الرئيسية / مقالات رأي / الخليج… ساعة النفط وساعة الناخب الأميركي!

الخليج… ساعة النفط وساعة الناخب الأميركي!

بقلم: سليمان العقيلي – النهار اللبنانية

الشرق اليوم- كما هناك صراع سياسي على السلطة في واشنطن يبدو في ساحلي الخليج العربي صراع (سياسي إعلامي) على التقرب من واشنطن المنقسمة على نفسها، حتى وإن حاولت طهران إخفاء ذلك.

واعتبر الكاتب السعودي سليمان العقيلي، في مقال نشره موقع “النهار العربي”، أنّ “مرد هذا الصراع أن الخليج نفسه في الأساس يفترق الى معسكرين، الأول، إيراني يسعى للسيطرة على منطقة شرق المتوسط وإقليم الخليج والجزيرة العربية، ومشروع آخر يروم للتخلص من مخطط الهيمنة هذا، ويبلور مقاربة استراتيجية جديدة تسعى الى سوق شرق أوسطية مشتركة تكون أولوياتها مرتكزة على الاستقرار والازدهار والتنمية والاقتصاد والتجارة والمنافع المتبادلة، محاولاً في سبيل ذلك التخلص من تبعات الإيديولوجيا التي يحرص عليها المعسكر الأول وخياراته بالمعادلة الصفرية للاستحواذ وتصدير العنف”. وكتب “وهذه المواجهة بين العرب وإيران لم تكن جديدة على الإقليم وقد استقطبت اهتمام القوى الدولية، لأنها أفرزت حروباً تقليدية عدة وأهلية، وانعكست بتداعياتها على الاقتصاد الدولي لكون دول المنطقة تربض على اكبر احتياطات #النفط في العالم.

بايدن واستراتيجية أمن الخليج

ظل أمن الخليج اختباراً حقيقياً للاستراتيجية الأميركية وراء البحار (إذا تجاوزنا أمن أوروبا)، فهو يمثل منطقة جس نبض لصراع القوى الدولية، وظلت المنطقة شاهدة على علو كعب القوى الغربية منذ الإمبراطورية البرتغالية في القرن السادس عشر وحتى الآن. لذا فإن الترويج لسياسات أميركية منتظرة ضد القوى العربية في الخليج بعيدة من الواقع لأسباب جيواستراتيجية وجيوسياسية. لكن السؤال الصحيح اليوم هو عن اولويات السياسات الاميركية في المنطقة؛ فبينما اتخذ الرئيس دونالد ترامب سياسة مناوئة تجاه إيران وقريبة للجانب العربي، ينتظر عرب الخليج اشارات الرئيس الجديد تجاه منطقتهم، والتي قد لا تأتي باكراً في ظل دوامة الازمات التي يعيشها الداخل الأميركي. فالرئيس الجديد سينهمك في شهوره الأولى وربما السنة الأولى كلها بقضايا داخلية خصوصاً الأزمتين الصحية والاقتصادية، وهما سيضغطان على فريقه الحكومي حتى تنجلي أزمة جائحة كورونا بعقارات فعالة ومأمونة.

وفي السياسة الخارجية تأخذ مسألة العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين اولوية قصوى لدى جو بايدن (على ما يبدو) خصوصاً لجهة تماسك حلف الاطلسي والتعاون مع الاتحاد الأوروبي وهي اولويات ديموقراطية. ولا يرى مراقبون في الخليج انه سينهمك مع احلام إيران في العودة السريعة للاتفاق النووي (قبل حوار طويل حول تتازلات وشروط)، كما أن العقوبات غير النووية (المتعلّقة على سبيل المثال بالصواريخ، وانتهاكات حقوق الإنسان، ودعم الإرهاب، وقانون قيصر) ستظل سارية.

أما الآمال غير الواقعية لـ”الربيع العربي” في ساكن البيت الابيض أو الانسياق مع المخطط القطري – التركي للتآمر ضد السعودية، فليسا في محلهما، لأسباب جيواستراتيجية؛ فدول المنطقة تعيش مقاربة جديدة بالتقاطع مع إسرائيل ضد إيران (وهي تستحق عناية واشنطن وليس عقابها). هذا المستجد لا بد من أخذه بالاعتبار عند محاولة التمييز بين عهدي باراك أوباما وجو بايدن وعند محاولة استقراء سياسة الاخير تجاه إيران.

