلب” النتائج.
والأكثر إثارة للدهشة، فإنه في حين خسر حلفاؤه أكثر من خمسين قضية منذ الانتخابات، فقد أقنع ترامب الملايين من الأمريكيين بأن الانتخابات قد تم تزويرها ضده، ويقول 77 بالمئة من الجمهوريين الآن إن عمليات تزوير ضخمة قد حدثت، وفقا لاستطلاع رأي جديد أجرته شركة “كوينيبياك” الخميس.
وجند ترامب القيادة الوطنية بأكملها تقريبا للحزب الجمهوري في هجومه المنسق على شرعية النتائج.
وطلب 27 من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين، هذا الأسبوع، من وزارة العدل تعيين مستشار خاص للتحقيق في الانتخابات، وهو نفس عدد الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، الذين، كما وجدت صحيفة “واشنطن بوست” في استطلاع للرأي، أنهم سيعترفون علنا بفوز بايدن.
ورغم رفض كل من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل وزعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي الاعتراف بفوزه؛ إلا أن كليهما صوت ضد اقتراح احتفالي من اللجنة المنظمة لتسليم السلطة في 20 كانون الثاني / يناير “لإخطار الشعب الأمريكي” بخطط تنصيب بايدن.
وفي أعقاب الانتخابات مباشرة، قال ماكونيل إن ترامب “له كل الحق في النظر في المزاعم وطلب إعادة فرز الأصوات بموجب القانون”. والآن بعد أن فقد ترامب عمليات إعادة الفرز وخسر الدعاوى القضائية، وبعد أن تم التصديق على النتائج، وبات يتحدث ترامب علانية عن قلبها، يلتزم ماكونيل الصمت.
إن هذا هو الجزء الذي “لم أكن مستعدة له تماما”، حتى بعد كل الأعذار التي منحت للجمهوريين خلال السنوات الأربع الماضية.
وبطاقات الاقتراع التي يهاجمها ترامب وحلفاؤه، في نهاية المطاف، هي نفسها التي تم انتخاب حلفاء ترامب بموجبها (في الكونغرس)، إن لم يكن ترامب نفسه، فالأصوات التي يريدون إلغاءها لم يدل بها فقط الديمقراطيون الأشرار في المدن البعيدة ولكن أصدقاؤهم المحافظون أيضا، وفي بعض الحالات جيرانهم.
تم عد تلك الأصوات وسردها واعتمادها من قبل المسؤولين الجمهوريين في العديد من الأماكن التي حسمت هزيمة ترامب. ورفضت المحكمة العليا، مساء الثلاثاء، دعوى فريق ترامب في ولاية بنسلفانيا، وهي دعوى خالية من الأدلة تطالب بإلغاء كل بطاقة اقتراع عبر البريد من الولاية.
كان ينبغي أن يشكل ذلك نهاية المسار بالنسبة لترامب، وفي المحصلة كان يوم الثلاثاء بموجب القانون الفيدرالي، التاريخ المحدد النهائي الذي تصادق فيه الولايات على نتائج انتخاباتها قبل الاجتماع القادم للهيئة الانتخابية، في 14 كانون الأول / ديسمبر.
وعلى الرغم من كل ضغوط ترامب، فإنه في الواقع، التزمت كل ولاية كان مختلفا على نتائجها بالموعد النهائي وصدقت على نتائجها، وهذا يعني بموجب القانون انتهاء قبول أي اعتراض، ولا يبدو أن القانون يمنح ترامب أي مجال إضافي للمناورة.
وفي غضون ساعات قليلة يوم الأربعاء، جعل ترامب حملته تنضم إلى دعوى قضائية أبعد ما تكون عن التوقع، من قبل ولاية تكساس، تطلب فيها من المحكمة العليا استبعاد ملايين الأصوات في ولايات الحسم التي قررت نتيجة الانتخابات (جورجيا، ميتشيغان، بنسلفانيا، ويسكونسن) وجميعها قد صادقت بالفعل على نتائجها.
وبعد ساعات قليلة من هذا الخبر، أعلن هانتر بايدن، نجل الرجل الذي فاز في الانتخابات، أن المعين من قبل ترامب كمدع عام لولاية ديلاوير قد فتح تحقيقا جنائيا فيدراليا بشأن تعاملاته الضريبية.
هنا أيضا، يمكنك القول إن الأمر كله كان مجرد فوضى متوقعة. كان ترامب مهووسا بهنتر بايدن لسنوات، وقد دفع أوكرانيا لإجراء تحقيق ضار سياسيا مع بايدن لدرجة أنه تمت مساءلته ترامب في الكونغرس بهذا الخصوص.
فلماذا لا ينضم الرئيس إلى قضية تكساس، على الرغم من كونها ذات حجة قانونية؟ من المؤكد أن ترامب لم يمانع في الخسارة في المحكمة.
إن ما شكل مفاجأة حقيقية حتى بعد كل هذا الوقت هو الإعلان عن أن سبع عشرة ولاية أخرى، قدمت مذكرة تدعم دعوى تكساس، من ساوث كارولاينا إلى يوتا، وهي مجموعة من الولايات الحمر المؤيدة لترامب.
بعبارة أخرى، هناك 18 ولاية تقدم حجة غير معقولة – ومدمرة ديمقراطيا – بأن المحكمة العليا يجب أن تلغي أصوات الولايات الأخرى لأن نتائجها “غير مرضية” للجمهوريين.
فهل هذه هي الفيدرالية وحقوق الولايات وكل تلك المبادئ التي كان يعتز بها الجمهوريون سابقا؟
وفي الوقت نفسه، في مبنى الكابيتول هيل، حيث مجلسا الكونغرس، قدم مائة وستة من النواب الجمهوريين بيانا لدعم الدعوى القضائية في تكساس، وبعض من أنصار ترامب أنفسهم تحت قبة البرلمان يفكرون الآن أيضا في الاعتراض على نتائج الهيئة الانتخابية عندما يتم تقديمها إلى مجلس النواب، في السادس من كانون الثاني / يناير، وهي خطوة إجرائية شكلية بحتة، بالنظر إلى الأغلبية الديمقراطية ورفض بعض المشرعين الجمهوريين.
ورفض الجمهوري البارز ميت رومني الفكرة ووصفها بأنها “جنون”، لكنه يظل صوتا نادرا ضد ترامب، حيث إن زملاءه الجمهوريين إما يسيرون في الصف أو يظلون صامتين بلا عذر.
لقد ذهب هذا إلى أبعد من مجرد مداراة ترامب لبضعة أيام.
وفي ردها على قضية تكساس، التي تم رفعها بعد ظهر يوم الثلاثاء، وصفت ولاية بنسلفانيا مزاعم الدعوى بأنها “صورية، لا أساس لها، وخطيرة”، وقالت إن هجومها المستوحى من ترامب على النتائج في الولايات التي فاز فيها بايدن يرقى إلى “انتهاك تحريضي للعملية القضائية”.
وجادلت المحكمة العليا في ولاية بنسلفانيا بأنه يجب ألا ترفض قضية تكساس فحسب، بل “ترسل إشارة واضحة لا لبس فيها بأن مثل هذه الانتهاكات يجب ألا تتكرر أبدا”.
لدي كل التوقعات أن المحكمة العليا ستفعل ذلك. أعلم أن العديد من الجمهوريين صامتون على وجه التحديد لأنهم يتوقعون أن تضع المحاكم حدا لهجمات ترامب التي لا أساس لها على الديمقراطية الأمريكية. هذا شيء إيجابي للخروج من هذه اللحظة السلبية للغاية.
ولكن، ومن خلال رفع العديد من الدعاوى القضائية ورفضها من العديد من المحاكم في جميع أنحاء البلاد، أفرز ترامب نتيجة غير مقصودة: تأكيدا قضائيا مدويا على نزاهة نظامنا.
وفي هذا السياق رفض القضاة المعينين من قبل ترامب قضاياه ورفض المعينين من قبل أوباما قضاياه. ورفضت محاكم الولايات والمحكمة العليا أيضا تلك الدعاوى.
ولكن “هل هذا ما سنتذكره من موسم أزمة فيروس كورونا والدستور؟ أنا متأكدة من أننا سنتذكر أن دونالد ترامب لا يقبل الخسارة، في الواقع أكثر رئيس كان رافضا للخسارة على الإطلاق”.
وماذا عن الحزب الجمهوري، هل هذه هي اللحظة التي بدأ فيها بالتخلي عن إيمانه بالديمقراطية والمبدأ البسيط غير القابل للتفاوض بأن الحزب الخاسر يجب أن يقبل نتائج الانتخابات؟
وفي يوم الاثنين، 14 كانون الأول / ديسمبر، سيكون هناك اختبار آخر، فرصة أخرى لهم أخيرا، رغم كونها متأخرة، حيث سيجتمع المجمع الانتخابي وسيمنح جو بايدن الفوز بثلاثمائة وستة أصوات. فهل سيكون ذلك كافيا لإنهاء تلك الفوضى؟
ترجمة: عربي 21