بقلم: مروة كريدية – صحيفة إيلاف
الشرق اليوم- أسئلة كثيرة يطرحها المراقبون حول التغييرات المحتملة التي قد تطرأ على السياسة الخارجية الأميركية، لا سيما في الشرق الأوسط مع بداية استعداد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وفريقه لتولي شؤون الحكم في الولايات المتحدة. ففي الوقت التي شهدت فيه فترة دونالد ترامب مقاربة العديد من الملفات وحلها عبر اتباع أساليبٍ وُصِفت بالخشنة كما تمّ إعلان العديد من المواقف بما فيها المتعلقة مع قادة العالم عبر تويتر، فإن بايدن يأمل بإعادة الحنكة الديبلوماسية في السياسة الخارجية إلى سابق عهدها، دون التخلي عن الثوابت المعمول بوصف أميركا هي التي تقود تحالف الدول الكبرى في العالم الحرّ لمكافحة التهديدات العابرة للحدود، وعلى الرغم من تغيّر الذي طرأ على العالم في العقدين الأخيرين إلا أن الدور الأميركي لا زال محوريًّا في المؤسسات الدوليّة ويستند إلى القيم الديموقراطية بالشراكة مع الدول الغربية.
وَعلى الرغم من أنّ الدّستور الأميركي يمنح الرئيس سلطات واسعة وكبيرة في القرارات الخارجيّة الأمر الذي يجعل من شخصيَّة الرئيس عاملا مؤثِّرًّا في السياسات إلا أنّ الاستراتيجيات الكبرى والخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية لن يطرأ عليه أيّ تغيير جوهري . لذلك فقد تختلف تكتيكات التنفيذ والوسائل المستخدمة بين الادارتين لكن دون ان يغير ذلك في جوهر السياسة نفسها شيئًا. فإن بدت إدارة ترامب أكثر اعتمادًا على القوّة الصلبة و إعلان المواقف بشكل قد يبدو مستفزّ أحيانًا، فإن إدارة بايدن تنتهج القوّة الناعمة كوسيلة وتعتمد خطابًا هادئًا يبدو أكثر ديبلوماسية في التعاطي مع الملفات الخارجية بما يُحافظ على الصورة الأخلاقية للولايات المتحدة في العالم.
وفيما يلي قراءة موجزة لأهم المحاور للمتغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية بعد فوز بايدن :
توطيد العلاقة مع الحلفاء والعودة الى الاتفاقيات العالمية:
منذ بداية انطلاق الحملات الانتخابية فقد عبّر الديموقراطيون عن قلقهم البالغ إلى ما آلت إليه علاقة بلادهم مع الحلفاء التقليديين خلال مرحلة ترامب، وقد بدا واضحًا أن بايدن يسعى إلى إعادة ترميم العلاقات المتوتِّرة بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تعزيز العلاقة مع الدول الأعضاء في حلف الناتو، وذلك من خلال الرّجوع الى الاتفاقيات العالمية المبرمة و التحالفات الدوليّة المعهودة . ومن أبرزها العودة الى اتفاقية باريس للمناخ، إضافة الى تفعيل التعاون مع منظمة الصحة العالمية لقيادة الجهود الدولية لمواجهة الوباء لا سيما مع الاعلان عن اكتشاف اللقاح المحتمل لفيروس كورونا.
وفيما اعتبر ترامب أن بنود اتفاق باريس للمناخ تشكل خطرًا مباشرًا على الاقتصاد الأميركي مُقلِّلاً من أهّمية الاثار السلبيّة للاحتباس الحراري، ومدافعًا في الوقت عينه عن الوقود الاحفوري، فإن بايدن ومستشاريه من المهتَمِّين بالشؤون البيئية والدراسات العلمية يؤكدون على ضرورة السعي الجاد لبناء اقتصاد أميركي يعتمد على الطاقة النظيفة مع تفعيل أنظمة حماية المناخ والبيئة و الحدّ من انبعاث الغازات الدفيئة التي تُعدُّ المسبب الرئيس لتضرر طبقة الأوزون .
العلاقات مع روسيا والصين:
لن تشهد علاقة الولايات المتحدة مع القوى العظمى أو الخمسة الكبار تغييرًا كبيرًا، إذ أنّ هناك خطُّ واضحٌ يتفقّ عليه الجمهوريين والديموقراطين يتبلور في اعتبار كلاًّ من الصين وروسيا خصمًا للولايات المتحدة مع اختلاف وسائل وتكتيكات المواجهة بينهما. لذلك فإن إدارة بايدن ستواصل نهجَ سابقتها في مواجهة السياسات الاقتصادية للصين ولكن بالتنسيق مع حلفائها الأوروبين وغيرهم فيما كانت إدارة ترامب تتخذ التدابير بشكل يبدو منفردًا أو أحاديّ الجانب.
كذلك الحال في الموقف من روسيا فإن السياسة الخارجيّة في واشنطن لن تتغير في جوهرها حيال موسكو، وذلك من خلال الإبقاء على الثوابت المعمول بها المتبلورة بضرورة حفظ المصالح الأميركية في المناطق التي تشهد تدخّلات روسيا العسكرية، إضافةً إلى أنّ بايدن سيعمل للحفاظ على ما تبقى من معاهدات للحدّ من الأسلحة التي تقيد الترسانة النووية.
الملف الإيراني و الشرق الأوسط:
على الرّغم من انسحاب الولايات المتحدة منذ عامين من الاتفاق المبرم مع ايران، و على الرغم من أن موقف ترامب كان أكثر حزمًا ووضوحًا تجاه مغامرات طهران وتهديداتها في المنطقة، إلا أنّ هناك موقفٌ واحدٌ ثابت متفقّ عليه يَقضي بضرورة إبقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.
و يرى مراقبون أن إدارة بايدن ستحاول أن تتفادى الأخطاء التي حصلت خلال فترة حكم الرئيس أوباما الذي أبدى كثيرا من اللين حيال الملف الإيراني، وأنّها ستسعى إلى موقف يدعو النظام الايراني الى الامتثال الصارم بتعهداته كشرط محوري للعودة الى الاتفاق النووي، حيث اعتبر بايدن ان استراتيجية الضغط التي مارسها ترامب لم تؤتِ أُكلها، فقد استغلت طهران خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي إلى توسيع نشاطها في تخصيب اليورانيوم بعيدًا عن عمليات المراقبة مما قد يجعلها على مقربة من امتلاك السلاح النووي.
أمَّا شرق أوسطيًّا فإن ملف حقوق الانسان في بعض الدول العربية ربما سيعود للواجهة ،وذلك بسبب ضغط الكونغرس المستمر ومطالباته المتكررة بضرورة التزام المعايير الدولية في التعاطي مع أوضاع الحريَّات وحقوق الانسان، والأخذ بعين الاعتبار التوازن في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة مع الدول النفطية في الخليج ، مع محاولة لحلّ بعض القضايا الأخرى وأبرزها ايجاد صيغة ملائمة لوقف الحرب الدائرة في اليمن.
الأمر عينه سينطبق على ملف الفلسطيني –الاسرائيلي إذ أنّ الولايات المتحدّة ستفي بكامل التزاماتها المتمثلة باستراتيجيتها الثابتة في دعم اسرائيل، وستستمر في اتمام ما بات يُعرف بصفقة القرن ولكن مع الحفاظ على إبقاء الجانب الفلسطيني على طاولة المفاوضات . فإن بايدن يرى أن ضمّ اسرائيل للضفة الغربية من شأنه أن يقوّض فرص السلام، وهو إذ يؤيد حلّ الدولتين فإنّه في الوقت عينه يوافق على نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
أما فيما يتعلق بالملف السوري فليس من المتوقع أن يتغير نهج واشنطن تجاهها إذ لن يؤدي فوز بايدن الى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على نظام الأسد الذي يعتمد بشكل مباشر على الدعم الايراني، لذلك فإن مقاربة الملف الايراني ستنعكس بشكل غير مباشر على الاقتصاد السوري . ومن المتوقع – بحسب مستشار السياسة الخارجية لحملة بايدن طوني بلينكن – الإبقاء على القوات الأميركية في الشمال الشرقي لسوريا مشيرا الى ان بايدن سيتجنب التطبيع مع نظام الأسد وأن عملية إحياء مخرجات جنيف لن تحدث إلا إذا زادت الولايات المتحدة النفوذ على أرض الواقع.