بقلم: حسين عبدالحسين – الحرة
الشرق اليوم- في الأيام الأخيرة له في الإدارة، زار المستشار الرئاسي الأميركي، جاريد كوشنر، السعودية لمحاولة حثّها على التوصل لاتفاقية سلام وتطبيع مع اسرائيل. وسبق للرياض أن كرّرت أنها تلتزم مبادرة السلام العربية، المبنية على سلام فلسطيني إسرائيلي يسبق سلام العرب مع إسرائيل. لكن ما الذي يعطّل مبادرة السلام العربية، وتاليا سلام السعودية مع إسرائيل؟
مبادرة السلام العربية هي أصلا مبادرة سعودية، قدّمها لأول مرة العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز، وكان ما يزال وليا للعهد، في القمة العربية في فاس المغربية في العام 1981، وهي كانت تهدف إلى إعادة توحيد الصف العربي بعدما طردت الجامعة العربية مصر من عضويتها بسبب قيام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بتوقيع سلام منفرد مع الإسرائيليين.
المبادرة السعودية في فاس كانت بسيطة، ونصّت على انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية تنفيذا لقراري مجلس الأمن 242 و338، مقابل “تأكيد حق كل دول المنطقة بالعيش في سلام”، لكنها واجهت معارضة “جبهة الرفض” من حكام العرب العسكر — حافظ الأسد في سوريا، وصدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا — الذين مضوا في تسليح وتدريب وتمويل الميليشيات الفلسطينية في لبنان وسوريا والعراق واليمن الجنوبي. وكانت الميليشيات الفلسطينية تخوض حروبا دموية واغتيالات ضد قادة بعضها البعض أكثر من انخراطها في مواجهات ضد الإسرائيليين.
في العام 2000، وصلت المفاوضات الإسرائيلية مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات طريقا مسدودة أطاحت برئيس حكومة إسرائيل إيهود باراك. ثم في ذروة الحصار العسكري الذي فرضته إسرائيل على عرفات في مقره في رام الله، المعروف بالمقاطعة، عقدت الجامعة العربية قمتها الدورية في بيروت في العام 2002، وكررّت السعودية طرحها لمبادرة السلام مع إسرائيل، هذه المرة على لسان ملكها الراحل عبدالله، ولي عهدها آنذاك. في بيروت، لم تواجه المبادرة العربية معارضة “جبهة الرفض”، لكن هذه الجبهة أصرّت على تضمين نص المبادرة بند أكّد اجهاضها.
في الشكل، مبادرة السلام العربية بسيطة ومبنية على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، أي أن انسحاب الإسرائيليين من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية والجولان السوري يؤدي إلى سلام كل الدول العربية مع إسرائيل. لكن قبل أن تتبنى الجامعة المبادرة، قام رئيس سوريا بشار الأسد، الذي كان جيشه يحتل لبنان، بالإيعاز لنظيره اللبناني التابع له أميل لحود — الذي كان يترأس لقاءات القمة بصفته رئيس الدول المضيفة — بالتلاعب باللقاءات، وبتعديل نص المبادرة للقضاء عليها.
أولا، قام لحود بحرمان عرفات المحاصر من الإدلاء بكلمته مباشرة من رام الله، عبر الأقمار الصناعية. أراد الأسد تغييب القيادة الفلسطينية لفرض إرادته، فانسحب الوفد الفلسطيني احتجاجا، فما كان من رئيس حكومة لبنان الراحل، رفيق الحريري، إلا أن بذل جهدا لمراضاة الفلسطينيين وإعادتهم للقاعة.
ثانيا، أثناء اتفاق الوفود على نص المبادرة العربية للسلام، أصرّ الأسد ولحود على إضافة بند يطالب إسرائيل بـ”التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194″، الذي صدر في العام 1948، على أثر رحيل 700 ألف لاجئ فلسطيني، ودعا إلى عودتهم إلى الأراضي التي صارت، بعد عام، جزء من دولة إسرائيل، حسب خطة التقسيم التي تبنتها الأمم المتحدة.
على أنه على عكس قرارات مجلس الأمن الداعية لانسحاب إسرائيل من أراضي 1967، وهي قرارات ملزمة، فإن قرار الجمعية العامة لعودة لاجئي 1948 ليس ملزما، وهو ما يجعل إسرائيل في حلّ منه.
هذا في القانون. أما على أرض الواقع، فإن السلام مبني نظريا على قيام دولتين، واحدة لليهود وواحدة للعرب، وفي حال قبول إسرائيل مبادرة السلام العربية، تقوم دولة للعرب، لكن اليهود يتحولون إلى أقلية سكانية في دولتهم، وهذا سبب رفض إسرائيل للمبادرة.
إن جدية السعودية في رعاية التوصل لسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتاليا بين كل العرب وإسرائيل، مرتبطة بإقناع إسرائيل أن الرياض والعرب يوافقون على يهودية دولة إسرائيل، وهو ما يتطلب، لا الإطاحة ببند عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى اسرائيل فحسب، بل يتطلب رعاية السعودية لمؤتمر بين ممثلي المجموعات الفلسطينية الثلاث الكبرى: السلطة الفلسطينية ممثلة لمليوني فلسطيني في الضفة الغربية، وحماس ممثلة لمليون ونصف مليون فلسطيني في قطاع غزة، وأعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب ممثلين لعرب إسرائيل البالغ تعدادهم مليوني نسمة.
لا بد لممثلي الملايين الستة من فلسطينيي “الداخل” من التوصل إلى خطة واضحة لرؤيتهم لسلام يفضي لقيام دولتين، يهودية إسرائيل وعربية فلسطينية، وهو ما يعني موافقة حماس على حل الدولتين، وموافقة عرب إسرائيل على انفصالهم وأراضيهم عن إسرائيل، وانضمامهم إلى دولة فلسطين المزمع قيامها. ويوم يتوصل الفلسطينيون — عن طريق التصويت فيما بين ممثلي كتلهم الثلاث — إلى تصور واضح لشكل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، يمكن لجامعة الدول العربية، برعاية السعودية، تبني النص الجديد الخالي من خزعبلات الأسد و”جبهة الرفض”، وتقديمه لإسرائيل كخطة سلام. ثم يمكن لدولة فلسطين بعد قيامها استقبال من ترغب من فلسطينيي “الخارج” أو “الشتات”.
أما في حال فشل الفلسطينيين في التوصل لرؤية موحدة لتصورهم للسلام في مهلة ستة أشهر، يصبح لكل دولة عربية الحرية في توقيع سلام أحادي مع إسرائيل بدون انتظار الفلسطينيين. الإمارات والبحرين والسودان أدركت استحالة التوصل لاتفاق بين الفلسطينيين أنفسهم حول السلام مع إسرائيل، فآثرت السعي خلف مصالحها القومية. أما السعودية، فما تزال تؤجل مصالحها القومية في انتظار أن يتوصل الفلسطينيون لرؤية موحدة. لكن الأرجح أن للصبر السعودي حدود.