الشرق اليوم- في الشمال الغربي لسوريا يحكم مشهد محافظة إدلب تحركان في الوقت الحالي، الأول هو ما تفرضه الطائرات الحربية الروسية من قصف عشوائي لا يفرق بين منطقة آهلة بالسكان وغيرها، أما الثاني هو التحرك الذي تخط تفاصيله عربات الجيش التركي في أثناء مرورها على طرقات إدلب من شرقها إلى جنوبها، في إطار عملية سحب نقاط المراقبة البالغ عددها 14 والواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد.
عملية سحب نقاط المراقبة من جانب الجيش التركي، كانت قد بدأت منذ مطلع أكتوبر الماضي في خطوة مفاجئة ولم يصدر عنها أي تعليق رسمي من جانب أنقرة، والتي ماتزال في طور الانسحاب من مناطق سيطرة نظام الأسد حتى الآن، مسجلة بذلك تفكيك 6 نقاط مراقبة من أصل 14، حسب ما قال مصدر مطلع من إدلب في تصريحات لـ “موقع الحرة”.
ويضيف المصدر أنه وحتى نهاية الشهر الماضي فكك الجيش التركي ثلاث نقاط مراقبة: الأولى مورك في ريف حماة، وتبعتها نقطتا معر حطاط شرقي إدلب وشير المغار في الريف الغربي.
ومع قرب انتهاء نوفمبر الحالي، يضيف المصدر أن الجيش التركي شرع ومنذ أيام في تفكيك نقاط المراقبة المحيطة لمدينة سراقب “الاستراتيجية”، الواقعة على الطريق الدولي دمشق- حلب، بينما يعمل على الضفة المقابلة على تفكيك نقطة المراقبة الواقعة في منطقة الراشدين غربي حلب، وأخرى تقع في شمالها في ريف حلب الغربي أيضا في منطقة عندان.
ما سبق ومع غياب أي تعليق رسمي من أنقرة حوله كان قد طرح في الأيام الماضية عدة تساؤلات تمحورت جميعها حول الأسباب التي دقعت أنقرة للإقدام على هذه الخطوة، وعما إذا كانت قط انطلقت لتنفيذها من زاوية استراتيجية، بعيدا عن أي ضغوط قد تكون مفروضة من جانب موسكو.
راقبت إطلاق النار ولم توقفه
منذ تثبيتها في عام 2017 بموجب تفاهمات “أستانة” السورية لم تتمكن نقاط المراقبة التركية من إيقاف تقدم قوات الأسد والقوات الروسية على حساب فصائل المعارضة، وتمثل دورها بالطرف المراقب، ولاسيما أن تثبت تحت مسمى “نقاط مراقبة”، أي أن المهام المنوطة بها بعيدة عن المواجهات العسكرية والدخول في أية اشتباكات.
وعلى التوالي وبشكل تدريجي وضمن فترات زمنية متفرقة فقد تمكنت قوات الأسد بدعم من روسيا من قضم مناطق سيطرة فصائل المعارضة واحدة تلو الأخرى، على مدار العامين الماضيين، وصولا إلى مطلع العام الحالي، ليترافق القضم مع عمليات محاصرة لجميع نقاط المراقبة، التي تأسست أولا بـ 12 وعززتها أنقرة فيما بعد لتصل إلى 14.
الباحث في مركز “جسور للدراسات”، وائل علوان يرى أن نقاط المراقبة التركية الـ 14 الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد هي “محل سحب بشكل كامل وبشكل تدريجي”.
ويقول علوان المقيم في إسطنبول في تصريحات لـ “موقع الحرة”: “النقاط المذكورة موضوعة على طاولة المفاوضات، بحيث تستطيع تركيا بتقديم هذه الورقة أن تضمن استمرار اتفاق موسكو الموقع في مارس 2020، بحيث لا يكون هناك أي إخلال في منطقة جبل الزاوية في الريف الجنوبي”.
“عدم الإخلال” الذي تريد أن تطبقه أنقرة في منطقة جبل الزاوية يرتبط بالتعزيزات وعمليات الحشد التي تعمل عليها، منذ أسابيع، بالتوازي مع سحب نقاط المراقبة الواقعة في مناطق سيطرة نظام الأسد.
وحسب ما وصل “موقع الحرة” من معلومات فقد أقدم الجيش التركي في الأيام السبعة الماضية على تثبيت ثلاث نقاط عسكرية جديدة في منطقة جبل الزاوية، أبرزها في منطقة بليون، بينما تتواصل تعزيزاته العسكرية إلى الريف الجنوبي لإدلب، وخاصة في المنطقة الواقعة جنوب الأوتوستراد الدولي حلب- اللاذقية (m4).
ولا تقتصر التعزيزات التركية التي تصل إلى جبل الزاوية من نقاط المراقبة المنسحبة فقط، بل يواصل الجيش التركي أيضا إدخال التعزيزات من أراضيه، عبر معبر كفرلوسين الحدودي.
ورقة تفاوض
ما يشهده الميدان في إدلب من سحب للنقاط وتعزيز في مواقع أخرى في الريف الجنوبي، يقابله تصعيد بالقصف من جانب الطائرات الحربية الروسية وأخرى تابعة لقوات الأسد، وتتركز الاستهدافات في محيط الحشود العسكرية التركية في منطقة جبل الزاوية، وانسحبت في اليومين الماضيين إلى الريف الشمالي للاذقية، في جبال منطقة الكبيبة.
لا يوجد تفسير حتى الآن عن أسباب التصعيد الروسي، والذي يعزوه مراقبون إلى رسائل تحاول موسكو إيصالها إلى أنقرة، بأنها غاضبة من عدم التزام الأخيرة بتنفيذ بنود اتفاق “سوتشي” الأخيرة، على رأسها إبعاد “الجماعات الراديكالية” من محيط “m4″، تحضيرا لفتحه أمام حركة التجارة والمسافرين.
وبوجهة نظر الباحث السوري، وائل علوان فإن المؤشرات الحالية تقود إلى أنه لا توجد أي حملة عسكرية في إدلب، أو أي تغيير في اتفاق موسكو الأخير، الموقع بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين.
ويرى علوان أن نقاط المراقبة الـ 14 التي يجري سحبها الآن هي “محل تفاوض” وتعتبر “أوراق على طاولة المفاوضات الروسية- التركية”، مشيرا إلى أن الجانب التركي لم يقدم على هذه الخطوة دون مقابل.
والمقابل الذي يريده الجانب التركي غير معروض على الملأ، لكن علوان ربطه خلال حديثه بملف منطقة منبج في ريف حلب الشرقي، وملف مناطق شرق الفرات بالإضافة إلى ملفات خارج حدود سوريا، وتعتبر أنقرة لاعبا أساسيا فيها.
ويوضح الباحث السوري أن تركيا تريد أن يكون هناك اتفاقا ثابتا ومستداما يضمن عدم شن أي عملية عسكرية في إدلب، وفي المقابل تحاول إبعاد التهديدات على طول حدودها الجنوبية مع سوريا، لذلك تحاول إيجاد صيغة جديدة قد تكون معدلة لاتفاق “أضنة”، وخاصة البند المتعلق بعمق المنطقة الآمنة.
استراتيجية “النفس الطويل
منذ الدخول الأول لسوريا في عام 2016 في أثناء عملية “درع الفرات” تحرك الأتراك ضمن استراتيجية محددة وصفها محللون بـ “استراتيجية النفس الطويل”، وكانت قد طبقت بعد التوقيت المذكور في كل من إدلب وعملية “غصن الزيتون” في عفرين، والعام الماضي على الحدود ضمن عملية “نبع السلام”.
الاستراتيجية المذكورة لا تنحصر في الواقع الميداني على الأرض فقط، بل كانت أيضا ضمن الشق السياسي الخاص بالملف السوري، والذي تحاول أنقرة أن تكون طرفا أساسيا فيه، في حال اتجهت الأمور والتحركات إلى حل سياسي ما.
وتعمل تركيا في سياستها في الشمال السوري على جانبين، حسب ما يقول الباحث علوان، الأول هو الجانب الأمني، إذ تخشى أنقرة من “الخلل الأمني” على حدودها، والذي يتعلق بـ”وحدات حماية الشعب” (الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني).
أما الجانب الثاني الذي تسير فيه أنقرة فهو الجانب السياسي، ويقول علوان: “تريد تركيا في إبقائها على درع الفرات وإدلب أن تكون جزءا من الحل السياسي”.
ويضيف: “بقاء تركيا في مناطق المعارضة بالنسبة لتركيا، هو بقاءها على طاولة الحل السياسي في القضية السورية”، موضحا أن أنقرة تتطلع إلى حل سياسي من شأنه أن ينتج نظاما قادرا على ضمان استقرار المنطقة ولا يشكل تهديدا لدول الجوار، وهذا ما تتشارك فيه تركيا مع الولايات المتحدة الأميركية، حسب الباحث السوري.
المصدر: الحرة