بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الشرق اليوم- هناك وقت ضائع بين هزيمة دونالد ترامب بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الثالث من تشرين الثاني – نوفمبر الجاري ودخول الفائز جو بايدن إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل. الثابت، استنادا إلى تطوّر الأحداث، وجود ثلاثة أطراف إقليمية تلعب في الوقت الضائع وتعمل على فرض أمر واقع على الأرض في انتظار بدء الإدارة الجديدة ممارسة مهمّاتها.
الأطراف الثلاثة هي إيران وإسرائيل وتركيا. يعتبر الطرفان الإيراني والإسرائيلي سوريا “ساحة” يتقاتلان فيها. إيران موجودة في سوريا مباشرة أو عبر أدوات لها. هذا ليس سرّا على الرغم من نفيها لوجود قوات لها في سوريا. تؤكّد طهران على أن هذا الوجود يقتصر على “خبراء”. هذا أمر يصعب تصديقه، خصوصا أنّه سبق لإسرائيل أن اغتالت ضباطا إيرانيين في سوريا. وقد نعت الجهات المسؤولة في “الجمهورية الإسلامية” هؤلاء علنا.
تلعب إيران أيضا خارج “الساحة” السورية، وهي تريد أن تثبت للإدارة الأميركية الجديدة أنّ لديها أوراقا إقليمية كثيرة ومتنوّعة وذات قيمة في أيّ مفاوضات مقبلة معها.
من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى تأكيد أنّ ليس في استطاعتها القبول بوجود إيراني في الجنوب السوري. بكلام أوضح، لا يمكن أن تسمح بأن تكون هناك قواعد إيرانية قريبة من خط وقف النار في الجولان. إضافة إلى ذلك، هناك وعي إسرائيلي لوجود تهريب أسلحة من إيران إلى سوريا عبر العراق. وهذا ما يفسّر الغارات المستمرّة على مواقع عند معبر البوكمال بين سوريا والعراق وفي منطقة أقامت فيها الميليشيات الإيرانية قواعد. ولكن يبقى الجنوب السوري المنطقة الأهمّ بالنسبة إلى إسرائيل التي بدأت تعلن، خلافا لما كان يحدث في الماضي، مسؤوليتها عن الضربات التي توجهّها إلى إيران في محيط دمشق ومطارها وفي المناطق السورية الأخرى المحاذية للجولان.
يمكن اعتبار إعلان إسرائيل عن مسؤوليتها تطورا في غاية الأهمّية نظرا إلى أنه يعكس وجود سياسة مكشوفة تقوم على فكرة أنّها لن تسمح بأيّ تهديد لها مصدره الأراضي السورية. مثل هذه السياسة الإسرائيلية مرشّحة لأن تنسحب على لبنان في مرحلة لاحقة وذلك في حال لم يقتنع “حزب الله” أن صواريخه الإيرانية يجب أن تفكّك بطريقة أو بأخرى، خصوصا في حال التوصل إلى اتفاق ما بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود بينهما. ليس سرّا أن المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية، التي تعثّرت أخيرا، ما كانت لتبدأ لولا ضوء أخضر إيراني ولولا وجود أجندة إيرانية تصبّ في خدمة أهداف لا علاقة للبنان بها من قريب أو من بعيد.
