الرئيسية / مقالات رأي / الخليفة المأمون والمعارضون لخلق القرآن

الخليفة المأمون والمعارضون لخلق القرآن

بقلم: عادل نعمان – المصري اليوم

الشرق اليوم- لما مات الخليفة «هارون الرشيد» كان قد عهد بالخلافة «لابنه الأمين» وولاية العهد من بعده لأخيه «المأمون» وأودع هذه الوثيقة البيت الحرام، فلما أراد «الأمين» استلاب وانتزاع ولاية العهد من أخيه «المأمون» إلى ابنه «موسى» مخالفًا وصية «هارون الرشيد»، تنبه المأمون إلى هذه الخدعة لما استدعاه أخوه إلى مقر الخلافة، وأدرك بفطنة الدهاة أن الموت ملاقيه، فأرسل من يقابل جنود الخليفة وانتصر عليهم، وحاصروا قصر الخلافة فى بغداد وقتلوا «الأمين» وعلقوا رأسه على سور القصر، وكأن القتل أو الصلب أو تعليق رؤوس الخلفاء على الأسوار إيذان بانتهاء خلافة وبداية أخرى، وليس بغير هذا تكون البيعة، بالغلبة لا بالرضا.. ولن نميل إلى عشق «الأمين» للرجال من دون النساء، وحبه وغرامه بهم، ومنهم «كوثر» فهذه حكايات مألوفة ومتاحة فى بلاط بنى العباس، وفيما يحكى أنه لما حوصر قصر الخلافة بجنود «المأمون» وخرج «كوثر» هذا يستطلع الأمر وشُج رأسه، بكى الخليفة، وأنشد شعرا غير عابئ بمصير الخلافة «ضربوا قرة عينى.. ومن أجلى ضربوه»، ولما حاولت أمه «زبيدة بنت جعفر المنصور» تحويل وجهته هذه باختيار جاريات حسان وألبستهن ملابس الغلمان علها تجد فيه ميلًا لهن، إلا أنه انصرف إلى «كوثر» وأنشد فيه هذا الشعر «كوثر دينى ودنياى وسقمى وطبيبى»، وفى هذا الشأن قل ما شئت فى بلاط العباسيين ولا تخجل.

وكأن الخليفة الجديد «المأمون» فقيه وعالم وحكيم عكس سلفه، فجدد بيت الحكمة، وازدهرت الترجمات واهتم بالعلوم والطب والفلسفة، وبارك الفكر المعتزلى، الذى أصبح مذهب الدولة وعلى قمته «قضية خلق القرآن» وقد أعطى عماله فى الأمصار أمرًا بامتحان العلماء، فمن أقر أنه «مخلوق» يخلى سبيله ويجاز له الفتوى، ومن رفض يضرب عنقه، إلا شيخين هما أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح رفضا، فضُربا وسُجنا حتى أمر الخليفة بإرسالهما إلى مقر الخلافة فى بغداد بأغلالهما، وهما فى الطريق بلغهما موت المأمون، فحُملا إلى العودة، ومات فى الطريق الفقيه محمد بن نوح، وأودع بن حنبل السجن، واستمر فى محبسه فى عهد الخليفة «المعتصم»، وابنه «الواثق» حتى جاء الخليفة «المتوكل» وأطلق سراحه.

ولم يكن المعتزلة أو المأمون أول من نادوا بفكرة خلق القرآن، بل كانت إرهاصات وولادة الفكر المعتزلى وبداياته فى العصر الأموى، على يد «القدرية الأوائل» الثائرين على النقل، والمنحازين للعقل، وتم قتلهم واحدًا وراء الآخر، منهم الجهم بن صفوان، وغيلان الدمشقى، والجعد بن درهم، لكن الفكرة لا تموت، بل تزيد وتتكاثر تحت الأرض وتحت الضغط وخلف القضبان وتفر إلى آخرين من هول الذبح والسيف ولا تموت.

أما عن فكرة خلق القرآن، فهم يعتبرونه نصًّا تاريخيًّا له زمان وهو زمن الدعوة، وله مكان وهو الجزيرة العربية، وهو «محدث» فى الزمان والمكان، فالله كلم آدم، ونوحًا، وإبراهيم، وموسى، وداوود، وعيسى، ومحمدًا، وفى القرآن أحداث تواترت مع الزمن والمواقف بعد البعثة، ونزلت قرآنًا يتلى كحادث الإفك عن السيدة عائشة، وواقعة حفصة ومارية القطبية، وفيه كلام عن مناسبات ووقائع زمنية بذاتها، عن المرأة المجادلة «قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها…» وكذلك الغزوآت والسرايا وتوزيع الغنائم، وما يتساءل به المسلمون عن أمور دينهم ويرد عليهم الرسول ليصبح نصًّا وحكمًا. ويرى أهل السنة أن القرآن قديم قبل نزول البعثة «وغير مخلوق أبدى أزلى» أما عن أفعال العباد التى يستند إليها أصحاب خلق القرآن، فهى «أفعال مخلوقة». وهنا لابد أن نعرف كيف دافع ابن حنبل عن أن «القرآن غير مخلوق» وهو بين يدى الخليفة «المعتصم» وهو راعى فكرة خلق القرآن بعد «المأمون»، فلما سأله: ما تقول فى القرآن يا أحمد؟ قال ابن حنبل: «كلام الله قديم غير مخلوق» وتلا «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ»، فهو كلام الله وليس بمخلوق، ولما أمر بحبسه وجىء به عند الصبح وسأله «المعتصم» عن حاله، فقال ابن حنبل: «بخير لكنى رأيت عجبًا فى السجن، لما صليت الفجر وأردت قراءة القرآن لم أقدر، ومددت عينى فى زاوية السجن، فإذا بالقرآن مسجى ميتًا، فغسلته وكفنته، وصليت عليه ودفنته» فقال المعتصم: «ويلك يا أحمد والقرآن يموت؟ فقال له: «فأنت تقول إنه مخلوق والمخلوق يموت» يقول رواة الحنابلة إن«المعتصم» لما سمع قول الإمام، قال: «قهرنا ابن حنبل» إلا أنهم لما كتبوا زادوا وعادوا فى الأمر، إلا أن حجج المعتزلة أقرب إلى الفهم والقبول

والمسافة بعيدة بين أصحاب الرأيين «مخلوق» أو «غير مخلوق» وليس الهدف منها سوى الصراع بين خصوصية السبب وعموميته، وعموم اللفظ وخصوصيته، وسبب النزول ومطلق النص، والحكمة من التنزيل، ومقاصد التشريع، والسياق الذى نزلت فيه الآية، وكذلك أخطر الأمور القاعدة الفقهية التى توجب تحويل الحكم الخاص إلى حكم عام على عموم المسلمين، وهو مبدأ فقهى معتبر وملزم للفقهاء، «وعن خصوصية السبب وعمومية اللفظ، والحكم الخاص وتحويله إلى عام» هذا موضوع آخر.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …