بقلم: حمزة عليان – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- هل انتهت حرب الـ44 يوماً بهزيمة أرمينيا؟.. القراءة التاريخية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ تقول عكس ذلك، صحيح أن “المعركة” التي سجلت فيها أذربيجان أول انتصار تاريخي لها، لكن الصراع لم ينته بعد، فهذه جولة من “الحروب” التي نشبت بين طرفي النزاع قد لا تكون الأخيرة، طالما بقي وضع الإقليم معلقاً ولم يحسم!
الأنظار تتجه اليوم نحو من ربح ومن خسر في الحرب، ولماذا تخلى حلفاء أرمينيا عن الوقوف معها، كما فعلت تركيا مع أذربيجان، فهذا الطامح، أي الرئيس رجب طيب إردوغان، إلى استعادة أمجاد السلطنة العثمانية خاض المعركة ورمى بكل ثقله العسكري والسياسي والإعلامي وراء حكومة إلهام علييف.
روسيا أدت دور الوسيط لكنها حققت مكاسب استراتيجية بعدما أدارت اللعبة جيداً، هي اليوم أكبر الرابحين على المستوى الاستراتيجي، فقد ركزت بثقلها في منطقة جنوب القوقاز وباتت اللاعب الأكثر نفوذاً وإمساكاً بخيوط اللعبة.
إيران عاجزة عن القيام بأي دور باستثناء خطاب التهدئة، وحساباتها تتسم بحساسية بالغة نظراً للامتداد الأذري على أراضيها وفي داخل أذربيجان، حيث يقدر عدد السكان من الأصول الأذرية بعشرة ملايين نسمة، وأي تدخل عسكري من شأنه أن يقلب الطاولة على رأس الجميع، ناهيك عن الوضع الاقتصادي المزري الذي تعانيه نتيجة الحصار والعقوبات الأميركية المفروضة عليها.
قد تكون تركيا “المنتصر” الثاني بعد روسيا الاتحادية، وقد نجحت فعلياً بربط بلادها بحدود إقليم ناخيتشيفان، وبالتالي سهلت الطريق أمام مد خطوط أنابيب النفط والغاز الأذربيجاني تجاه أوروبا، وباتت شريكة الروس بجني المكاسب الجيوسياسية في القوقاز.
وحدها أرمينيا باتت محاصرة من تركيا التي تحيط بها من الشرق والغرب، وهي أسيرة التحالفات التي أسفرت عنها حرب الـ44 يوماً خرجت منها مهزومة، أي أن حالة “الستاتيكو” (الهدوء) ستبقى إلى أن يطرأ جديد على موازين القوى المستجدة في هذا المحيط الجغرافي. لقد دفعت أرمينيا ما يقرب من أربعة آلاف قتيل، في حين بقي الأمر مغلفاً بالسرية للخسائر التي منيت بها أذربيجان.
وبحسب قراءات أرمينية لهذه الحرب، فالذي تم هو عبارة عن وقف لإطلاق النار وتعهدات بإعادة ثلاث مدن كبرى بالإقليم إلى أذربيجان مع حلول شهر ديسمبر 2020، أما التسوية السياسية فستنطلق على خلفية مفاوضات مؤتمر مدريد عام 2007 والذي ستبنى عليه معالم المرحلة السياسية القادمة، وهذا الاتفاق تم برعاية “تجمع مينسك” والذي يجمع روسيا وفرنسا وأميركا وطرفي النزاع، بالإضافة إلى دول أخرى ذات شأن.
أهم النقاط الواردة في مؤتمر مدريد هي: أن تنسحب أرمينيا من المناطق السبع المحتلة حول كاراباخ وتعيدها إلى أذربيجان (استعادت عدداً منها أذربيجان بالحرب) وأن ينشأ ممر يربط أرمينيا وكاراباخ عبر طريق “لاشين” والأهم أن تجرى عملية استفتاء للسكان حول مستقبل كاراباخ.
تلك المفاوضات لم ينتج عنها أي تغيير ولم يحدث أي تقدم، بل بقيت النار تحت الرماد، فالأذريون يتحينون الفرصة لاستعادة عنفوانهم وكرامتهم بعد الهزيمة التي لحقت بهم في التسعينيات وهذا ما رأيناه في حرب الـ44 يوماً.
الأذريون متمسكون بالأرض، فإقليم ناغورنا كاراباخ يتبع السيادة الأذربيجانية، في حين أن 95% من سكانه هم من الأرمن، وتاريخياً كان الإقليم يتبع أرمينيا، لكن التقلبات السياسية جعلته ينتقل من طرف إلى آخر، وإن بدت الجغرافيا حبيسة الأرمن وإحدى ضحاياه فهم الآن محاطون بأكبر ثلاث قوى تتحكم بالمنطقة، وهي روسيا الاتحادية وتركيا وإيران، فأين المفر؟
لقد خسرت أرمينيا ما احتلته عام 1994 من مناطق وفي ذلك انتكاسة كبرى، قد يكون من الصعب ثنيها عن المطالبة بحق تقرير المصير للسكان الأرمن أصحاب الأرض، فهم من سيقرر نوع الحكم والتبعية؟ فهل سينجو الإقليم هذه المرة وينعم بالسلام أم سيبقى قابلاً للانفجار والحروب؟