BY: Ben Caspit
الشرق اليوم- يفترض الإيرانيون والأميركيون وبقية دول العالم اليوم أن الموساد الإسرائيلي يقف وراء عملية الاغتيال الجريئة التي استهدفت العالِم النووي الإيراني، محسن فخري زادة، في قلب إيران، لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن ذلك الاعتداء رسمياً، لكن لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يمنع نفسه من الاعتراف ضمناً بمسؤولية إسرائيل عبر نشر مقطع فيديو بعد وقتٍ قصير على انتشار خبر الاغتيال.
تتفوق إسرائيل من حيث التكتيكات والعمليات في حربها السرية مع إيران، ويُعتبر هذا التفوق الإسرائيلي حاسماً، فقد كانت الضربات التي استهدفت إيران في السنوات الأخيرة متعددة ومؤلمة، لكن يضع النظام الإيراني خططه على المدى الطويل ويعتبر الأحداث الراهنة مجرّد ضجة عابرة. في المقابل، تشعر إسرائيل بثقة عالية بالنفس وحماسة شديدة وتبدو مستعدة لإحراق المنطقة خدمةً لمصالحها.
تشكّل العملية المنسوبة إلى إسرائيل رداً على واحدة من أكثر المسائل الشائكة في العصر الحديث وتثبت أن نتنياهو لا ينوي تبنّي رؤية براغماتية في تعامله مع إدارة جو بايدن في هذا الملف، بل إنه يخطط على ما يبدو للاعتراض على القرارات التي لا تعجبه وإطلاق خط مؤيد لاستعمال القوة وتشكيل تحالف إسرائيلي سُنّي عدائي لمنع بايدن من تكرار أخطاء سلفه الديمقراطي، ولن يحني نتنياهو رأسه إذاً في أول لقاء له في البيت الأبيض مع الرئيس الأميركي الجديد، بل إنه سيذهب إليه وهو مستعد للقتال لفرض رأيه.
هذه التطورات الأخيرة تعيدنا إلى الأحداث التي شهدتها ثلاثة مواسم صيفية متلاحقة بين العامَين 2010 و2013، حين فكرت إسرائيل بضرب البنى التحتية الإيرانية خلال عهد أوباما. في تلك الفترة، أيّد نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، هذه الخطوة، في حين طالب وزراء آخرون ورؤساء الوكالات الأمنية بنيل موافقة الولايات المتحدة على العملية أو أي شكل ناشط من التورط فيها. تناقش نتنياهو وباراك حينها حول أفكار مثيرة للاهتمام، أبرزها احتمال أن تجرّ أي ضربة إسرائيلية الأميركيين إلى الصراع رغماً عنهم. في مرحلة معينة، أقنع أحدهم نتنياهو بإمكانية حصول هذا السيناريو، لكن حين سافر رئيس الموساد السابق يوسي داغان إلى واشنطن وقابل نظراءه هناك، عاد خائباً لدرجة أن يتخلى عن فرضيته.
أصبح هذا الموضوع نفسه قيد النقاش مجدداً اليوم، فدونالد ترامب لا يشبه أوباما، بل يمكن اعتباره أكثر زعيم يصعب توقّع تصرفاته في العالم، حتى 20 يناير المقبل طبعاً، ففي المرحلة السابقة، حلّقت قاذفة قنابل أميركية من طراز «بي- 52» فوق إسرائيل باتجاه الشرق، وشقّت حاملة طائرات أميركية أخرى طريقها شرقاً، وتكررت الاجتماعات في المنطقة مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وشخصيات بارزة أخرى في إدارة ترامب، مما أدى إلى ظهور سلسلة من نظريات المؤامرة القوية وتوتر العلاقات بين الخليج العربي والبحر الأحمر في الاتجاهَين.
في النهاية، يبدو رهان نتنياهو معقداً، فقد يقرر مثلاً أخذ أكبر المجازفات وزيادة المخاطر المطروحة في الوقت الراهن حتى لو كانت هذه المقاربة تعني اضطراب علاقته مع الرئيس الأميركي المُنتخب جو بايدن منذ البداية أو خوض مواجهة محتملة مع الإدارة الأميركية المقبلة قبل استلامها السلطة. كان نتنياهو القديم الذي يعرفه العالم مسؤولاً حذراً ومتحفظاً ويتردد في خوض المغامرات، وكان يعرف مكانته في التسلسل الهرمي وميزان القوى مقارنةً بالجهات العالمية النافذة الأخرى، لكنّ نتنياهو في عام 2020 مختلف بالكامل، فهو شخص صدامي وواثق بنفسه ومستعد للقتال وأخذ المجازفات. في المقابل تبدو إيران أكثر هدوءاً، في الوقت الراهن على الأقل، فهي تريد اكتشاف نوايا جو بايدن الحقيقية قبل التحرك.
ترجمة: صحيفة الجريدة