بقلم: عاطف الغمري – الخليج
الشرق اليوم- يبدو أن المشهد السياسي الراهن في الولايات المتحدة يحمل دلالات على أن العودة إلى طبيعة إدارة النظام السياسي الأمريكي، ستواجهها صعوبات أمام استرجاع الأوضاع التي سادت لسنوات طويلة من قبل عصر ترامب.
وستبقى سياسة أمريكا الخارجية، تتراوح في عهود الرؤساء، ما بين توجه وآخر بما فيها من مكونات وتفاصيل، نظراً لأن لكل رئيس مساره القائم على ما يسمونه “المبدأ” Doctrine. ولكننا سنجد في النهاية، أن أمام الرئيس خطّاً لا يتجاوزه، تحدده له قوى بالغة التأثير، وهي مصدر الإلهام الفعلي للسياسات، والتي تمثل الحارس على مفهوم الهيمنة الأمريكية، وهي تعبر بذلك عن مصالح المؤسسة الصناعية العسكرية، التي تدير الحروب بما يضمن استمرارية تشغيل مصانع السلاح، وكذلك القوى الاقتصادية الكبرى التي تشعبت مصالحها ونفوذها في العالم.
و”المبدأ” هو مصطلح استخدم في سنوات الحرب الباردة، لإلقاء الضوء على توجهات السياسة الخارجية، وشرحاً لطبيعة النظام الدولي، ثم حشد الرأي العام في الداخل وراء هذا المبدأ، من أجل ممارسة سياسة خارجية قوية ونشطة، دون قيود أو معوقات.
وإذا كان مبدأ الاحتواء – أي احتواء الاتحاد السوفييتي داخل حلقة محكمة تطوق به، من القواعد العسكرية، والأحلاف، والاتفاقات، والمعاهدات الثنائية، قد استمر لعقود أساساً للسياسة الخارجية، فإن تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، قد أوجد مناخاً جديداً جعل كل رئيس من بعد انتهاء الحرب الباردة، يضع لنفسه مبدأه للسياسة الخارجية.
وعلى سبيل المثال، فإن المعروف أن الرؤساء على اختلافهم – من جمهوريين وديمقراطيين – ينتمون في فكرهم السياسي إلى إحدى مدرستين، تتفقان معاً على مفهوم الهيمنة على العالم، إحداهما المدرسة المثالية، والأخرى المدرسة الواقعية. الأولى تؤمن بفرض الهيمنة ولو باستخدام القوة العسكرية، والثانية تؤمن بالهيمنة النسبية بعلاقات تعاقدية مع دول إقليمية، والتأثير عليها وجذبها بوسائل القوة الناعمة، وبعلاقات تبادلية.
ومن الذين تضمهم المدرسة المثالية، جماعة المحافظين الجدد، بالإضافة إلى تيارات أخرى من الحزب الديمقراطي. بينما تضم الثانية رؤساء وسياسيين كبار من الحزبين منهم الرئيس بوش الأب، وبيل كلنيتون، وجيمس بيكر، وهنري كيسنجر، وغيرهم.
وعندما تقلد المحافظون الجدد المناصب الرئيسية، في إدارة بوش الابن ابتداء من عام 2001، فإنهم جسدوا أفكارهم في سياسات، تضمنتها استراتيجيتهم للسياسة الخارجية في عام 2002، والتي حددت أهدافها، بالهيمنة على العالم، وعدم السماح بظهور قوة منافسة إقليمية أو دولية، وعسكرة السياسة الخارجية، بما يعني أولوية القوة العسكرية قبل الدبلوماسية، في التعامل مع أية دولة يعتبرونها “عدوا محتملا”، وقد تكون هذه الدولة في هذا التوقيت صديقة لها.
والآن، فإن جو بايدن ينتمى للحزب الديمقراطي الذي يضم التيارين، وإن كانت هناك قاعدة كبيرة داخل الحزب تميل نحو المدرسة الواقعية، بالرغم من إمكان تحول رئيس ديمقراطي نحو بعض أفكار المدرسة المثالية، مثلما فعل أوباما، من ممارسة خطط تغيير الأنظمة، واستخدام القوة – حتى ولو عن طريق وكلاء محليين – لإشعال الصراعات والحروب الأهلية، والفوضى.
صحيح أن بايدن أوضح نواياه التي توحي باختلافات مع المدرسة المثالية في بعض التوجهات، مثل رغبته في استعادة العلاقات التقليدية مع الحلفاء في أوروبا، وهم الذين لم يعبأ المحافظون الجدد بمراعاة آرائهم في قراراتهم بشأن السياسة الخارجية، والعودة إلى صياغة جديدة للعلاقة مع الصين، بتخفيف لهجة العداء التي انتهجها ترامب، مع مراجعة الأسباب التي أدت إلى الخلافات بينهما، والسعي لإيجاد حلول لها.
وأيضا تخفيف حدة أساليب التعامل مع إيران والعودة إلى الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، ولكن بتفاوض على شروط جديدة تضمن تخلي إيران عن برنامج التسلح النووي، لكن الصورة المكتملة لتوجهات بايدن السياسية، ستظل رهن مراجعة فريقه المعاون من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، للوضع الدولي، في مختلف المناطق الدولية والإقليمية، وما طرأ عليها من تغيرات، بعضها يشكل فرصاً لاستثمارها، وبعضها يمثل تحديات لا بد أن تطور من سياساتها حتى لا تصطدم بهذه التحديات.
عندئذ يمكن أن تتضح ملامح مبدأ بايدن للسياسة الخارجية، والذي سيتم على أساسه، تبلور توجهاته في العالم بشكل عام، وفي مناطقه الإقليمية، خاصة في آسيا، والشرق الأوسط.