بقلم: رفيق خوري – إندبندنت عربية
الشرق اليوم– طهران ليست العاصمة الوحيدة التي تراهن على عودة الولايات المتحدة برئاسة جو بايدن إلى سياسة الرئيس باراك أوباما في الملف النووي. وتشارلز بلو ليس المعلق الوحيد الذي وصف في مقال نشرته “نيويورك تايمز” رئاسة بايدن بأنها “ولاية ثالثة لأوباما”. لكن بايدن ليس أوباما. فهو عمل نائباً له، وكان أكثر منه خبرة ومعرفة بالسياسات الداخلية والخارجية بعد عقود في مجلس الشيوخ ومقابلة قادة العالم كرئيس لجنة الشؤون الخارجية فيه. وهو قال في بداية الحملة الانتخابية: “الخبر السيء أن كل واحد يعرفني، والخبر الجيد أن كل واحد يعرفني”. والخبر الأهم، كما قال أحد أصدقائه في الكونغرس، هو أن “جو يعرف الجميع”.
والتصور الخاطئ هو الحكم على نواب الرؤساء بأنهم ظلال لهم. ويروي توماس مارشال نائب الرئيس وودرو ويلسون قصة معبّرة عن أخوين: “واحد ركض في البحر وآخر صار نائباً للرئيس، ولم يعد يسمع أحد عنهما شيئاً”. وسئل الرئيس دوايت أيزنهاور حين ترشح نائبه ريتشارد نيكسون للرئاسة عن أي أفكار قدمها للإدارة، فقال: “إذا منحتموني أسبوعاً فقد أفكر في أمر واحد”. وهذا منتهى الظلم. نيكسون أكثر خبرة وثقافة من الجنرال أيزنهاور. وكان، بصرف النظر عن غلطة ووترغيت، من أهم رؤساء أميركا، فضلاً عن المؤلفات التي أصدرها بعد الاستقالة. جورج بوش الأب عمل نائباً للرئيس رونالد ريغان، لكنه كرئيس صاحب خبرة ورؤية صنع حرب “عاصفة الصحراء” التي أخرجت صدام حسين من الكويت وفتحت باب “نظام عالمي جديد”. الرئيس أنور السادات كان واحداً من نواب الرئيس جمال عبد الناصر، غير أنه مارس رئيساً سياسة مختلفة عن سياسة عبد الناصر.
ولا شيء يوحي بأن بايدن يمكن أن يكون نسخة من أوباما، أقله في موضوع الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحب منه الرئيس دونالد ترمب. فلا حساباته هي حسابات أوباما الذي أمر وزير خارجيته جون كيري بإنجاز الاتفاق من دون التوقف أمام الرفض الإيراني للبحث في أي موضوع خارج الملف النووي. إذ كان أوباما يراهن على صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر وتونس وسوريا إلى جانب حكم رجب طيب أردوغان في تركيا بحيث يشكلون قوة “تسيطر على التطرف الأصولي” وتقيم نوعاً من التوازن السني مع قوة إيران الشيعية، فترتاح أميركا من الشرق الأوسط للاتجاه إلى الشرق الأقصى حيث الثروة الجديدة واللعبة الجيوسياسية الكبيرة. وهو رهان سقط بإسقاط حكم الإخوان في مصر، وقوة المجتمع التونسي، والدخول العسكري الروسي في سوريا. ولا الظروف هي نفسها، حيث تنتقل إيران إلى سيطرة المتشددين على مجلس الشورى وقريباً على الرئاسة، وقت انتقال البيت الأبيض إلى قوة “الاعتدال”.
فضلاً عن أن ترمب رفع سقف المطالب الأميركية، بحيث صارت فرنسا وبريطانيا وألمانيا تطرحها قبل الحديث عن موقف بايدن. والرئيس حسن روحاني رفع سقف المطالب الإيرانية. وبايدن يريد التفاوض من جديد على الاتفاق لسد النواقص فيه، خصوصاً لجهة “بند الغروب” المتعلق بمدة محددة للحظر، كما على الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيراني “المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط. وروحاني يريد عودة بايدن إلى الاتفاق كما هو رافضاً فتح باب التفاوض عليه، ومطالباً برفع العقوبات الأميركية ودفع تعويضات لإيران عن الأضرار التي تسببت بها سياسة “الضغط الأقصى”. والمرشد الأعلى علي خامنئي الذي حدد معادلة “لا حرب ولا مفاوضات” مع أميركا، لا يزال متمسكاً بمبدأ “العداء لأميركا من أسس الثورة” والنفوذ الإقليمي وتصدير الثورة وتطوير الصواريخ الباليستية هي من الثوابت.
وليس بين التوقعات بالطبع أن يتبنى بايدن دعوة أريك أدلمان وراي تقية في “فورين أفيرز” إلى “الثورة الإيرانية الثالثة”، أي دعم تحرك المعارضين لإسقاط النظام، بعدما “فشلت محاولات أميركا لتغيير سلوك النظام سواء بالضغوط أو بالإغراءات”. لكن، من الصعب تصور بايدن يترك إيران تتمدد في المنطقة على حساب السعودية وبقية دول الخليج واليمن والعراق وسوريا ولبنان بما يهدد المصالح الأميركية ومصالح الحلفاء. صحيح أنه يتحدث عن الحاجة إلى “تغيير المسار بسرعة”. لكن الصحيح أيضاً أن التغيير ليس في حماية المصالح الحيوية والاستراتيجية بل في وسائل الحماية. وليس أكثر من القراءات المتسرعة في سياسة بايدن الخارجية سوى القراءات الخاطئة عن جهل أو عن قصد.