ليس معروفا إلى أيّ حدّ يمكن أن تذهب إسرائيل في تأكيد أنّها لا يمكن أن تقبل بالوجود العسكري الإيراني في الجنوب السوري. ما يبدو أكيدا أنّها ستستفيد إلى أبعد حدود من وجود إدارة دونالد ترامب حتّى العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل ومن الغطاء الذي تبدو مستعدة لتقديمه لها بغض النظر عمّا تقوم به. هناك شيك على بياض وفرته إدارة ترامب لإسرائيل ولبنيامين نتنياهو بالذات. الدليل على ذلك الزيارة الأخيرة التي قام بها مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي للدولة العبرية، وشملت جولة له في مستوطنة في الضفّة الغربيّة المحتلة وأخرى في الجولان السوري الذي تسيطر عليه إسرائيل منذ العام 1967…
ليس سرّا أن المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية التي تعثّرت أخيرا ما كانت لتبدأ لولا ضوء أخضر إيراني ولولا وجود أجندة إيرانية تصبّ في خدمة أهداف لا علاقة للبنان بها من قريب أو من بعيد
بالنسبة إلى إيران، التي تعتقد أنّ إسرائيل قد تنجح، بتواطؤ روسي، في إخراجها من الجنوب السوري، فمن الواضح أنّها تسعى إلى إيجاد ما تعوّض به عن هذا الوجود. هذا ما يفسّر إلى حدّ كبير الضغوط التي تمارسها عبر ميليشياتها المذهبية على حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، خصوصا بعدما سعى الأخير إلى إيجاد توازنات في العلاقات التي تقيمها بغداد مع العواصم الأخرى، بما في ذلك الرياض.
هذا ما يفسّر أيضا العرقلة الإيرانية لتشكيل حكومة لبنانية، وهي عرقلة يستخدم فيها “حزب الله”، أفضل استخدام، حزبا مسيحيا هو “التيّار الوطني الحر”، الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية جبران باسيل. أمّا المكان الذي يظهر فيه بوضوح الجهد الإيراني لفرض أمر واقع، فإنّ هذا المكان هو اليمن.
يوما بعد يوم يزداد الرهان الإيراني على الإمارة الحوثية في اليمن التي عاصمتها صنعاء. لم يتردّد الحوثيون قبل أيّام قليلة في إطلاق صاروخ في اتجاه منشأة لشركة “أرامكو” السعودية في منطقة جدّة. مثل هذا الهجوم الوقح ذو مغزى مهمّ، نظرا إلى أنّه يكشف إلى أي مدى باتت السيطرة الحوثية قويّة على جزء من اليمن. هذا الجزء ذو حدود طويلة مع المملكة العربيّة السعودية.
هل رسالة الصاروخ الحوثي في اتجاه جدّة رسالة إلى المملكة أم أنّه في واقع الحال رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة ذات المواقف الملتبسة حيال ما يجري في اليمن؟
تبقى تركيا الطرف الثالث الذي يحاول فرض أمر واقع في هذه المرحلة الحساسة التي تسبق انتقال جو بايدن إلى البيت الأبيض. تفعل ذلك في ظلّ مخاوف من سياسات الرئيس الأميركي الجديد الذي لا يمكن اعتباره من المعجبين برجب طيّب أردوغان. تحاول تركيا هذه الأيّام تكريس وجودها في الشمال السوري عن طريق إقامة شريط عازل في عمق الأراضي السورية. يقلق تركيا، على وجه الخصوص، أي تحول أميركي في اتجاه تقديم المزيد من الدعم إلى الأكراد السوريين.
لن تكون الإدارة الجديدة في واشنطن بعيدة عن الأكراد بشكل عام، بما في ذلك أكراد العراق وأكراد تركيا أيضا. معروف جيدا أن جو بايدن من بين المؤيدين لصيغة فيدرالية أكثر وضوحا في العراق. يعتقد أن ذلك يمكن المساعدة في إيجاد نوع من الاستقرار في البلد بعد سنوات طويلة من التجاذبات الداخلية.
أيّ من الأطراف الثلاثة سينجح في فرض ما يريده؟ بغض النظر عن نتيجة الجهود الإيرانية والإسرائيلية والتركية وحسابات كل طرف من الثلاثة، ستفرض منطقة الشرق الأوسط والخليج نفسها على الإدارة الأميركية الجديدة. ستفرض نفسها على الرغم من أن تركيزها سيكون أوّلا على الوضع الداخلي الأميركي من جهة وعلى كيفية التعاطي مع الطموحات الصينية وترميم العلاقات مع أوروبا من جهة أخرى…