بقلم : رشيد الخيّون – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- ظهر بعد لقب «مختار العصر»، لقبٌ جديد بنواحي العراق، «الإمامي الاثنا عشري»، ولا حرج أن يظهر أحد الأعوان ليقول عن القائد الإماميّ: ليس قبله ولا بعده، حتَّى بعد ألف سنة! استقبل الكثيرون العبارة بالسُّخريَّة! لكنها الحَقيقة، فمَن في خدمته «كنزٌ» هائلٌ مِن الرِّوايات والأخبار، وإنَّ كان بعضها ينفي بعضاً، يعصي فهمها على العباقرة لغرائبيتها وعجائبيتها، سيتوقف التَّفكير عندها. إنَّها تجارة رأسمالها استمرار الإقناع بالخرافة، وبتكرارها تصبح حقيقةً تاريخيَّةً، وإن كانت خرافةً، فُسر بها الواقع خطأً!
صحيح أنَّ للزمن اتجاهاً واحداً، ينطلق إلى الأمام، لكن لا يسلك دائماً مساراً واحداً، فهناك عثرات تواجهه، ترده أو توقفه والإنسان يشعر بهذا التَّوقف أو الرُّجوع، قد يقف عند عثرة، وأحوال العراق اليوم ملأى بالعثرات، حتَّى غدت الخُرافة تُحرك مستقبله، ومَن حدد ألف سنةٍ يبقى فيها قائده صائلاً لا أجده متوهماً، في حالٍ مِن الأحوال، فبالنِّسبَة له تلك حقيقةٌ مطلقةٌ، ولا تندهش لو أنّ صاحب العبارة أصبح وزيراً أو رئيس وزارة؟! لا عجب أن تجد ألقابٌ مثل «الإمامي الاثنا عشري» ملايين مِن المطيعين، وهم يسيرون تحت مظلة اللَّقب إلى حتوفهم، قال الأخطل التَّغلبي(ت: 90هجرية) واصفاً، وفي الشِّعر تكمن الأمثال والكنايات: «ضفادعُ في ظلماء ليلٍ تجاوبت/ فدلّ عليها صوتها حيَّة البحر»(الجاحظ، كتاب الحيوان).
غير أنَّ مهما كانت كثرة المقتنعين، وهم يسيرون في ظلماء الجهل، لا يعني هذا مجداً. يقول الشَّيخ المتنور عبد الله العلايلي(ت: 1996): «ليست تمنعني غرابةُ رأيٍ أظنُّ أنَّه صحيح، أو اِعتَقدُ صِحَّته، مِن إبدائه، كما لا يحول بيني وبين رأيٍ قليل الأنصار، فإنَّ الحقيقة لم تعد تُنال بالتَّصويت»(العلايلي، المعري ذلك المجهول). عندما يُحاصر العراقي بالقتل والخطف، مِن زعامة الخُرافة عليه السُّكوت، فكثيرونُ يهمسون ساخرين بأحاديث الخرافة، لكنْ تبقى الحِكمة مثلما نظم المعري(ت: 449 هجرية)، واستشهد العلايلي: «إذا قُلتُ المحال رفعتُ صوتي/ وإن قُلت اليقين أطلتُ همسي»(المصدر نفسه).
لم نعلم بشخص ما قد حمل لقب «الإمامي الاثنا عشري»، أو «مختار العصر»، فالأول عنوان مذهب لا لقب فردٍ، والثَّاني كان اسماً لمَن لفت الطامحين بالسيادة إلى كنز اسم «آل محمد» في السِّياسة، عندما قال لعبد الله بن الزُّبير(قُتل: 37هجرية): «لأعرفُ قوماً لو أنَّ لهم رجلاً، له رِفق وعِلم بما يأتي، لاستخرج لك منهم جنداً تغلب بهم أهل الشَّام، فقال: مَن هم؟ قال: شِيعة بني هاشم بالكوفة»(المسعودي، مروج الذَّهب)، وكان المختار هو «ذلك الرَّجل»، فبعثه ابن الزَّبير إلى الكوفة داعياً لخلافته.
عندما يُطلق لقب «الإمامي الاثنا عشري»، على شخصٍ، يعني ليس هناك غيره إمَّاميَّاً، فعلى العوام إدراك أنَّ كلَّ مرجع آخر ليس له صلاحيته! لأنَّ المعركة باتت داخل المذهب، بين طرفٍ يريد العراق قبل المذهب، يحسب حِساب حاضر البلاد ومستقبلها، وطرف يدعي أنَّ «الكرسي» الذي كان المختار الثَّقفي(قُتل: 67هجرية)، يوهم الأتباع ليستنصر به، هو كرسي علي بن أبي طالب(الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك)، ولقب اليوم: «الإمامي الاثنا عشري» أو مختار العصر«هو كرسي الأمس المقدس».
إنَّها جولة جديدة مِن هتك العراقي، بدمه وعرضه وماله، بالخُرافة، فمًن يقف ضد«الإمامي الاثنا عشري»، يُصنف«ضد الله ودينه ورسوله وأوليائه»(حسب بيان الدَّعوة للتحالف)! سيُعقد التَّحالف بين اللقبين، المختار والإمامي- الحي قراره لألف سنة- أمَّا عبيد الله بن علي بن أبي طالب(قُتل: 67هجرية)، فسفك المختار لدمه(الأصفهاني، مقاتل الطَّالبيين)، كان«حقَّاً»! مثله مثل دماء الشَّباب الشِّيعة الإماميَّة ببغداد والنَّاصرية وكربلاء والنَّجف، لأنهم «ثلة صبيان لا وعي لهم» بالخُرافة، وهي «كنزٌ لا يَفْنى»!