الشرق اليوم- كشفت صحيفة “صندي تايمز” في مقابلة حصرية مع كارلوس غصن، مدير تحالف رينو-نيسان الذي كان تحت الإقامة الجبرية في اليابان، عن الطريقة التي هرب بها من البلاد.
وكان غصن يعرف كما يقول “أنها مخاطرة كبيرة” ولكن بدون ذلك فقد كان يواجه مدة طويلة في السجن أو العيش حرا، فهو متهم بسوء إدارة مالية تتعلق بحوالي 80 مليون جنيه إسترليني.
صحفي “صندي تايمز”، جون آرليدج، قابل غصن في فندق البيرغو” غرب بيروت، إذ قال الأخير إنه اعتقل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 واتهم بإخفاء ملايين الجنيهات، وهي تهم ينفيها. ووضع في زنزانة انفرادية باردة في طوكيو لمدة 130 يوما ثم تحت الإقامة الجبرية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي هرب على متن طائرة خاصة إلى إسطنبول وأخرى إلى بيروت. وقال غصن: “أكافح من أجل سمعتي”، وكتب كتابا عنوانه “ساعة الحقيقة” واتهم فيه نيسان بتزييف الاتهامات ضده. وقال إن نيسان كانت تريد الإطاحة به لأنه كان يحاول منح رينو دورا أكبر مما اعتبرته جرحا لكرامتها واليابان.
وقال آرليدج إن قصة هروب غصن تجعل الساحر الأمريكي هويديني يبدو هاويا. وخلافا للتقارير فقد كشف غصن أنه لم يخطط للهروب على مدى أشهر، ولكنه كان يعرف أن هناك من كان يخطط لتهريبه بدون تفاصيل. وقرر المخاطرة في كانون الأول/ ديسمبر بعدما رفض القضاة اليابانيون مطالبه له برؤية زوجته كارول، وعلم بأن محاكمته ستكون على مرحلتين، أي خمسة أعوام وأنه سيقضي 15 عاما في السجن إذا أدين.
وتابع: “كان علي أن أقرر، العيش حياة بائسة ومظلوما أو أنتهز الفرصة”. ومن أجل هذا “كان علي أن أكون سريعا وسريا. وقيدت اتصالاتي للحد الأدنى”.
ويكشف غصن أنه حصل على جهاز هاتف لا يمكن متابعته كالذي يستخدمه الجواسيس ورجال عصابات المخدرات. ولم يكشف كيفية الحصول عليه، ولكن مصدرا مقربا من العملية قال: “لو دفعت المبلغ المناسب فإنك تستطيع الحصول على ما تريد في السوق اليابانية”.
وتقول صندي تايمز إن غصن رغم وصوله سالما إلى بيروت، فإن من تواطأوا على تهريبه من المؤكد أن السلطات اليابانية ستحاسبهم.
قصة التهريب
ا حدث بالفعل بحسب الصحيفة، هو أن السلطات الأمريكية اعتقلت شخصا يدعى مايكل تايلور (60 عاما)، ونجله بيتر (27 عاما)، بعدما طلب منهما رجال أعمال المساعدة بتهريب غصن، بحكم خبرتهما في المجال الأمني.
تقول الصحيفة إن رجل أعمال لبنانيا اتصل مع تايلور الذي التقاه في العراق بعد سقوط صدام حسين، حيث كان يبحث عن فرص عمل هناك، وسأله عما إن كان يستطيع المساعدة “في إحضار صديق من طوكيو”.
بدأ تايلور البحث عن بلد لا تقيم اليابان معه معاهدة ترحيل مطلوبين مشتركة، ودرس المطارات القريبة في طوكيو ووجد أن مطار أوساكا كانساي ليس لديه أجهزة الفحص الكافية لفحص الصناديق الكبيرة كتلك التي تنقل فيها المعدات الموسيقية.
فصندوق كهذا كاف لاستيعاب غصن الصغير البنية ولكنه يزن 75 كيلوغراما. وطلب تايلور من شركة في بيروت تصنيع صندوق كبير كاف لدخول باب طائرة نقل تجارية وكبير بحيث يمكن المرور عبر فحص الأشعة في المطار.
وتم حفر ثقوب في أسفله من أجل التهوية. وبعد ذلك بدأ بالبحث عن شركة طيران يمكن أن تنقل غصن وتغض الطرف عن عملية سرية.
ووجد أن قسم الشحن التجاري في مطار إسطنبول يقوم بفحص كل الطرود. وفقد الأمل عندما لم يجد من يوافق على العملية حتى قال له مصدر في بيروت إن شركة تدعى أم أن جي وافقت على نقل الطرد. ولاحقا قالت الشركة إنها خدعت لنقل غصن من موظف مارق فيها.
وبعد تأمين الرحلة والمطار جاء دور نقل الرجل إلى أوساكا. وكان محظوظا حيث اكتشف أن صور الكاميرات لا تفحص في نفس اليوم ولكن بعد عدة أيام، وهو الوقت الذي كان يريده.
وفي منتصف 27 كانون الأول/ ديسمبر 2019 تلقى غصن مكالمة من تايلور بمضمون “أراك غدا”. ووصل إلى طوكيو على متن طائرة بومباردير غلوبال من دبي. وكان معه لبناني مشارك في العملية.
وطلب من الطيارين التزود بالوقود حالة الوصول. وأخبر تايلور الرجال الذي يفرغون حمولة الطائرة بأنه سيشارك في مناسبة موسيقية ستقدم وصلة في المساء.
وفي الساعة الـ2:30 من 29 كانون الأول/ ديسمبر ذهب غصن إلى غراند حياة لتناول الغداء وبدلا من الذهاب لواحد من مطاعمه، ذهب إلى غرفة 933 حيث كان ينتظره بيتر واللبناني الآخر، وغير ملابسه ووضع قبعة ونظارة وقناعا طبيا، وهو ما يفعله اليابانيون عادة حتى قبل الوباء. وغادر الثلاثة المكان من مدخل خلفي. وانتقل الثلاثة إلى المحطة وركبوا قطار الرصاصة السريع إلى شين-أوساكا..
وكان القطار مزدحما نظرا لقرب نهاية العام، ولكن لم يتعرف عليه أحد. وعندما وصلوا إلى شين-أوساكا انتقلوا بالسيارة إلى فندق ستار هوتيل حيث كان تايلور ينتظرهم وفتح الصندوق بعدما أخرج منه الميكروفون ودخل فيه غصن وجره تيلور واللبناني خارج الغرفة إلى شاحنة كانت تنتظر في الخارج.
ووصل الثلاثة إلى المطار قبل إقلاع الطائرة بعشرين دقيقة، حيث كان موعدها الـ10:30 واعتقد أن الموظفين سيتغاضون عن الطرد بعد يوم عمل طويل، وكان محقا حيث أخبرهم بأن الحفلة انتهت متأخرة وقدم لهم عقب ذلك تذكرته.
ولوحوا له بمواصلة المسير وعندما دخل الصندوق إلى الطائرة وأغلق بابها تنفس غصن الصعداء.
ووصلت الطائرة إلى إسطنبول في الساعة الـ5:26 وكانت الخطة أن يسير غصن على المدرج إلى طائرة ثانية وهي تشالنجر 300 لتقله إلى بيروت.
وكان متأكدا أن أحدا لن يتعرف عليه خاصة أن الشمس لم تشرق على البسفور بعد.
طريقة أسهل
يقول غصن إنه بعد نجاح عملية تهريبه، اكتشف أن كل ما قام به من قصة الصندوق وما إلى ذلك لم يكن له داع، وكان بالإمكان الخروج من اليابان بطريقة أسهل.
يتابع: “الأمن لم يكن ليتابع ذلك اليوم بعد خروجي من بيتي ولم يكن أحد يتوقع حدوث شيء في السنة الجديدة باليابان”.
وأضاف: “اليابان ليست منضبطة كما يعتقد الناس”.
وبحسب غصن، فإن عملية تهريبه فقط كلفته نحو 800 ألف جنيه إسترليني، دفعها لتايلو الذي يملك شركة تسمى “بروموت فوكس”.