بقلم: عاطف الغمري – الخليج الإماراتية
الشرق اليوم – إلى أي اتجاه في مجالات السياسة الخارجية، تنجذب اهتمامات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن؟
المقربون منه يرون أن بايدن يدرك أن العالم قد تغير – على الأقل – خلال السنوات الأربع الأخيرة، وأن التغيير شمل أربع مناطق هى: الصين، روسيا، العلاقة مع الحلفاء، والشرق الأوسط.
ومادام الشرق الأوسط قضيتنا الأساسية، وشاغلنا الدائم، فإنني سعيت لقراءة مؤشرات عن توجهات بايدن المحتملة فى منطقتنا.
بعض معاوني بايدن تحدثوا عن إحداث تغييرات في السياسة التي اتبعها الرئيس دونالد ترامب بشأن بعض قضايا المنطقة، منها التواصل مع الفلسطينيين، والذي قطعه ترامب، وإعادة فتح قنصلية أمريكا في القدس الشرقية، كما سيعيد تقديم المساعدات المالية للفلسطينيين.
براون سيكون أحد مستشاري بايدن للسياسة الخارجية يقول: «صحيح أن بايدن مؤيد بقوة لإسرائيل، لكنه يؤمن بحل الدولتين طريقاً لتسوية النزاع في المنطقة».
هناك بالطبع عدم توقع إجراء بايدن أي تغيير في قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لكنّ هناك شيئاً آخر لعل المتابعين لهذا الموضوع لم يتطرقوا إليه بما فيه الكفاية، وهو أن قرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان قد نوقش في مجلس الشيوخ، بناء على مشروع قانون مقدم من رئيس الأغلبية الجمهورية بالمجلس وتمت الموافقة عليه، وصدر كقانون من مجلس الشيوخ، والذي حدث ومنع تنفيذه طوال السنوات السابقة، إن الرئيس بيل كلينتون استخدم حقاً دستورياً يمنحه حق إيقاف تنفيذ القانون، وفق القاعدة المعروفة باسم «تعليق» القانون، أي تجميده مؤقتاً. وعندما جاء من بعده رؤساء آخرون، فإنهم التزموا بقاعدة التعليق، إلى أن خرج ترامب على ما أخذ به سابقوه، وعلى ذلك فإن من الصعوبة على بايدن الخروج عما فعله ترامب، لأن الأخير طبق قانوناً سبق صدوره من الكونجرس، وليس مجرد إجراء سياسي.
لكن يبقى التساؤل عن قاعدة أساسية كانت الإدارات الأمريكية قد ألزمت نفسها بها، وهي أن تقرير وضع القدس، لا يتقرر من جانب واحد، بل من خلال مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين، وهذه القاعدة جزء أساسي ومكمل لما أعلنته الولايات المتحدة عن نفسها، باعتبارها «الوسيط النزيه» في هذه المفاوضات، أي الوسيط الذي لا ينحاز إلى طرف دون الآخر، والذي يراعي القاعدة الملزمة للجانب الأمريكي، والتي طالما أقر بها رؤساء أمريكيون سابقون.
وهنا يكون السؤال: هل الرؤساء الجدد ملتزمون بهذه القاعدة؟.
يمكن أن يقال إن حجم المشاكل الداخلية وخاصة البحث عن الوسائل الناجحة في حل مشكلة وباء كورونا، بخلاف عدد من المشاكل الداخلية شديدة الأهمية، يمكن أن يقلص من حجم اهتمام بايدن بدرجة أو أخرى، لكن رؤية مؤسسات السياسة الخارجية هناك المستخلصة من متابعة تداعيات السياسة الأمريكية فى السنوات الماضية، قد رصدت نتائج لها، ليست بالضرورة أن تكون جميعها من صنع المنطقة وظروفها الداخلية، وهي النتائج التي صدرت في بحوث، ودراسات موثقة في الولايات المتحدة، وأقرت بأنها نتيجة تدخلات خارجية، مثل خطط الفوضى الخلاقة، وتغيير الأنظمة، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، والتي وصلت إلى حد إشعال حروب أهلية، وهناك أيضاً ما نشر عن ضلوع وكالات مخابرات أجنبية في صنع منظمات إرهابية، أو الاستعانة ببعضها في خلخلة الأوضاع المستقرة في بعض دول المنطقة، مثل سوريا، وليبيا، والعراق، واليمن. ثم فوجئ من أوجدوا هذا الخلل أن الإرهاب لم ينحصر وجوده إقليمياً كما تصوروا، لكنه تمدد إلى أراضي صانعيه في الغرب، وهو ما لم يتوقعوه.
يبقى فيما يتعلق بالشرق الأوسط، مغزى تصويت 74% من اليهود الأمريكيين لبايدن، وهناك جانبان يتصلان بذلك، أولهما أن ترامب لم يكن يعتمد في جذب أصوات اليهود، على قوة الضغط اليهودية «الإيباك»، لكنه حصل من البداية على وعود مؤكدة مما يسمى بائتلاف المسيحية الصهيونية، والذين لديهم 20% من إجمالي أصوات الناخبين في الولايات المتحدة. ثم إن الذين حضروا يوم افتتاح نتنياهو للسفارة الأمريكية في القدس هم من قادة المسيحية الصهيونية، وليسوا من قيادات اللوبي اليهودي، يضاف إلى ذلك ما هو معروف عن إن اليهود الأمريكيين أكثر ارتباطاً تاريخياً بالحزب الديمقراطي.
أما الجانب الثاني فيتعلق بالمغالاة من جانب ترامب في إعطاء إسرائيل كل ما تريد على حساب الفلسطينيين في القدس والضفة، والسوريين في الجولان. وهناك قطاعات يتزايد أعدادها الآن من اليهود الأمريكيين لهم موقف معلن رافض لذلك، ليس انحيازاً للفلسطينيين، بل خوفاً على سكان إسرائيل أنفسهم، من أن تؤدي سياسة نتنياهو إلى خلق الاحتقان في المنطقة، وانتشار التوترات التي لن تكون في صالح الإسرائيليين – على حد قولهم – وإن تحقيق أمن إسرائيل يأتي من التوازن في السياسة الأمريكية، والعمل على إيجاد حل الدولتين.