بقلم: أنس بن فيصل الحجي – إندبندنت عربية
الشرق اليوم- سبب كتابة مقالة اليوم في شكل نقاط، هو تعدد الأفكار في مجالات مختلفة، والهدف هو توضيح حقائق وأمور مهمة لا يعرفها كثيرون من جهة، ودفع الحوار حول هذه المواضيع خطوة إلى الأمام، بدلاً من التركيز على أساسيات نلف وندور حولها. ولعل أهم نقطة في مقالة اليوم هي الـ 11 والأخيرة، لأنها تقلب كل الموازين.
1- العالم بحاجة إلى كل أنواع الطاقة، لأن الطلب على الطاقة سيستمر في النمو لعقود طويلة من الزمن، والنمو في النفط والغاز والفحم والطاقة النووية والكهرومائية، حتى من دون قيود بيئية، لا يكفي، لذلك نحتاج إلى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية.
2- لأي إنسان الحق في أن يعيش في بيئة نظيفة يستنشق فيها الهواء النقي ويشرب الماء النظيف.
3- لا يوجد أي مصدر “أخضر” للطاقة، فكل مصادر الطاقة تصدر انبعاثات مضرّة بالبيئة، سواء في مرحلة الإنتاج والبناء أو التشغيل، أو تنتج منها نفايات صلبة لا يمكن التخلص منها، لذا يجب النظر إلى الأمر على أنه مفاضلة: أقل من، أكثر من، أكثر صداقة للبيئة، أكبر، أصغر، وهكذا. لا يمكن الحديث عن الموضوع بقطعية، وفي هذا السياق هناك مفاضلة أخرى حصلت وتحصل في دول عدة، فهل يتم تحويل الأراضي الزراعية إلى مزارع للطاقة الشمسية والرياح؟ وهل يؤدي القرب من هذه المزارع إلى انخفاض قيمة العقارات؟
4- لا يوجد مصدر “مستدام” للطاقة، فكل مشاريع الطاقة المتجددة لها عمر معيّن وتنتهي، وتتطلب إعادة الاستثمار بها للتعويض، وكل مصادر الطاقة تنخفض إنتاجيتها مع الزمن، بما في ذلك النفط والغاز والألواح الشمسية و”العنفات” الهوائية.
5- كل ما يُذكر على أنه طاقة جديدة ومتجددة ليس جديداً ولا متجدداً، فقد استخدم الإنسان الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمياه الحارة النابعة من الأرض لآلاف السنين، وجابت السفن البحار والمحيطات باستخدام طاقة الرياح، واستخدمت الطاقة الحيوية من مخلفات النباتات والحيوانات منذ آلاف السنين أيضاً. الفرق بين الآن والماضي، أن الإنسان استخدم مصادر الطاقة هذه بشكل مباشر، وأغلبها من دون أية انبعاثات للغازات المسببة للاحتباس الحراري. الآن نحولها لكهرباء، وهو ما ينتج غازات مسببة للاحتباس الحراري جراء بناء محطات الكهرباء والأسلاك الناقلة لها، أما السيارات الكهربائية فهي أقدم من سيارات البنزين والديزل بعقود، وكما ذكرت سابقاً في النقطة رقم (4)، فهي ليست متجددة.
6- السيارات الكهربائية مكلفة، والسبب الأساس لانتشارها هو المساعدات الحكومية الضخمة للمنتجين والمشترين، ولهذه السيارات عمر محدد مثلها مثل السيارات الأخرى. أنا شخصياً لست ضدها، ولكنني ضد أمرين، المساعدات الحكومية الضخمة للمنتجين والمشترين، والمبالغة في أثرها بالطلب على النفط. وبالنسبة للنقطة الأخيرة، فيمكن قراءة المقالات السابقة عن الموضوع في هذا الموقع.
7- سيارات الهيدروجين موجودة في أرض الواقع، ولكن مصدر الهيدروجين هو النفط والغاز، وهي سيارات ما زالت مرتفعة الكُلفة، وكلفة الهيدروجين ما زالت أعلى من البنزين، والهيدروجين الأخضر الذي يُنتج من الماء بكلفة منخفضة مازال حلماً، وأقول هذا مع أنني كنت من أوائل الباحثين في أثر استخدام الهيدروجين في أسواق النفط في التسعينيات، وهو بحث استخدمته كبريات البنوك العالمية وقتها في تقييم تمويل مشاريع الهيدروجين، وكنت من أوائل المشجعين لذلك ولا زلت، ولكن التطور التكنولوجي الذي يخفض التكاليف بشكل كبير لم يحدث بعد.
8- ما نراه من كتابات عن مستقبل الهيدروجين هو مجرد تجديد لما كُتب في التسعينيات، فحتى الصحف السعودية نشرت مجموعة من المقالات في أواخر تلك الفترة عن الموضوع، ولو قرأتها لظننتَ أنها كُتبت اليوم!
9- فكرة أن الاستثمارات الكبيرة في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية وتحول شركات النفط نحوها، ستنتج منها أمور إيجابية لمصلحة أي مصدر طاقة، ليست أكيدة أو حتمية، فقد شهدنا مثل هذه التطورات خلال 120 عاماً مضت، بعضها نجح، وبعضها فشل بعد أن استمر 10 و15 عاماً. وتوضح نظرة تاريخية إلى شركات النفط العالمية، أنها سيطرت أو حاولت أن تسيطر على كل مصدر طاقة أو تكنولوجيا ينافس النفط بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولهذا فإن تحول شركات النفط الأوروبية بالذات إلى الطاقة المتجددة، وإضافة محطات شحن كهربائي في محطات البنزين أو بناء محطات مستقلة لذلك، لا ينبع من فكرة “التحول الطاقي” بقدر ما ينبع من أمرين، الأول هو السلوك التاريخي لشركات النفط وسيطرتها على كل ما ينافس النفط، والثاني هو أخذ ما يمكن أخذه من إعانات حكومية بلغت عشرات المليارات خلال الأعوام الـ 15 الماضية، وعلينا أن نتذكر أن تكنولوجيا السيارات الكهربائية لم تنضج بعد، وما زالت في حال التغيّر المستمر، والتركيز على الهيدروجين الآن يوضح أن السيارات الكهربائية ليست نهاية المطاف بالنسبة إلى قطاع السيارات.
10- قيام عدد من الدول بمنع بيع سيارات البنزين والديزل بعد تاريخ معيّن، مضمّن في كل التوقعات الطويلة المدى، ولهذا فإن التطبيق في الوقت المحدد لن يؤثر في هذه التوقعات، ولكن علينا أن نتنبّه إلى أن الحظر على بيع السيارات الجديدة فقط، ولا ينطبق على المستعملة، ولعل أهم نتيجة لهذا القانون هو تصدير سيارات البنزين والديزل المستعملة إلى دول العالم الثالث، ومن ثم فإن الأثر العام على الانبعاثات عالمياً قد لا يتغير كثيراً، واحتمال تأخير تاريخ وقف بيع سيارات البنزين والديزل بخمسة أو عشرة أعوام كبير.
11- أخيراً، وقد تكون هذه أهم نقطة في موضوع اليوم، فجزء كبير من نمو الطلب على النفط والغاز في الصين والهند وبقية الدول الآسيوية الذي شهدناه خلال الـ 20 عاماً الماضية، هو طلب محوّل من الدول الصناعية، بخاصة الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، نتيجة الاتفاقات التجارية وتأسيس منظمة التجارة العالمية في التسعينيات، والتي نتج منها قيام الشركات بنقل آلاف المصانع إلى الصين وغيرها، وتحويل مراكز تخزين البيانات إلى الهند، بما في ذلك مراكز خدمات العملاء. لهذا فالاستدلال بانخفاض الطلب على النفط في أوروبا على بلوغ الطلب على النفط ذروته، باطل. والاستدلال بانخفاض الانبعاثات في أوروبا على أنه يمكن أن يحصل في الدول الناشئة والنامية، خاطئ. وهنا القنبلة الموقوتة التي ستنفجر بوجه اللاعقلانيين من حماة البيئة، فما حصل في أوروبا لا يمكن أن يحصل في آسيا إلا إذا نقلت الشركات المصانع إلى أفريقيا أو أميركا اللاتينية! نعيماً! إنها لعبة الكراسي!
ولكن القصة لا تنتهي هنا، فإذا نظرنا إلى ما يريد أن يفعله “الترمبيون” و”الجونسونيون” في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، واليمين السياسي في بعض الدول الأوروبية، نجد أننا ندور في حلقة مفرغة، فهم يريدون استرجاع هذه المصانع من الصين، فهل يعني هذا ارتفاع استهلاك النفط في الولايات المتحدة وبريطانيا وانخفاضه في الصين؟ هذا يعني زيادة الانبعاثات في الولايات المتحدة وبريطانيا وانخفاضها في الصين!
انخفض استهلاك النفط في أوروبا نتيجة قرارات سياسية، وانخفضت انبعاثات الكربون نتيجة قرارات سياسية، وقد تتغير الاتجاهات الحالية بقرارات سياسية، ولهذا يجب الحذر عند درس الاتجاهات التاريخية التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على القرارات السياسية.
والحقيقة أنه يمكن لاقتصادات الدول الناشئة بالذات أن تحسّن الكفاءة في الاستخدام بشكل كبير، وسيخفض ذلك استهلاك الطاقة والانبعاثات، ولكن ليس بالشكل الذي حصل في أوروبا نتيجة رحيل المصانع عنها.