الرئيسية / مقالات رأي / بايدن الرّئيس الـ46 لأمريكا… تحدّيات كبيرة أوّلها المرحلة الانتقاليّة

بايدن الرّئيس الـ46 لأمريكا… تحدّيات كبيرة أوّلها المرحلة الانتقاليّة

بقلم: هشام ملحم

الشرق اليوم- انتخب الأمريكيون جوزف بايدن، الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة بعد معركة انتخابية، اتّسمت بشراسة غير معهودة، وجرت في ظل جائحة كورونا التي قضت على أكثر 230 ألف أمريكي، وتسبّبت بأزمة اقتصادية لا تزال البلاد غارقة فيها، ووسط اضطرابات سياسية وتوترات عنصرية عمّقت الاستقطابات السياسية والثقافية في البلاد التي استغلها وحاول الاستفادة منها الرئيس ترامب خلال السنوات الأربع الماضية. وبعد أربعة أيام من الترقب التي تم خلالها فرز الأصوات في عدد ضئيل من الولايات، أعلنت مختلف وسائل الإعلام الرئيسية في البلاد، ظهر السبت، فوز بايدن بولاية بنسلفانيا مسقط رأسه، بأصواتها العشرين في المجمع الانتخابي، ما أعطاه الأكثرية المطلوبة للفوز.

وفور الإعلان عن الخبر، نزل الأمريكيون عفوياً الى شوارع كبريات المدن من نيويورك وواشنطن في شرق البلاد الى شيكاغو ومينيابوليس في وسط البلاد الى أتلانتا في الجنوب والى لوس أنجليس وسان فرانسيسكو في الغرب، ليرقصوا ويغنوا على وقع الأغاني الاحتفالية وعلى وقع قرع الطناجر من شرفات المنازل. وفي الساعات التي أعقبت تسمية المرشح بايدن، الرئيس المنتخب، دعا بايدن الأمريكيين لتخطي خلافاتهم المريرة ومد يده للجمهوريين في الكونغرس للتعاون معهم، وواعدا أولئك الذين لم يصوّتوا له بأنه سيكون رئيسهم الذي يحمي مصالحهم.

ولكن الرئيس ترامب تمسّك بإنكاره للواقع، وواصل اتهام الديموقراطيين بتزوير الانتخابات، ولم يبد أي مؤشرات بأنه سيعترف بخسارته أو أنه سيتعاون مع بايدن وفريقه لتحقيق انتقال سلمي للسلطة أو التعاون مع بايدن خلال الفترة الانتقالية التي تسبق تنصيب بايدن في العشرين من كانون الثاني (يناير ) المقبل.

وتزامن الإعلان عن فوز بايدن وبدء الاحتفالات الشعبية مع وجود الرئيس ترامب في ناد لرياضة الغولف يملكه في شمال ولاية فيرجينيا التي تحدّ العاصمة. وكانت هذه الزيارة الرقم 209 التي يقوم بها ترامب لممارسة لعبة الغولف منذ انتخابه.

وتجمّع مئات المحتفلين حول البيت الأبيض، الذي أقيم حوله جدار أبيض مؤقت، يحملون لافتات كتب فيها “مطرود” و”ما أجمل التخلص منك” و”نهاية ترامب”. واستخدمت الشرطة السرية الجرافات لإبعاد المحتفلين عن مداخل البيت الأبيض للسماح لموكب الرئيس بالعودة الى مقره الذي يفترض أن يغادره بعد 72 يوماً. ولكن ترامب واصل رفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات، وجدّد اتهاماته التي لا أساس لها للديمقراطيين بسرقة الانتخابات، وغّرد غاضباً وبأحرف كبيرة “لقد فزت بالانتخابات، وحصلت على 71 صوتاً شرعياً”، متجاهلاً حقيقة فوز بايدن بأكثر من 74 مليون ناخب، واقترابه من الفوز بـ306 أصوات في المجمع الانتخابي. ولاحقاً أصدر البيت الأبيض بياناً باسم ترامب جدد فيه تحدي النتائج: “هذا السباق لا يزال بعيداً عن نهايته”، وتعهد بمواصلة تحدي النتائج في المحاكم “الى أن يتم تحديد الفائز”. وطالبت حملة ترامب من مموّليها التبرّع بالمزيد من المال لتمويل التحديات والطعون، وكذلك الاستعداد للمشاركة في الاحتجاجات في الشوارع. 

وجاء انتخاب بايدن بعد سنة من النشاطات الانتخابية التي كبا فيها بايدن أكثر من مرة ومُني فيها بنكسات في الانتخابات الحزبية الأولية، في مواجهاته مع مرشحين يمثلون الجناح اليساري والتقدمي في الحزب، قبل أن يحقق سلسلة من الانتصارات كمرشح وسطي معتدل. في بداية السباق، توقع الكثير من المراقبين أن ينسحب بايدن بسرعة كما فعل عندما ترشّح للرئاسة للمرة الأولى في 1988، وفي الثانية في 2008. وساهم الدعم الواسع الذي حظي به بايدن من الأمريكيين الأفارقة في نجاحه في الانتخابات الحزبية، وأيضاً في فوزه بالانتخابات العامة.