كما أن روسيا من جهة أخرى تتحفز لالتقاط واستثمار اي توتر في العلاقات السعودية الأميركية خصوصاً وأن الاجواء باتت مهيئة اكثر من اي وقت مضى ليتحول التعاون بينهما (في اوبك+ والاستثمارات المشتركة) الى شراكة حقيقية.

بالنسبة إلى عرب الخليج ظلت الولايات المتحدة منذ غروب شمس الامبراطورية البريطانية منتصف القرن الماضي هي القوة الدولية التي يتكئون عليها لمواجهة الاخطار الاقليمية (إيران، العراق) والاخطار الدولية (الاتحاد السوفياتي). أما بالنسبة الى إيران/ الثورة، فقد اعتمدت على روسيا والصين وكوريا الشمالية وكلها قوى نووية لكنها لا تضارع القوة الأميركية كما انها تتعرض لعقوبات غربية أحياناً. لذا حاولت طهران الاعتماد على مواردها الذاتية أولاً ثم موارد شركائها الاقليميين الذين استلزم الامر ان تغطي فسادهم المحلي مقابل تلبية متطلبات مشروعها الاقليمي وحاجاتها الداخلية في زمن العقوبات (مثل تأمين الدولار والتقنية الغربية).

أمن الخليج بعد أيلول 2001

بعد حادثة 11 أيلول الارهابية في واشنطن ونيويورك انخرطت طهران بعلاقة سرية مع المحافظين الجدد في واشنطن (حيث تماهت اهداف الطرفين). ودخلت بالتالي في علاقة تعاون مع الدوائر الرسمية الأميركية نتج عنها تنسيق أميركي – إيراني عالي المستوى في ضرب أفغانستان واسقاط طالبان وغزو العراق واسقاط نظام الحكم القومي العربي.

على ضوء ذلك، اختلت موازين القوى في المنطقة لصالح طهران وحظي الانفلاش السياسي والعسكري الإيراني في شرق المتوسط بغطاء أميركي. وتم تتويج ذلك بالمقاربة الديموقراطية التي قادها باراك أوباما بصفقتين متلازمتين؛ عندما أوقف في عام 2013 ضرب نظام الاسد مقابل صفقة روسية رديئة بتسليم الاسلحة الكيميائية، وصفقة عمانية لحوار إيراني – أميركي حول المشروع النووي توجت بمحادثات مع مجموعة (5+1). ونتج منه الاتفاق النووي او ما سمي اتفاق العمل الشامل المشترك.

كل هذه الاتصالات والاتفاقات والصفقات الأميركية مع إيران نظر اليها في الخليج باعتبارها سقوط للعقيدة السياسية الأميركية في الشرق الاوسط التي أرساها في خمسينات القرن العشرين الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور واعتمدها الرؤساء الأميركيون بعده: وهي تعتمد على ملء الفراغ ومبدا الدفاع عن الحلفاء!

منذ عشرين عاماً وعقيدة أيزنهاور تتعرض للامتحان والتعديل لأسباب من أبرزها:

اولاً: انتهاء الحرب الباردة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وبطء نهوض وريثته.

ثانياً: الاكتفاء الذاتي من الطاقة الذي بدأت الولايات المتحدة تحققه داخلياً بسبب التوسع في استثمارات النفط الصخري اثر ارتفاع الاسعار، ما أدى للتخفيف من الاعتماد على نفط الخليج.

ثالثاً: التبدلات التي شابت اولويات الاستراتيجية الأميركية، اثر بزوغ القوة الصينية، وتوجه تركيز الاستراتيجيين الأميركيين على شرق آسيا.

الديموقراطيون والنفط

يضاف إلى ذلك كله اهتمام الحزب الديموقراطي ومفكريه ومنظريه بالمسألة المناخية بما يشبه العقيدة السياسية وسعيهم للاستغناء عن الوقود الأحفوري الملوث للبيئة بالاستعانة بالطاقة النظيفة. وهذا لا ينتج عنه تقويضا لنفط الخليج فحسب بل لمستقبل شركات النفط الصخري الأميركية التي تملكها دوائر اقتصادية داعمة للحزب الجمهوري.

ومن آخر تجليات هذه المعركة توقيع حاكم كاليفورنيا الديموقراطي غافين نيوسون مؤخراً أمراً تنفيذياً يفرض على كل السيارات الجديدة للركاب والشاحنات التي بيعت في الولاية بأن تكون خالية من الانبعاثات بحلول سنة 2035.

ولا يُعرف إن كان هذا الهوس بالبيئة والذي اصبح جزءاً من عقيدة الحزب الديموقراطي نابعاً من قلق حقيقي على المناخ او محاولة سياسية خفية لتقويض قوة الحزب الجمهوري او كلاهما! وفي هذا الاطار يمكن القول ان مصالح الدول الخليجية تتلاقى مع الجمهوريين، وهذه مسألة في غاية الاهمية لتحكّمها وتوجيهها بمحددات العلاقات الخليجية الأميركية.

أمن الخليج والبحث عن رؤية

حتى لو افترضنا استغناء واشنطن عن النفط الخليجين فإن اهميته الاستراتيجية ستستمر لفترة غير قليلة وسيظل وقوداً رئيسياً للاقتصادات المزدهرة. فالصين رفضت الرضوخ للضغوط الغربية بتحديد روزنامة قريبة للتوقف عن الطاقة الأحفورية وحددت 2065 تاريخاً ملائماً لذلك.

وعلى كل حال، فمستقبل النفط ليس مشرقاً ولهذا ينبغي الوقوف باجلال لاية تجربة تعتق المنطقة من متلازمة (النفط والأمن) مثلما هي الرؤية السعودية الطموحة 2030 الرامية لتنويع مصادر الثروة والتي دفعت الرياض لاعادة هيكلة الدولة والمجتمع بلوغا لاهدافها.

واذا ما نجحت السعودية في تنفيذ برامج الرؤية وحققت اهدافها للحصانة من هزّات اسعار النفط، فإنه يمكن القول بأنها حققت استقلالها الاقتصادي عن البترودولار غير المأمون وبالتالي حصنت أمنها القومي من الاعتماد على القوى الدولية.

وفي كلمة له لمناسبة افتتاح الدورة الثامنة لمجلس الشورى قبل ايام شرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دور الرؤية ومنتجاتها الأولية للاصلاح الاقتصادي في إنقاذ الموازنة العامة من عجز بسبب انخفاض اسعار النفط خلال جائحة كوفيد-19 كان سيصل الى ايقاف صرف رواتب موظفي الدولة.

ربما أمكن القول إن الاستقلال السياسي والاقتصادي المكتمل لدول الخليج يعتمد على قدرتها في الفطام عن النفط، وبالتالي تكوين مجتمعات منتجة وغير ريعية. ومن ثم تطوير القدرات العسكرية الذاتية بما في ذلك صناعة السلاح. وهو ما تسعى الرياض لتحقيقه بصناعة 50 في المئة من حاجاتها العسكرية بالمحتوى المحلي بحلول 2030 وهو هدف طموح جداً. لكنها بدأت بالفعل في تنفيذه بتصنيع وانتاج زوارق سريعة بقدرات محلية، إضافة الى انتاج مكونات دقيقة لانظمة الدفاع الجوي.

ليست المشكلة في ما سيتخذه بايدن تجاه أمن الخليج خلال الأربع سنوات المقبلة فهذه مسألة يمكن استقراؤها، لكن المشكلة الحقيقية في القلوب المعلقة بما يقرره #الناخب الأميركي في بنسلفانيا أو ميشغان او ويسكنسن أو فلوريدا وغيرها من الولايات المتأرجحة كل اربع سنوات.

النفط استجلب الجيوش الأجنبية لحماية المنطقة وهو ذاته عندما يفقد قيمته سيدفعها للمغادرة؛

حان وقت الفطام عن النفط … ودقت ساعة البدائل!

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …