بقلم: هيلة المشوح – عكاظ
الشرق اليوم- لا شك أن مقتل محسن فخري زاده، الصندوق الأسود للنووي الإيراني والعقل المدبر لبرنامجها التسليحي قد نكأ جرحاً عميقاً في قلب علي خامنئي، ليس المرشد فحسب بل في نظام الملالي بشكل أكبر، فلم يكد جرح مقتل رمز الحرس الثوري سليماني يندمل إلا وجاءت هذه الحادثة كضربة مدوية على رأس النظام الإيراني للمرة الثانية في نفس العام، والأمر لا يتعلق مطلقاً بندرة أو تفرد فخري زاده بما لا يجيده غيره في البرنامج النووي الإيراني، فالنظام لا يعتمد على شخص أو بضعة أشخاص، فالبرنامج النووي أوسع وأشمل من أن يُحصر بشخص تم التخلص منه باغتياله على حين غرة، ولكن الأمر يخص الرسالة السياسية خلف هذه الاغتيالات ومدى عمقها في نفوس الملالي والرد الذي توعدت به مقابل اغتيال رجلها النووي.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم ينفِ أو يقر مسؤولية إسرائيل عن الحادثة، رغم أن كل أصابع الاتهام تتجه نحو بلاده ورغم أنه وفي وقت سابق؛ أي في 2018، قد حذر بشكل مكثف من محسن زاده الذي كان يعمل على تطوير رؤوس نووية إيرانية في برنامج نووي سري وخطير، كما حاول قبلها بسنوات إبطاء العمل في المفاعل النووي الإيراني (نطنز) في مساع لإقناع أمريكا بذلك، فضلاً عن مجلس الأمن الذي وضع اسم محسن فخري زاده في الحسبان منذ عام 2007 وضمن الشخصيات التي طلبت وكالة الطاقة الذرية محاورتها، الطلب الذي قوبل بالرفض من قبل النظام الإيراني آنذاك، إذن نحن أمام قضية طال رصدها وانتظار تفكيك رموزها، ولكلا الطرفين مبرراته وأسبابه فهل يجدر بنا التساؤل (من قتل فخري زاده) أم أن الأمر سيان؟
برأيي أن جعجعة إيران حول الرد على مقتل فخرى زاده، الذي وصفته بأن سيكون مؤلما، لن يتجاوز استخدام أذرعة إيران في الخارج وهو السلوك المتعارف عليه وتمارسه إيران بما يسمى (حرب الوكالة) دون التورط باشتباكات عسكرية مباشرة منذ انتهاء حربها مع العراق عام 1988، فحزب الله في لبنان لن يتأخر في تنفيذ أي عملية ضد إسرائيل، كذلك هو الحال بالنسبة لميليشيا الحوثي في اليمن والحشود في العراق وسوريا. فهل تستهدف هذه الأذرع جنودا أمريكان في العراق؟ أم تستهدف ميليشيا حزب الله الداخل الإسرائيلي؟ أم أن الانتقام تترجمه تلميحات إيران بإقحام المملكة العربية السعودية باغتيال زاده وبالتالي ضرب مواقع حيوية في المملكة؟
يشكل اغتيال فخري زاده الرجل الأخطر في برنامج التسليح الإيراني اختراقاً أمنياً خطيراً في الداخل الإيراني. والعملاء جاهزون لتسريب المعلومات الأمنية وتنفيذ مزيد من الاغتيالات، فالعملية تمت بدقة متناهية دون آثار لهوية المنفذين حتى الآن، علماً أن الرجل يحظى بحراسات أمنية مشددة وتحركات مدروسة وحضور نادر في الأوساط الإعلامية والسياسية، لذا فإن تصفية المزيد من رموز الحرس الثوري والبرنامج النووي أمر وارد في الفترة المقبلة.
ألمح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف لضلوع إسرائيل في اغتيال زاده، وألقى باللوم أيضاً على المملكة العربية السعودية في حالة أشبه باليأس من إمكانية كشف المخطط، ولكن الحقيقة الوحيدة التي نعرفها جميعاً أن إيران تشرب اليوم من نفس الكأس الذي أذاقت خصومها منه لعقود سبقت، فتاريخ إيران في الاغتيالات السياسية معروف وموثق ومن يمارس هذه الممارسات البشعة لا شك أنه سيلقي التهم جزافاً حتى على الدول التي عرفت بسجلها الناصع بهذا الشأن كالمملكة العربية السعودية التي نفى فيها وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور عادل الجبير أن يكون للمملكة يد في هذا العمل؛ كونها ترفض الاغتيالات وتدين هذا السلوك جملةً وتفصيلا وهي الدولة التي اكتوت بفقدان عدد من مواطنيها حول العالم بسبب السلوك الإجرامي الإيراني.
تعيش إيران هذه الأيام في مآزق عدة، ففضلاً عن تصفية رموزها فإن حراك البارجات الأمريكية في المياة الدافئة حول إيران يشي بنية ضربات عسكرية متوقعة وعقوبات قد يطول أمدها إن استمرت إيران في توسيع نشاطها النووي واللجوء إلى تطوير مفاعلها النووي «نطنز» الذي يمتد على مساحة 100 ألف كيلومتر تحت الأرض ويحوي أكثر من 7000 جهاز طرد مركزي، هذا غير مفاعلات بوشهر وأصفهان وقم وخوزستان ووعيد وتحديات لا تتوقف!