وتزامن الإعلان عن فوز بايدن مع الذكرى الثامنة والأربعين لفوزه لأول مرة في السباق لعضوية مجلس الشيوخ في 1972. وفوزه بالانتخابات مع كمالا هاريس، جعل هذه الانتخابات تاريخية بالفعل لأنها المرة الأولى التي ينتخب فيها الأمريكيون امرأة لمنصب نائب الرئيس، من أبوين مهاجرين من الهند وجامايكا.

ومساء السبت، خاطب بايدن وهاريس الأمريكيين من ولاية ديلاوير التي مثلها بايدن في مجلس الشيوخ لأكثر من 36 سنة. وقالت هاريس “قد أكون المرأة الأولى في هذا المنصب، ولكنني لن أكون الأخيرة، لأن كل فتاة صغيرة تراقب ما يحدث هذا المساء ترى أن هذه هي بلاد الاحتمالات”. وتطرقت هاريس الى تاريخ نضال المرأة في الولايات المتحدة للحصول على حقوقها الكاملة، وقالت إنها تقف على أكتاف جميع النساء اللواتي سبقنها. وأضافت هاريس أن بايدن سيبلسم جراح البلاد، ويقود البلاد لعبور التحديات التي تواجهها.

وألقى بايدن خطاباً وفاقياً خلا من التشفي والمشاعر الانتصارية، ولم يتطرّق فيه الى تصلب ترامب، وقدم فيه غصن الزيتون الى الجمهوريين وحضّهم على تخطي “السجال القاسي” وإنهاء “حقبة الشّيطنة الداكنة”. وتابع بايدن “ولتحقيق التقدم، علينا أن نتوقف عن معاملة منافسينا على أنهم أعداؤنا” قبل أن يقتبس من سفر الجامعة من العهد القديم “الإنجيل يقول لنا، لكل شيء زمان، وقت للبناء، ووقت للحصاد، ووقت للغرس، ووقت للشفاء. وهذا هو وقت الشفاء في أمريكا”.

وقال بايدن، الذي سيكون في الثامنة والسبعين حين إدلائه بقسم اليمين في العشرين من كانون الثاني، ما يجعله أكبر رئيس أمريكي يدخل الى البيت الأبيض، إن احتواء جائحة كورونا سيكون الهدف الأول على قائمة أولوياته، حيث سيعيّن، يوم الاثنين، فريقاً من الخبراء والعلماء لخلق خطة عمل ليبدأ العمل فيها فور وصوله الى البيت الأبيض. وفي هذا السياق قدم بايدن، وهو ثاني رئيس كاثوليكي ينتخبه الأمريكيون بعد جون ف. كينيدي، تعازيه لعائلات ضحايا الجائحة، مقتبساً من ترنيمة كاثوليكية اسمها “على أجنحة النسر”، وقائلاً: “سوف أبذل كل جهودي من دون استثناء لاحتواء هذه الجائحة”.

وسوف يرث بايدن بلاداً مجروحة ومنقسم بعضها على بعض، وعاشت لأربع سنوات في ظل رئيس خالف وناقض معظم أعرافها وقيمها التقليدية وحتى بعض قوانينها، وألحق أضراراً كبيرة بسمعتها ومكانتها الدولية، ومن هنا تشديده في كلمته على محاولة استعادة احترام العالم لأمريكا. ولكن بايدن الذي ورث مع الرئيس أوباما كنائب له في عام 2008 أزمة اقتصادية ضخمة، سوف يكون مؤهلاً لتحمل هذه المسؤولية الجديدة، كما أن خبرته الطويلة كعضو في مجلس الشيوخ، وهو الذي يعرف معظم أعضائه من الحزبين، قد تساعده على تخفيف حدة معارضة الجمهوريين لبرامج أي رئيس ديموقراطي.

وكان بايدن وهاريس قد بدآ قبل فوزهما بالانتخابات بعملية تشكيل فريقهما الانتقالي، لتسمية المسؤولين الكبار في حكومته، وتحضير الوثائق والأوراق والخطط لمعالجة القضايا الملحة التي ستواجههما بعد الوصول الى البيت الأبيض. وعادة تتّسم هذه الفترة الانتقالية بالتعاون بين فريق الرئيس المنتخب وفريق الرئيس في البيت الأبيض. وإذا استمر الرئيس ترامب على عناده برفض التعاون مع بايدن وفريقه، فإن ذلك سيكون سابقة سوف تزيد من صعوبة المرحلة الانتقالية. ولا أحد يعلم بأي درجة من اليقين ما الذي سيفعله الرئيس ترامب، الذي سيبقى الرئيس الشرعي للبلاد خلال الأسابيع العشرة المقبلة، داخلياً وخارجياً. انعدام اليقين هذا، قد يتحوّل الى أول تحد يواجهه الرئيس الأمريكي المنتخب. رسمياً، مُني ترامب بأسوأ وأوجع هزيمة في حياته، ولكنه، نظرياً ومؤقتاً على الأقل، لا يزال قادراً على تحدي الشعب الأمريكي الذي هزمه.

المصدر: النهار العربي

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …