الرئيسية / مقالات رأي / بايدن و”تركة” ترامب

بايدن و”تركة” ترامب

بقلم: د. هالة مصطفى – الأهرام المصرية

الشرق اليوم– في سباق مع الزمن قبيل مغادرة البيت الأبيض، توالت زيارات أركان إدارة دونالد ترامب المنتهية ولايته إلى الشرق الأوسط، فبعد زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى السعودية جاءت جولة جاريد كوشنر صهر الرئيس وكبير مستشاريه إلى الرياض والدوحة ليلتقي خلالها بكل من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والشيخ تميم بن حمد آل ثانى، بهدف وحيد معلن وهو تحقيق المصالحة داخل البيت الخليجى، بعد مقاطعة الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) لقطر بحكم علاقتها الوطيدة بإيران ودعمها التنظيمات الإسلامية الإرهابية، كذلك أتت هذه الجولة في توقيت بالغ الدقة بعد نحو أسبوع من اغتيال عالم الذرة الإيراني محسن فخري زادة وما صاحبه من تصعيد للتوتر في المنطقة، لذلك يثار التساؤل حول المغزى من تلك التحركات رغم أن تسليم هذه الإدارة للسلطة بات على الأبواب في يناير المقبل.

الواقع أن منطقة الخليج تحديدا تحتل في الوقت الراهن أهمية قصوى في الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة بصرف النظر عن التنافس الحاد بين الحزبين الكبيرين (الديمقراطي والجمهوري) لعدة أسباب، أولها، مواجهة طهران والحاجة إلى دعم دولها التي تشكل الأخيرة تهديدًا لها.

وثانيها، ما يتعلق بالخطة الأمريكية للسلام لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومعروف أنها احتوت على بنود تختص بالمساهمة الخليجية في المشاريع الكبرى المشتركة المزمع إقامتها حال تطبيقها، ناهيك عن المساعدات الاقتصادية المفترضة للبنية الأساسية للدولة الفلسطينية المستقبلية.

وثالثها، ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتي بدأت بتوقيع ما سُمي اتفاقيات أبراهام للسلام مع الإمارات والبحرين والمنتظر أن تمتد إلى دول أخرى.

باختصار أرادت إدارة ترامب، أو بالأحري مراكز صناعة القرار الأمريكية، تثبيت هذه الحقائق على الأرض بحيث يصعب تغييرها بعد ذلك، وبالتالي يكون الرئيس المنتخب جو بايدن أمام تحديات كبيرة قد يتعذر عليه تبديلها، ومن هنا يكون من المهم التوقف عند رؤيته لتلك القضايا الحيوية، وما إذا كانت سياساته ستصبح انقلابا على كل ما سبقها، أم أن الأمور لن تكون بهذه البساطة؟

إذا أخذنا إيران كمثال، فسنجد أن هناك انطباعا سائدا بأن يعود بايدن تلقائيا إلى الاتفاق النووي معها المعروف بـ(5+1) لعام 2015 الذي انسحب منه سلفه، وما أعقبه من تغليظ العقوبات عليها، خاصة أنه شارك فيه بحكم منصبه كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما لمدة ثماني سنوات، وأن من رشحه لتولي حقيبة الخارجية (أنتوني بلينكن) كان بدوره نائبا لوزير الخارجية الأسبق جون كيري في السنتين الأخيرتين اللتين وُقع خلالهما الاتفاق، إضافة إلى تصريحاته شخصيا بفشل هذا النهج الذي جعل طهران تتراجع عن التزاماتها حياله، أي أنه أدي إلى عكس المرجو منه، ومن ثم فهذه الفرضية صحيحة إلى حد كبير ولكنها لاتعني أن الدعوة إلى المفاوضات ستكون مجرد تكرار لما سبق، إذ أعلن الرئيس الجديد أنه لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي وسيضع شروطا أكثر صرامة مما شملها الاتفاق القديم في مسائل التفتيش على منشآتها وإخضاعها للرقابة الدولية لفترة قد تمتد إلى خمسة عشر عاما، وإنه سيعمل على توسيع دائرة التفاوض لتنضم إليها دول الجوار الخليجية التي استُبعدت من قبل، مثلما سيزيد من القضايا محل المحادثات المتوقعة لتشمل دورها الإقليمي وتدخلها في العديد من الدول كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، وهو ما يشير بوضوح إلى مشروعها التوسعي في المنطقة، وأكثر من ذلك هدد بأن بلاده لديها دائما خيار التراجع عن المفاوضات والعودة إلى سياسة العقوبات، لأن ولايته لن تكون ولاية ثالثة لأوباما بعبارة أخري ستبقي حالة العداء والشد والجذب التي بدأت منذ قيام الثورة الإسلامية الخومينية 1979 سواء حكم الديمقراطيون أو الجمهوريون، فقط يختلف الأسلوب متأرجحا بين المواجهة والاحتواء.

والسؤال هل سيمتلك بايدن أدوات ضغط كافية تدفع النظام الإيراني للقبول بتلك الشروط شديدة التعقيد؟

أما عن الخطة الأمريكية للسلام التي عدتها إدارة ترامب من أهم المبادرات التي قُدمت على مدى عمر الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد رفضها ضمنيًا عندما تحدث صراحة عن انحيازه لـحل الدولتين، وعدم إقراره بالإجراءات الأحادية، وبالمناسبة كانت هذه هي المبادرة التي طرحتها إدارة بوش الابن الجمهورية، وتستند في الأساس إلى حث الطرفين على القبول بالمفاوضات الثنائية المباشرة التي توقفت بعد توقيع اتفاق أوسلو، لكن دون تقديم أي تصور لما يسمى قضايا الحل النهائى، من وضع القدس وترسيم الحدود وشكل السيادة للدولة الفلسطينية وحق العودة للاجئين، إلى مستقبل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وموضوع تبادل الأراضي الذي تسعى إليه الدولة العبرية لضم مزيد من الأراضي هناك مقابل تخليها عن مساحة موازية في صحراء النقب، أي أنها كانت مبادرة أشبه بتأجيل الحل وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه لأطول فترة ممكنة، بدليل أنها لم تجد طريقها للتنفيذ، لأن أمريكا كوسيط رئيسي وراع لجميع الاتفاقيات التي تمت بهذا الصدد منذ كامب ديفيد 1978 لم تُلزم نفسها بخطة تفصيلية تضع إطارا عاما للمفاوضات، والمفارقة أن خطة ترامب للسلام هي التي انغمست في التفاصيل أو بالأحري أخرجتها للعلن.

لذلك لم تحمل تصريحات الرئيس الديمقراطي وهو على مشارف دخول البيت الأبيض جديدا، فلم يُصرح بموقفه من قضية الحدود وقراري مجلس الأمن الصادرين عن الأمم المتحدة (242 و338) اللذين يُرجعانها إلى حدود 1967 كما لم يُسمع رأيه في عدم شرعية المستوطنات وأحقية عودة فلسطينيي الشتات، أو عزمه إعادة نقل السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب مرة أخري لتركها لمفاوضات الحل النهائي وفق مبادرة حل الدولتين فهذا النقل لا يتعلق بالجغرافيا والمكان، ولكنه سياسيا يعني الاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، والأهم أن هذا القرار صوت عليه الكونجرس بأغلبية كبيرة من نواب الحزبين لتنفذه فقط إدارة ترامب، وليس من المنتظر بالطبع أن يصطدم بايدن باللوبي اليهودي الأمريكى، أو يُغضب إسرائيل بحكم علاقته التاريخية الوثيقة معها، ووسط هذا الغموض لم يُبد حماسة إلا لمسألة التطبيع بينها وبين الدول العربية والدفع باتجاه المزيد من اتفاقيات السلام، وهو اتجاه يصب بطريقة غير مباشرة في مصلحة خطة السلام المشار إليها باعتباره بندا من بنودها.

لكل ذلك فالمتوقع أن يكتفي باستئناف المساعدات المالية والإنسانية للجانب الفلسطيني وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن ولكن دون استعجال للمفاوضات، ربما إلى نهاية فترة ولايته.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …