BY: Carlo Caro – The Diplomat
الشرق اليوم- كان اتفاق السلام الذي عقدته إدارة ترامب مع حركة “طالبان” شائباً منذ البداية، فقد تجاهل دور باكستان في أفغانستان، وارتكبت الولايات المتحدة وأفغانستان خطأً فادحاً حين قررتا متابعة إشراك إسلام أباد في تلك المفاوضات، إذ كانت باكستان تحاول دوماً تحويل أفغانستان إلى جهة إسلامية تابعة لها، حتى أن إدارة ترامب لم تتذكّر الدرس المستخلص من تجربة عام 2009، حين أحبطت باكستان مفاوضات إدارة أوباما مع “طالبان” لأنها كانت تهتم في المقام الأول بحماية مصالحها وتحقيقها.
لطالما كانت رؤية إسلام أباد بسيطة: إذا فشلت مفاوضات السلام، فستنتصر باكستان لأنها ستتابع التأثير على أفغانستان من خلال “طالبان”، وإذا نجحت تلك المفاوضات، فستنتصر باكستان أيضاً لأن نفوذها سيمتدّ إلى أي اتفاق على تقاسم السلطة بين “طالبان” وحكومة أفغانية ضعيفة جداً، وستكون أفغانستان الخاضعة لسيطرة باكستان ملاذاً آمناً للحركات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك “القاعدة” و”داعش”، وسرعان ما تطلق هذه الجماعات اعتداءات ضد الولايات المتحدة وأوروبا، لكن إذا سحبت واشنطن فِرَقها وبناها التحتية، فسيضعف تأثيرها على المشهد المحلي وستجد صعوبة في العودة عند الحاجة لأن باكستان لن تفتح طريقاً للإمدادات ولم تعد روسيا خياراً وارداً.
قد لا تحظى حرب أفغانستان بشعبية واسعة وسط الشعب الأمريكي نظراً إلى حجم الخسائر البشرية والمادية التي أسفرت عنها، لكن يجب أن تنسحب إدارة بايدن من الاتفاق الفاشل بين إدارة ترامب وحركة “طالبان” وتوقف دعم محادثات السلام بين الأفغان، ولن يحقق السلام مع “طالبان” أي نتيجة إيجابية للولايات المتحدة. قد لا يبدو الوضع الراهن تفاؤلياً بأي شكل، لكن ستكون هيمنة باكستان على أفغانستان أو خسارة أفغانستان لدعم الجيش الأمريكي أسوأ بكثير.
منذ فترة الستينيات، يتأثر الجيش الباكستاني بالعقيدة العسكرية الخاصة بالعمق الاستراتيجي، علماً أن مبررات هذه العقيدة لا تشتق في الأصل من أفغانستان بل من الهند، فبعدما خسر الجيش الباكستاني جناحه الشرقي الذي يُعرَف اليوم باسم بنغلادش، اضطر لإعادة النظر باستراتيجيته تجاه الهند، وبنظر باكستان تحوّلت أفغانستان إلى منطقة تستطيع القوات الباكستانية المسلحة الانسحاب منها لإعادة تنظيم نفسها وشن هجوم مضاد، لكن هذه الاستراتيجية تتطلب نشوء حكومة أفغانية ودّية ومستعدة لتقبّل انتهاك سيادة أراضيها في حال اندلاع حرب بين الهند وباكستان.
وبسبب نجاح الجهاد والمجاهدين ضد القوات السوفياتية في أفغانستان، استعملهم الجيش الباكستاني في إقليم “جامو وكشمير” الخاضع لإدارة الهند. أرادت باكستان بذلك أن تجعل حُكْم تلك الأراضي مستحيلاً وتنشر عدداً كبيراً من القوات الهندية لمحاربة حركة التمرّد المحلية، تزامناً مع إضعاف قدرة الهند على خوض صراع تقليدي بين البلدين، أصبحت هذه الخطط سارية المفعول في عام 1988، وقد تدرّب المتمردون في أفغانستان لإنكار تورط باكستان في هذه العمليات، لكن كانت تلك الخطط تتطلب التعاون مع دولة أفغانية صديقة أو عاجزة عن مواجهة باكستان على الأقل.
دائماً اعتبرت أفغانستان مجموعة البشتون في باكستان جزءاً من أمّة البشتون نفسها، لهذا السبب، حاولت باكستان خلال عهد الرئيس محمد ضياء الحق أن تسيطر على القومية البشتونية في مقاطعة “خيبر بختونخوا” تزامناً مع تطبيق سياسات الأسلمة، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونشوء جمهوريات آسيا الوسطى، أصبحت أفغانستان بوابة لأسواق الطاقة في تلك المنطقة، لكنّ انهيار النظام الشيوعي في أفغانستان واندلاع حرب أهلية هناك أعاقا تلك الطموحات الاقتصادية والسياسية، وعندما ظهرت “طالبان” في “قندهار”، أصبحت هذه الجماعة أفضل رهان تتكل عليه باكستان، وبفضل “طالبان”، حصلت إسلام أباد أخيراً على الوسائل اللازمة لتطبيق عقيدة العمق الاستراتيجي، مع أن الخلافات حول خط “دوراند” بقيت قائمة.
غداة هجوم 11 سبتمبر، تعرضت باكستان للضغوط كي تقطع علاقاتها مع “طالبان” في أفغانستان وتدعم الحكومة الأفغانية بدلاً منها، لكن سمحت باكستان للمناطق القبلية على الحدود بالتحول إلى ملاذ لآلاف المقاتلين من “طالبان”، كذلك، تورطت وكالة الاستخبارات الباكستانية في اعتداءات إرهابية داخل أفغانستان، لا سيما ضد المصالح الهندية، دائماً اعتبرت باكستان أن فرصة صمود الحكومة الأفغانية في كابول ستصبح ضئيلة حين تخسر الدعم الدولي، وبسبب تنامي الوجود الهندي في أفغانستان، قررت باكستان أن تحافظ على علاقة قوية مع “طالبان”.
تطورت عقيدة العمق الاستراتيجي وشهدت بعض التعديلات بما يتماشى مع المعطيات المعاصرة، ومع ذلك يجب ألا يشكّ أحد بأن حركة “طالبان” لا تزال أداة تستفيد منها باكستان لتحقيق طموحاتها، ومن الواضح أن الجيش الباكستاني يعتبر أفغانستان امتداداً لخططه القتالية في صراعه مع الهند، لذا كان ضمّ باكستان إلى المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة بين “طالبان” والحكومة الأفغانية خطأً فادحاً.
قد لا يكون النصر الكامل ولا السلام ممكناً في أفغانستان تزامناً مع استمرار انتشار القوات الأمريكية ميدانياً، لكن تستطيع واشنطن أن تُحقق نتيجة لها انعكاسات أفضل على مصالحها وأمنها.