الرئيسية / مقالات رأي / لعبة الذكاء الرأسمالي

لعبة الذكاء الرأسمالي

بقلم: يحيى زكي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- في نهايات القرن العشرين كان يحلو للكثيرين أن يطلقوا على العقود المقبلة «عصر العولمة»، الآن تراجع هذا التوصيف كثيراً بحيث بات من الصعوبة إطلاق تعريف دقيق للمناخ الذي نعيشه يعبر عن أبعاده كافة. إن معرفةً تستخدم مصطلحاً واضحاً للتعبير عن العصر مفيدة وضرورية لمعرفة الفكرة الحاكمة لمجمل التحولات التي نعيشها على مستوى الرؤية وما يعقبها من حراك على الأرض، وهي معرفة تمنحنا أيضاً القدرة على التحليل والتنبؤ بما سيقع في المستقبل.

 كيف يمكن توصيف العصر؟ سؤال إشكالي، فالأحداث متلاحقة وجديدة، وهناك متغيرات سياسية عدة، بالإضافة إلى تحولات اجتماعية جوهرية وعميقة على مستوى العالم ككل، فالبشر أصبحوا للمرة الأولى في التاريخ داخل فضاء جمعي واحد ومشترك يتمثل في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل، بحيث يمكن لمجموعة من البشر أن تتعرف إلى ظروف ومشاكل مجموعة أخرى، وتساندها وتدعمها وتتعاطف معها بإبداء الرأي وطرح الحلول.

 أما أبرز قضايا هذا العصر فلا تأخذ البعد الاقتصادي أو السياسي الواضح والمباشر والذي كان في القرن العشرين يقسم العالم إلى معسكرين واضحين. الآن توجد مسائل مثل التغير المناخي والأوبئة والآلة أو الثورة «الروبوتية»، وهي مسائل تطرح غالباً بعيداً عن خلفيتها الفكرية، وهو استغلال ذكي من قبل الرأسمالية، أو ما يمكن أن نطلق عليه «الذكاء الرأسمالي»، فالبشر في الفضاء الافتراضي غالباً غير مؤدلجين وينتمون في أغلبيتهم إلى البسطاء الذين لم يتعودوا على قراءة ما بين السطور أو البحث في الأسباب الخفية الكامنة وراء ما يتم تصديره إليهم، ولا يهمهم إلا واقعهم الآني والملموس.

 تُطرح قضية التغير المناخي في الأغلب في إطار أنها نتاج نشاط السلوك البشري بشكل عام، أما الثورة الروبوتية فأصبحت ضرورة علمية، فالروبوتات واعدة ومهمة في مجالات عمل عدة، وفي مسألة الأوبئة لا يفكر البشر إلا في الموعد الذي يكتشف فيه العلماء لقاحاً ناجعاً ل«كورونا»، أي لا فكرة حاكمة خلف مفاصل هذه المسائل، تربط بينها جميعاً، وبالتالي يمكن التعاطي معها كإفراز لنظام محدد، على البشر أن يفكروا بحرية وقوة في مرتكزاته وما يفعله بهم وأي مستقبل يقودهم إليه.

 الخطوة التالية التي دُفع إليها البشر تتمثل في تفتيت كل مسألة من المسائل السابقة إلى موضوعات فرعية، من خلال تغطيات ومعالجات إعلامية تعتمد على قصص فردية أو خاصة بمجموعة ضئيلة من البشر، فالآلة حتمية لا محالة ولكن في أعمال محددة وقليلة، والوباء لا يصيب كل الناس، واللقاح سيمنح للجميع وفق الأولوية، وهنا تتضح مفارقة العصر التي برع فيها الذكاء الرأسمالي، فإزاء الوعي البشري الجمعي نتيجة لثورة الاتصالات، هناك أيضاً إدراك فردي وفئوي وأناني لقضايا المصير المشترك.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …