بقلم: هشام ملحم
الشرق اليوم- غادر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، البيت الأبيض، يوم الأربعاء، للمرة الأولى منذ أسبوع، لزيارة المقبرة الوطنية في آرلنغتون في مناسبة عيد المحاربين القدامى، بعد أن كتب في تغريدة بالأحرف الكبيرة “سوف ننتصر”. ولكن كل المؤشرات، وآخر نتائج عمليات فرز الأصوات تؤكد العكس، عدا عن سلوك البيت الأبيض وإجراءاته وحملة ترامب لجهة الدعاوى والشكاوى حول حدوث أعمال تزوير في الانتخابات. فقد تبين أن الجمهوريين لا يملكون الأدلة الملموسة التي يمكن تقديمها للمحاكم كأساس للطعون بصدقية الانتخابات.
ولهذه الأسباب، تقول مصادر مختلفة في البيت الأبيض في تسريبات للصحف، إن ترامب يقول للمقربين منه أنه يفكر في الترشح للرئاسة مرة أخرى في 2024، ما يعني أنه يدرك أن فرصه بتغيير نتائج الانتخابات أصبحت معدومة. بعض المصادر في البيت الأبيض تقول بصراحة إن الجهود والدعاوى الرامية الى تغيير نتائج الانتخابات لن تؤدي الى أي نتيجة، ويشيرون في هذا السياق الى عدد الدعاوى التي رفضت المحاكم النظر فيها لأنها تفتقر الى الأدلة المطلوبة لدعم تهم التلاعب بالنتائج أو عمليات التزوير. وللمرة الأولى منذ وصوله الى البيت الأبيض لم يتحدث ترامب علناً خلال أسبوع، إذ يقضي وقته في اجتماعات مع المقربين منه وفي اتصالات هاتفية مع أصدقائه، وما يرشح عنه علناً، هو ما نقرأه في تغريداته على شبكة “تويتر” او في البيانات التي تصدر باسمه.
وأظهرت هذه التسريبات أن الأجواء قاتمة في البيت الأبيض، وزاد من وطأتها إصابة عدد من المسؤولين البارزين بفيروس كورونا، ومن بينهم مدير البيت الأبيض مارك ميدوز، وقناعة بعض المسؤولين في البيت الأبيض وحملة ترامب بأن المحاكم لن تغير الخريطة الانتخابية التي تبيّن أن بايدن المتقدم في الولايات التي تستمر فيها عمليات الفرز مثل جورجيا ونيفادا وأريزونا سيحافظ على هذا التقدم حتى حين تتم إعادة فرز بطاقات الاقتراع باليد كما قررت ولاية جورجيا. أما في ولاية بنسلفانيا، التي لا يمكن للرئيس ترامب أن يبقى في البيت الأبيض إذا لم يفز فيها، فقد أظهرت آخر نتائج الفرز أن الأكثرية التي يتمتع بها بايدن في هذه الولاية الغنية بأصواتها في المجمع الانتخابي قد زادت على خمسين الفاً، ما يعني أن من المستحيل أن تؤدي إعادة فرز الأصوات فيها الى تغيير النتائج. التسريبات عكست أيضاً مشاعر الإحباط التي يشعر بها العديد من المسؤولين في البيت الأبيض وحملة ترامب حول مستقبلهم الشخصي، اذ بدأ بعضهم البحث عن وظائف بديلة، بخاصة أن الحملة سرحّت العديد من العاملين فيها.
وحتى الآن اعتمدت أكثرية أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين موقف ترامب الرافض الاعتراف بنتائج الانتخابات، والمصّر على إعادة فرز الأصوات، وتفادوا الاتصال بالرئيس المنتخب بايدن خوفاً من إغضاب ترامب الذي لا يزال يسيطر بقوة على القاعدة الجمهورية التي لا يريدون خسارتها. ومع ذلك بدأت بعض الأصوات الجمهورية داخل واشنطن وخارجها التعبير عن انزعاجها واستيائها من سلوك ترامب المخالف للتقاليد والأعراف والقيم الديموقراطية، وكان من بينها حاكم ولاية ماساتشوستس تشارلي بيكر الذي انتقد ادعاءات ترامب تزوير الانتخابات قائلاً إنه “لا أساس لها” كما انتقد استخدام ترامب وزارة العدل لمحاولة عرقلة عمليات الفرز. كما قال حاكم ولاية مريلاند إن تصرفات ترامب “خطيرة للغاية” مشيراً الى أن ترامب يتصرف بهذا الشكل وسط جائحة وعلى خلفية انهيار اقتصادي ووفيات كثيرة.
وأعلن السناتور الجمهوري جيمس لانكفورد أنه سيتدخل بصفته عضواً في اللجنة التي تشرف على عمل الحكومة لضمان حصول الرئيس المنتخب بايدن على الايجازات الاستخباراتية وفقاً للأعراف، قائلاً إنه لن يكون هناك أي ضرر من إعطاء بايدن هذا الحق، بغض النظر عن النتائج الأخيرة للانتخابات. وهناك مخاوف من أن تؤدي أوامر الرئيس ترامب الى مختلف الأجهزة الحكومية لكي لا تتعاون مع الرئيس المنتخب وفريقه وإبقائهم في الظلام لجهة المعلومات التي يريدونها من الأجهزة البيروقراطية والاستخباراتية، الى إلحاق أضرار كبيرة بقدرة الرئيس المنتخب وفريقه على القيام بواجباتهم بفعالية. وكانت اللجنة التي حققت في الهجمات الإرهابية التي وقعت في أيلول (سبتمبر) 2001 ذكرت أن تأخر الرئيس المنتخب جورج بوش الابن في سنة ألفين، في البدء بتشكيل حكومته وتسمية كبار العاملين فيها بسبب التأخر في حسم نتائج انتخابات ولاية فلوريدا، ربما ساهم في الإخفاقات الاستراتيجية التي لم تكشف التخطيط عن الهجمات.
بدأ الرئيس المنتخب جوزف بايدن، من جهته، تسمية فريقه وأعلن عن تعيين رون كلاين مستشاره السابق مديراً للبيت الابيض. وكان كلاين الذي خدم في السابق في إدارة الرئيس بيل كلينتون، عمل مديراً لمكتب بايدن عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما. وكان كلاين من المسؤولين الذين ساهموا في معالجة الأزمة الاقتصادية التي هزت البلاد وورثها الرئيس أوباما ونائبه بايدن في 2009، كما كان مسؤولاً في 2014 عن مكافحة جائحة أيبولا. وفي الأشهر الماضية كان كلاين من أبرز منتقدي أداء الرئيس ترامب في معالجة جائحة كورونا في البرامج الحوارية التلفزيونية.
وكان بايدن قال إنه سيعين بعض المسؤولين لأبرز المناصب في إدارته، قبل نهاية الشهر الجاري، وتبين التكهنات أن معظم المرشحين لهذه المناصب الحساسة هم من بين الذين عمل معهم بايدن خلال سنواته نائباً للرئيس أوباما. ومن بين الأسماء المرشحة لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه)، المسؤول السابق توم دونيلون الذي كان مستشاراً لشؤون الأمن القومي للرئيس أوباما، والذي تربطه علاقة قديمة ببايدن. كما يتم تداول اسم مايك موريل، النائب السابق لمدير (سي آي أيه) ومديرها الموقت.
وتشمل الأسماء المتداولة لوزارة الدفاع، ميشيل فلورنوي التي شغلت مناصب بارزة في وزارة الدفاع وكانت من بين مستشاري بايدن للشؤون الأمنية والعسكرية خلال الحملة.
وفلورنوي هي من أبرز المحللين الاستراتيجيين الديموقراطيين في واشنطن، ولها حضور هام في المناقشات الاستراتيجية التي تجري في أوساط مراكز الأبحاث في العاصمة الأميركية. ويعتبر أنطوني بلينكين الذي كان مساعداً لبايدن حين كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ثم خدم كمستشار لبايدن للشؤون الخارجية بعد انتخابه، من أبرز المرشحين لمنصب مستشار الأمن القومي. ويعتبر وليام بيرنز الذي كان نائباً لوزير الخارجية، وسفيراً في روسيا والأردن من أبرز المرشحين لوزارة الخارجية. ومنذ تقاعده من السلك الدبلوماسي يخدم بيرنز، الذي يحظى بتقدير كبير في الأوساط السياسية في واشنطن كرئيس لمؤسسة كارنغي للسلام العالمي، وهي من أبرز مراكز الأبحاث الأمريكية.
المصدر: النهار العربي