بقلم: كورنيل بيلشر – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- فاز جيمي كارتر، وهو جنوبي، بنسبة 48 في المائة فقط من أصوات البيض في عام 1976. حتى باراك أوباما فاز بنسبة 43 في المائة
يمكن القول إن الخطة السياسية التي استخدمها ريتشارد نيكسون لفصل الناخبين البيض عن الحزب الديمقراطي عام 1968 قد انتهى مفعولها أخيراً، بعد أن ثبتت فاعليتها بشكل جيد لفترة طويلة.. أطول بكثير مما كان متوقعاً. لكن النتائج التي أفرزتها انتخابات كل من ولاية جورجيا وأريزونا هذا العام، كانت بمثابة إعلان وفاة لتلك الخطة.
يشير هامش الفوز الشعبي الذي أحرزه جو بايدن البالغ 6 ملايين صوت أو أكثر، إلى أن الجمهوريين سوف يخسرون شعبيتهم تدريجياً في المنافسات الرئاسية. فالنزعة العرقية التي حصر الحزب الجمهوري نشاطه من خلالها بشكل رئيسي، في مجموعة من الناخبين المتضررين عرقياً، هي انتحار سياسي بطيء. ومن المؤكد أن المستقبل سيكون ملكاً لأولئك الذين يعتنقون فكرة أمريكا المتنوعة، وليس لمن يرفضونها. ولتحقيق الفوز في المستقبل، سوف تجد الحملات السياسية نفسها مضطرة إلى الابتعاد عن النزعات العرقية الضيقة. وعند ذلك فقط سوف تحقق الولايات المتحدة الازدهار المفقود.
ناقوس الخطر هذا ليس جديداً بل هو يدق منذ وقت طويل. ففي عام 1964 وقع ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية، الذي يحظر التمييز على أساس العرق. كان التوقيع على القانون عملاً من أعمال الشجاعة السياسية والأخلاقية. لقد أدرك جونسون، وهو مواطن جنوبي مطلع جيداً على ضراوة العنصرية، أنه من خلال تبني حقوق الأمريكيين الأفارقة، سيعاني حزبه السياسي من عواقب طويلة الأمد. ويعتقد على نطاق واسع أن جونسون قال لمساعديه إن القانون الجديد قد يكلف الحزب خسارة أصوات ناخبيه في الجنوب لجيل كامل.
وإذا كانت تلك النبوءة صحيحة، فهي قاصرة أيضاً لأن الديمقراطيين لم يخسروا الجنوب منذ جيل واحد بل جيلين على أقل تقدير. لقد فشل الديمقراطيون في الاقتراب من الفوز بأغلبية الناخبين البيض في المنافسات الرئاسية على مدى العقود الخمسة منذ عام 1964.
وفاز جيمي كارتر، وهو جنوبي، بنسبة 48 في المائة فقط من أصوات البيض في عام 1976. حتى في سباق صنع التاريخ في عام 2008، فاز باراك أوباما بنسبة 43 في المائة فقط من أصوات البيض. وهذه نسب كافية للدلالة على عقم الاعتماد على قوة العرق في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، كنت أتوقع أن يكون أداء بايدن أفضل من 41٪ بين الناخبين البيض. كنت آمل أن تأتي جهود ترامب الحثيثة للتشجيع على مزيد من الانقسام العرقي بنتائج عكسية، لكنه بدلاً من ذلك حصل على أصوات من الناخبين البيض في عام 2020 أكثر من أي مرشح في التاريخ. وهذا يؤكد أن طرد أشباح الاستياء العنصري القديمة بسهولة غير ممكن في أمريكا. لكنهم يفقدون قوتهم تدريجياً وأمريكا لن تصبح أكثر بياضاً.
ووفقاً لتقديرات استطلاعات الرأي كان حوالي 77 في المائة من الناخبين في انتخابات عام 2004 من البيض، مقابل 67% في عام 2020. وفي عام 2024 أعتقد أن نسبة الناخبين البيض ستكون حوالي 65 أو 64 بالمائة. وهذا يكشف حجم التحدي الذي يواجه الجمهوريين. فمع كل دورة انتخابات، يجب أن يفوزوا بجزء أكبر من حصة متقلصة من الناخبين. قد يستنتجون أنه فقط من خلال تنشيط كل ناخب أبيض ساخط، يمكن للحزب الاحتفاظ بمقاعده في الكونجرس والهيئات التشريعية للولايات. مثل هذه الاستراتيجية ستجعل الحزب الجمهوري أكثر شراسة وأشد تطرفاً، لكن عائد ذلك سياسياً سوف يبقى في تراجع.
ومع ذلك، لا يزال دهاقنة السياسة في الحزب يتساءلون، هل يمكن للديمقراطيين أن يحققوا نتائج أفضل بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة؟ الحقيقة التي يود هؤلاء التركيز عليها هي أن الجمهوريين لن يفوزوا أبداً في انتخابات وطنية أخرى ما لم يكن أداؤهم أفضل بين الناخبين الملونين. لم يعد فقدان الناخبين الملونين بفارق 45 نقطة يجدي في رسم استراتيجية انتخابات مستدامة. وربما يكون أولئك الذين يتطلعون لخوض انتخابات 2024 قد تعلموا الدرس جيداً من هذه الانتخابات. لكن استنتاجهم يخلص إلى القناعة بأنهم اقتربوا أكثر من الهدف وسوف يحاول المتميز منهم تدارك أخطاء دونالد ترامب ويحمله مسؤولية الفشل بسبب استراتيجيته العرقية.
من هنا يبدو أن «الاستراتيجية الجنوبية» رغم فشلها في إيصال المرشحين إلى البيت الأبيض، سوف يعاد إحياؤها من جديد مع تغيير الاسم أو العنوان، وستكون نفس الاستراتيجية البيضاء. وبما أنها سوف تفشل في المستقبل أيضاً، فلا بد أن يكرروا نفس الادعاءات بأن الانتخابات سرقت أو تم تزويرها.