الرئيسية / مقالات رأي / بدايات متواضعة لمقاومة “جمهورية لترامب”

بدايات متواضعة لمقاومة “جمهورية لترامب”

بقلم: هشام ملحم – الحرة

الشرق اليوم- يتعرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لنكسات شبه يومية في محاكم لجأ إليها في عدد من الولايات التي خسرها في الانتخابات، وطالبها بتعطيل أو نقض النتائج، مدعيا وجود عمليات تزوير خلال الاقتراع أو فرز الأصوات. 

ولكن اعتماده هو وحملته على نظريات المؤامرة و/أو اتهامات غريبة مثل القول إن فرز أصوات الناخبين في ولاية ميتشغان “يتم في ألمانيا من خلال شركة فنزويلية يملكها حلفاء لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو وسلفه هيوغو شافيز” الذي توفي في 2013، جعل هذه الدعاوى موضع انتقادات لاذعة وتأنيب محرج من القضاة والحقوقيين. 

وعلى الرغم من رفض المحاكم لعشرات الدعاوى والطعون التي لا تدعمها الأدلة، لا يزال ترامب وفريقه القانوني، الذي يتقلص عدده باستمرار، يصرون على المضي على هذا الطريق المسدود. ولكن ما يجعل جهود ترامب وفريقه خطيرة هو أنها، إضافة إلى انها تشكك بجوهر صدقية قوانين الانتخابات الأميركية ونزاهتها، قد نجحت، حتى الآن على الأقل، في وقوف معظم قادة الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، ومعظم الحكام الجمهوريين وراء محاولات الرئيس ترامب لتحدي نتائج الانتخابات في المحاكم، ورفضه التعاون مع الرئيس المنتخب جو بايدن، خلال المرحلة الانتقالية الحساسة.

ويوم السبت مني ترامب وحملته بنكسة قضائية كبيرة حين رفض قاض فدرالي في ولاية بنسلفانيا طلب حملة ترامب عدم التصديق على نتائج الانتخابات في الولاية التي فاز بها المرشح الديمقراطي بايدن. وتضمن قرار القاضي الذي جاء في 37 صفحة نقدا لاذعا للحملة “التي استخدمت حججا قانونية مختلقة ودون أساس واتهامات تخمينية”. 

وقال القاضي، ماثيو بران، “في الولايات المتحدة هذه (الحجج) لا يمكن أن تبرر إلغاء صوت ناخب واحد، فكيف يمكن الادعاء بأنها كافية لإلغاء أصوات الناخبين في سادس أكبر ولاية” في البلاد. وأظهر الفرز النهائي للأصوات في بنسلفانيا أن بايدن تفوق على ترامب بأكثر من 81 ألف صوت. وسوف تصدق الولاية رسميا على هذه النتائج، اليوم الاثنين. 

وعلى الرغم من أن الرأي السائد في الأوساط الحقوقية والسياسية هو أن هذه المحاولات العبثية من المستحيل أن تغير أو تقلب نتائج الانتخابات، فإن ترامب، الذي لا يزال يحظى بدعم عدد كبير من المشرعين الجمهوريين، يريد مواصلة هذه التحديات في محاولة يائسة لإيصالها إلى المحكمة العليا، حيث يعتقد أن الأغلبية المحافظة فيها سوف تحكم لصالحه، وهو أمر مستبعد أيضا. 

ويرى العديد من المحللين السياسيين والمسؤولين في حملة الرئيس المنتخب، أن ترامب يدرك استحالة سرقة الرئاسة من بايدن، إلا أنه يريد إطالة فترة انعدام اليقين خلال الفترة الانتقالية الهامة، لإضعاف الرئيس المنتخب حتى قبل دخوله إلى البيت الابيض. ولا يزال ترامب يرفض السماح للأجهزة الحكومية التنسيق مع فريق الرئيس المنتخب، ما يعني حرمان بايدن وفريقه من الحصول على المعلومات الضرورية والقيمة، لكي يبدأ مهمته الرئاسية بطريقة فعالة فور إدلائه بقسم اليمين ظهر العشرين من يناير المقبل. وهذا يعني عمليا حرمان الرئيس الجديد وفريقه من الاطلاع على قضايا عديدة، مثل ما تخطط له الأجهزة المسؤولة عن تلقيح ملايين الأميركيين ضد فيروس كورونا، أو آخر التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد وخاصة في مناطق النزاعات العسكرية مثل أفغانستان والعراق، وآخر مستجدات العلاقات الاقتصادية والسياسية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين.

ما يفعله الرئيس ترامب في هذا المجال غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الأميركية، وهذا يسرى على الرؤساء العشرة الأميركيين الذين أخفقوا في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. جميع هؤلاء الرؤساء تعاونوا مع المرشحين الذين هزموهم خلال الفترة الانتقالية. 

ترامب يحاول إساءة استخدام القضاء الأميركي، واللجوء إلى أساليب الترهيب والترغيب للضغط على المسؤولين الجمهوريين المحليين في الولايات التي لم يفز بها، للالتفاف على قوانين هذه الولايات ورفض إرادة الناخبين فيها. هذه الأساليب شملت الاتصال شخصيا بهؤلاء المسؤولين واستدعاء بعضهم إلى البيت الأبيض للضغط المباشر عليهم لتعديل أو نقض نتائج الانتخابات. 

وهذا ما فعله يوم الجمعة، حين استدعى مسؤولين جمهوريين من ولاية ميتشغان من بين أعضاء الفريق الذي سيصدق على نتائج الانتخابات إلى البيت الأبيض. ولكن المسؤولين أصدرا بيانا بعد اجتماعهما بالرئيس ترامب أكدا فيه أنهما لا يعلمان بأي انتهاكات يمكن أن تغير من نتائج الانتخابات، وأنهما سوف يلتزمان بقوانين الولاية، ما يعني أن جهود ترامب لتقويض انتخابات ميتشغان وصلت إلى طريق مسدود. وكان المسؤول (الجمهوري) عن إدارة الانتخابات والتصديق عليها في ولاية جورجيا قد تعرض لضغوط كبيرة من قادة الحزب في الولاية لكي لا يصدق على النتائج التي لم تكن لصالح الرئيس ترامب، ولكنه رفض هذه الضغوط وانتقدها علنا، كما ندد بتهديدات القتل التي وصلته.

وفور صدور قرار القاضي الفدرالي بدحض دعوى حملة ترامب في بنسلفانيا، أصدر السناتور الجمهوري عن تلك الولاية، بات تومي، بيانا جاء فيه أن ترامب “قد استنزف كل خياراته القانونية لتحدي نتائج الانتخابات في بنسلفانيا”. وبعدها هنأ السناتور تومي الرئيس المنتخب بايدن ونائبته كمالا هاريس على فوزهما، وأثنى على سجلهما في الخدمة العامة. وختم تومي بيانه بالقول “على الرئيس ترامب أن يقبل بنتائج الانتخابات، وأن يسهل عملية الانتقال الرئاسي”.

دعم معظم القادة الجمهوريين لتحديات ترامب القانونية، تظهر مدى السيطرة الكبيرة التي فرضها ترامب على الحزب الجمهوري خلال السنوات الماضية، كما تعكس خوف العديد من المشرعين الجمهوريين من تحدي أو انتقاد ترامب علنا، لأن ذلك سيعرضهم لردود فعله الانتقامية، مثل التجريح بهم عبر شبكة تويتر أو دعم منافس جمهوري ضدهم في الانتخابات الحزبية.

وحتى الآن هنأ خمسة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الرئيس المنتخب بايدن على فوزه، ويعتبر السناتور مت رومني (ولاية يوتاِ) من أبرزهم وأكثرهم شجاعة في انتقاد جهود ترامب لتقويض الديموقراطية الأميركية. ويوم الخميس الماضي أصدر رومني بيانا شجب فيه محاولات ترامب للتلاعب بنتائج الانتخابات جاء فيه ” من الصعب تخيل أسوأ خطوة، وأقلها ديمقراطية يتخذها رئيس أميركي، لفرض ضغوط علنية على المسؤولين المحليين في الولايات لتقويض إرادة الشعب”. وخلال الأسبوعين الماضيين، رفض عدد من المسؤولين الجمهوريين في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وميتشغان وجورجيا الخضوع لضغوط حملة الرئيس ترامب أو أنصاره لتأخير الإعلان عن نتائج الانتخابات أو رفض التصديق عليها، الأمر الذي عرضهم لانتقادات من جمهوريين آخرين، وحتى إلى تهديدات باستخدام العنف ضدهم. 

حتى الآن لا يزال هؤلاء يشكلون أقلية في الحزب الجمهوري، ولكن مع اقتراب الولايات القليلة التي فاز بها الرئيس المنتخب بايدن مثل بنسلفانيا وميتشغان وأريزونا من التصديق الرسمي على نتائج الانتخابات، سوف تتبخر فرص ترامب في تحدي صدقية الانتخابات في المحاكم، وسوف تنحسر معها قدرته على ترهيب المسؤولين الجمهوريين في الولايات. هذه التطورات سوف تفرض بدورها ضغوطا جديدة على المشرعين الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب، لقبول شرعية انتخاب الرئيس بايدن ونائبته كمالا هاريس، والبدء بالابتعاد عن الرئيس ترامب الذي عزل نفسه في الأسبوعين الماضيين في البيت الأبيض للتفرغ إلى جهود تعطيل وتقويض نتائج الانتخابات.

هذا لا يعني أننا سنرى رفضا جمهوريا هاما لدونالد ترامب حتى عندما يصبح رئيسا سابقا، لأن نفوذه في صفوف الناخبين الجمهوريين سوف يبقى كبيرا. وسوف يشير ترامب إلى حصوله على حوالي 74 مليون صوت في الانتخابات على أنه تأكيد كبير على شعبيته الواسعة في الحزب والتي سيترجمها في السنوات المقبلة، لتحدي وإضعاف خلفه الرئيس بايدن، ولكن أيضا لصيانة نفوذه وعائلته في الحزب الجمهوري وترهيب منافسيه من داخل الحزب.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …