الرئيسية / عام / التفكير الجديد فى الشرق الأوسط

التفكير الجديد فى الشرق الأوسط

بقلم: عبد المنعم سعيد – المصري اليوم

الشرق اليوم– لم يكن العقد المنصرم رحيما بمنطقة الشرق الأوسط، فقد بدأ بسنوات لثورات فى دول عربية ولدت تيارا هائلا من العنف والراديكالية التى اتشحت برداء الدين، ومع منتصفه انخفضت أسعار النفط انخفاضا حادا، ومعها وصلت الجماعة الداعشية إلى إنشاء «دولة الخلافة» الإسلامية، بينما كانت دول عربية عدة تعانى من الحروب الأهلية والانقسامات الكثيرة التى لايزال بعضها معنا حتى اليوم، وكأن كل ذلك لم يكن كافيا فقد انتهى العقد بخاتمة «الكورونا» القاسية على المنطقة والعالم. ولأن الأخبار السيئة لا تأتى وحدها، بل إن منطق الطبيعة يفرض وجود النقيض فى شكل أخبار أفضل، فإن ذات العقد شهد نوبة صحيان الوعى بخطر الجماعات الإرهابية، وكانت ثورة ٣٠ يوليو المصرية إشهارا بأول انحسار كبير تعرفه جماعة الإخوان ثم بعد ذلك سقطت دولة الخلافة ذاتها، وتوالت دعوات الإصلاح فى عدد من الدول العربية، وكانت مصر فى مقدمتها. وبشكل ما كانت هناك صيحة كبيرة لأشكال جديدة من التفكير، ليس فقط فى إطار تجديد الفكر الدينى، وإنما أكثر من ذلك تجديد الفكر المدنى أيضا بحيث يكون اتجاه التجديد جزءا لا يتجزأ من العصر الذى نعيش فيه الآن بكل ما فيه من تقدم تكنولوجى، وبحث عن التوافق بين العولمة من ناحية والهوية من ناحية أخرى. كان عصب كل ذلك هو التأكيد على التنمية فى جوانبها المختلفة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وعلى السلام داخل دول المنطقة، وفيما بينها، بحيث يمكن تبريد السخونة الهائلة التى تولدت خلال العقد المنصرم، والبحث عن سبل عصرية لنفى حالة الاستثناء السائدة فى الإقليم من التقدم العالمى بشكل عام.

ما دفع إلى التفكير فى كل ما سبق ما نشرته وكالة رويترز للأنباء فى ١٦ نوفمبر المنصرم عن محادثات تجرى بين إسرائيل والاتحاد الأوروبى.

.. لكى يتم تعميق التقدم الاقتصادى بإقامة محور تجارى بين شرق البحر المتوسط ودول الخليج العربية. الفكرة كما جاءت هى إنشاء «خط سكك حديد السلام الإقليمى» والتى يمكنها تعزيز النمو الاقتصادى فى إسرائيل والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. وكما ذكر الخبر فإن الخط الجديد سوف يكون «أقصر وأسرع وأرخص وأكثر أمنا» لحركة التجارة بين الشرق والغرب أكثر من الطرق الحالية. الفكرة ليست جديدة كلية فقد سبقت مناقشتها خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضى فى إطار المشروعات البحثية التى كان يعدها فى ذلك الوقت مركز دراسات الوحدة العربية لكى يكون هناك ربط وظيفى بين الدول العربية. ولكن الفكرة برقت مرة أخرى شاملة إسرائيل فى إطار محور التعاون الاقتصادى فى المفاوضات متعددة الأطراف التى انعقدت فى أعقاب مؤتمر مدريد للسلام، وكذلك فى إطار القمم الاقتصادية التى انعقدت خلال تلك الفترة. عودة الفكرة لم تكن ممكنة إلا بعد المبادرتين الإماراتية والبحرينية للسلام مع إسرائيل والتى فتحت أبوابا لوضع الكثير من الأفكار القديمة فى أطر جديدة وقابلة للتنفيذ تتناسب مع بدايات العشرية الجديدة وتتجاوز محنة جائحة الفيروس التاجى فى دول المنطقة.

وفى الحقيقة أن مصر كانت مبادرة دائما، فبالإضافة إلى دورها التاريخى فى شن الحرب كلما كان ذلك لازما لتحرير الأرض كما حدث فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، فإنها سعت نحو السلام كلما كان ذلك متاحا، كما حدث فى مبادرة السلام المصرية فى نوفمبر ١٩٧٧ حتى جرى التوقيع على معاهدة السلام مع إسرائيل فى ١٩٧٩. أخذ السلام المصرى الإسرائيلى مسارا متعرجا بين الدفء والبرودة، حيث شكل الغزو الإسرائيلى للبنان فى ١٩٨٢ نهاية المرحلة الأولى الدافئة لكى تدخل فى فترة باردة لم يعيد لها الدفء إلا مؤتمر مدريد للسلام وما نتج عنه من توقيع اتفاقيات أوسلو وما بعدها من مفاوضات متعددة الأشكال. الانتفاضة الفلسطينية الثانية خلقت وضعا داميا فى المنطقة دفعت بالبرودة إلى عروق العلاقات العربية الإسرائيلية حتى جاء «الربيع العربى» المزعوم ومعه دخلت «القضية الفلسطينية» إلى ثلاجات منطقة باتت تعانى دولها من انفجارات داخلية شتى، فضلا عن الانفجارات التى قامت بها الدول الإقليمية خاصة إيران وتركيا معتمدة على القوى المسلحة الشيعية والإخوانية المحلية فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا. وبعد عشر سنوات من التيه فإن المنطقة بدأت تدخل تدريجيا فى مرحلة جديدة من التفكير الجديد والإصلاحات الداخلية العميقة. مصر من ناحيتها باتت رائدة فى هذا المجال، داخليا كان إعداد البنية الأساسية لمحور قناة السويس وسيناء بحيث تتيح للثقل السكانى والصناعى المصرى أن يعبر بالأنفاق والطرق والجسور إلى المشرق العربى كله.

وكان لقيام مصر بتخطيط الحدود البحرية وفقا لقانون الأمم المتحدة للبحار بينها وبين المملكة العربية السعودية فى البحر الأحمر، وبينها وبين قبرص ثم اليونان، وبعد ذلك ما تم من ذات الأمر فى الحدود البحرية بين اليونان وإيطاليا، إلى تغيير البيئة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية فى الشرق الأوسط. وساهمت هذه الاتفاقيات فى تشكيل مناطق اقتصادية خالصة للدول المعنية بات بعدها ممكنا الإعلان عن اكتشافات كبيرة للغاز الطبيعى لدى قبرص ومصر وإسرائيل وفلسطين ولبنان. وكان لمصر بين هذه الدول عدد من المزايا الخاصة حيث تمتعت بموقع جيوسياسى وجيواقتصادى مرموق نظرا لوجود قناة السويس، وخط السوميد من العين السخنة إلى الدخيلة الذى ينقل بترول الخليج من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض، ولسابق وجود خط أنابيب نقل الغاز فى شرق البحر المتوسط من مصر إلى إسرائيل والأردن، ولتبكيرها بإنشاء مصنعين لتسييل الغاز فى دمياط وإدكو، وقبل ذلك وبعده أنها تشكل أكبر سوق اقتصادية فى المنطقة لعدد سكانها الأكثر من ١٠٠ مليون نسمة، ولتواجد صناعات كبيرة فيها عالية الاستهلاك للطاقة.

التفكير المصرى الجديد لايزال مستمرا، فمن ناحية فإنه تبعا لمصادر فلسطينية فإن الجانب الفلسطينى بدأ يعد العدة من خرائط وخبرات للتفاوض مع مصر لتخطيط الحدود البحرية بين مصر وفلسطين فى البحر المتوسط. وفى نفس الوقت، وقبل أيام، عقدت مصر اتفاقا مع شركة «إينى» الإيطالية بصدد استخدام مصنع دمياط لتسييل الغاز الطبيعى خلال الربع الأول من العام المقبل ٢٠٢١ بحيث تمتلك الشركة نسبة ٥٠٪ من المصنع، وشركتين مصريتين للبترول والغاز الطبيعى نسبة ١٠٪ و٤٠٪ على التوالى من المصنع مع إعطاء الشركة الإيطالية رخصة تسييل الغاز. هذه الخطوة كما هو واضح تعزز ما بات واقعا ملموسا، وهو أن تشكل مصر مركزا إقليميا للطاقة، وفى نفس الوقت مركزا إقليميا للتعاون الاقتصادى الذى يثمر موارد كبيرة للتنمية المصرية فى الداخل. ما تقوم به مصر، وما يجرى فى أروقة المنطقة فرادى أو بالتعاون مع الاتحاد الأوروبى سوف يعطى فرصا هائلة لتسوية مشكلات ومعضلات كبرى، يقع فى مقدمتها القضية الفلسطينية. ومن يعلم فربما عدنا مرة أخرى إلى خطوط سكك حديدية مصر تخرج من وادى النيل عبر الإنفاق إلى سيناء، فشمالا حتى الحدود التركية وشرقا حتى بغداد أو تذهب جنوبا إلى مكة والمدينة. كانت هذه الخطوط موجودة فى الماضى وربما آن الأوان للحضور فى المستقبل.

شاهد أيضاً

بريطانيا: تغيّرت الحكومة وبقيت الأزمات

بقلم: جمعة بوكليب- الشرق الأوسطالشرق اليوم- الارتباك الذي ساد الحكومات البريطانية المحافظة منذ 2016، وهو …