الرئيسية / مقالات رأي / “البايدنية” وكلمة السر

“البايدنية” وكلمة السر

بقلم: عبد الحسين شعبان – الخليج الإماراتية

الشرق اليوم– أربعة معطيات أساسية أفرزتها المعركة الانتخابية الأمريكية مؤخراً… أولها – أن دونالد ترامب ليس شخصاً عابراً أو لحظة مفارِقة في التاريخ الأمريكي، فالشعارات الشعبوية التي رفعها كانت تعبيراً عن أوساط أمريكية نافذة ومؤثرة في المجتمع الأمريكي، والدليل على ذلك هو نسبة الأصوات التي حصل عليها والتي زادت على 72 مليون صوت.

وثانيها – أن فوز جو بايدن كان بسبب ترامب نفسه، لأنه رد الفعل الوحيد الممكن والمتاح أمام الناخبين الذين أخذوا ينصرفون عنه بسبب مواقفه من أصحاب البشرة السوداء، ومن اللاجئين، أو المهاجرين من أصل لاتيني، الأمر الذي أضعف من نسبة التصويت له، حتى في ولايات كانت تعتبر تاريخياً على ملاك الحزب الجمهوري، بالرغم من النمو الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الأولى لتوليه إدارة البيت الأبيض قبل مداهمة جائحة كورونا «كوفيد – 19».

وثالثها – أن السياسة الشعبوية لإدارة ترامب دفعت البلاد إلى حافة الانقسام بفعل الاستقطاب الذي ساد في المجتمع الأمريكي.

ورابعها – الاستهزاء الذي أبداه ترامب بالديمقراطية الأمريكية العريقة، واتهامه النظام الانتخابي بالفساد، بزعم أن ملايين البطاقات الانتخابية وصلت إلى لجنة عدّ الأصوات يدوياً بعد انتهاء يوم الانتخاب 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، وحسب وجهة نظره، تُعتبر بطاقات باطلة، أو لاغية، وقد استبق الأمر بالتصريح بأنه لا يعترف بنتائج الانتخابات المزورة في حالة عدم فوزه، لذلك قرر الذهاب إلى المحاكم المحلية، ومن ثم إلى المحكمة الاتحادية العليا للبت في الأمر، وإصدار حكم قضائي بشأن حدوث تزوير من عدمه، لتحديد من هو الفائز.

فهل سيكون مجرد وصول بايدن إلى البيت الأبيض نهاية للظاهرة الترامبية، أم أن وجودها نتاج طبيعي لصعود الشعبوية، وازدياد الشعور بالتفرد والهيمنة للعصر الأمريكي الذي كثُر الحديث عنه مع انتهاء عهد الحرب الباردة؟ خصوصاً فترة الرئيس جورج بوش الأب، ومن بعده جورج بوش الإبن، الأمر الذي خاضت فيه الولايات المتحدة حروباً ونزاعات غير قليلة، لكن نجاح الحزب الديمقراطي، ووصول الرئيس باراك أوباما، ونائبه جو بايدن، لدورتين انتخابيتين خفض من حِدَة هذا التوجه الذي توج بسحب القوات الأمريكية من العراق، ولكن بفوز رئيس شعبوي أعاد التوجهات السابقة للغة السوق، والتجارة، والمضاربات، وحسابات الربح، والخسارة.

والنتيجة هي المأزق الأمريكي الذي أخذ يتعمق، فهل يُعقل أن ديمقراطية عريقة مثل ديمقراطية الولايات المتحدة تشوبها عيوب تجارب انتخابية هشة مثل بعض بلدان العالم الثالث، حيث يجري الحديث عن تزوير الانتخابات والتداخلات الخارجية، وغير ذلك؟

وإذا كانت الترامبية بدت لحظة صِدامية في التاريخ الأمريكي على المستوى الداخلي، بالاصطفافات العنيفة للتيارات الشعبوية لذوي البشرة البيضاء، وبين الجماعات والفئات من أصول أفريقية، أو لاتينية، فإن البايدنية برزت في لحظة رد فعل غير منهجي، أو مبرمج للحظة الترامبية، فما قرره ترامب عارضه بايدن، ولهذا السبب فقط أحرز النجاح، أو الفوز، أي أنه لم يفز بسبب برنامجه أو شعبيته، بل بسبب معارضته ترامب، وهكذا وضع الناخب الأمريكي أمام خيارَين كلاهما صعب، فاختار الأقل ضرراً، فهل هذه هي صورة أمريكا؟ وهل سيكون الفوز البايدني مثقلاً بالماضي الترامبي؟ والسؤال هل البايدنية حل للمأزق الحالي، أم أنها مجرد رد فعل باهت لما قام به ترامب؟

سيكون أمام البايدنية تحديات أساسية تتلخص في إعادة الثقة على المستويين الداخلي، والدولي، والأمر يتعلق بالضمان الصحي الذي كان تقرر في عهد أوباما، والمعروف ب«أوباما كير»، والنفقات المخصصة للتعليم، والموقف من العمالة الأجنبية واللاجئين والمهاجرين، ومواجهة كوفيد-19، إضافة إلى العلاقة مع الصين، وروسيا، والعقوبات المتخذة ضدهما، فضلاً عن الموقف من «حل الدولتين» بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وحتى الآن، ليس ثمة نظرية واتجاه يمكن أن نطلق عليه اليوم «البايدنية»، وإنما هناك كلمة السر التي اجتمع تحت لوائها كل مَنْ ناهض سياسات ترامب، ولهذا لا يمكن قراءة الظاهرة البايدنية إلا من خلال الظاهرة الترامبية، ولكن فقط، في حالة تمكن بايدن من بناء الجسور وترميم ما تصدع من علاقات، وإجراء ما يمكن من مصالحات فإنه يمكن أن يعيد رسم الخريطة السياسية «من أجل روح أمريكا»، وهو الشعار الذي رفعه في معركته الانتخابية، وإذا ما نجح في ذلك يمكن أن تنشأ ملامح «هُوية بايدنية» ليست ظلًا لأوباما، بل في خط مواز له، ومتراكم عليه، ما بعد المرحلة الترامبية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …