الشرق اليوم- قبل أربع سنوات، خسرت هيلاري كلينتون الانتخابات الرئاسية عندما انهار “الجدار الأزرق” للحزب الديمقراطي بصورة غير متوقعة في شمال الغرب الأوسط. لكن هذه المرة، فعل جو بايدن ما يكفي لإعادة بناء جدار انتخابي متأرجح منحه ميزة في محاولته للاستحواذ على البيت الأبيض.
في عام 2016، جاءت انتصارات دونالد ترامب بفارق ضئيل في ولايات ميتشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن (واقترابه من الفوز في مينيسوتا) بسبب ضعف الإقبال الإجمالي والاندفاع المتأخر للدعم من الناخبين المستقلين الذين لم يحسموا أمرهم في السابق. وكان من بين هؤلاء عمالٌ من ذوي الياقات الزرقاء، وأناسٌ يعيشون في المناطق الريفية ولا يحملون شهادات جامعية. وعلى النقيض من ذلك في هذا العام، فإن الزيادة العامة في أعداد في جميع الناخبين -ولا سيما بين أولئك الذين يحفزهم هدف الإطاحة بترامب- يفسّر التحول المحتمل لصالح الديمقراطيين.
أولاً، احتفظ بايدن بولاية مينيسوتا بفارقٍ كبير. وبعد فترة من التأخير، استولى على ويسكونسن بتقدم طفيف لا يتجاوز 20 ألف صوت. وقد كانت هذه الولاية تقدّم نتائج مُقلقة في الانتخابات بصورة متكررة خلال العقدين الماضيين. ثم فاز في ولاية ميتشيغان، بهامش أكثر إراحة، وذلك بعد حساب الأصوات البريدية هناك في 4 نوفمبر، الأمر الذي أدى إلى قلب التفوق المبكر (والمثير للأعصاب بالنسبة للديمقراطيين) الذي كان دونالد ترامب قد حققه. فسعت الجهود القانونية التي قام بها ترامب في اليوم نفسه إلى تعليق حساب الأصوات هناك. وقال بايدن بهذا الشأن: “بعد ليلة طويلة من العدّ، نعقد أنه من الواضح أننا سنكون الفائزين عند انتهاء عد الأصوات”.
وفي هذه المرة، جاء الفارق الضئيل في الولاية لصالح المرشح الديموقراطي. وبالنظر إلى النتائج المحتملة في الأماكن الأخرى -بما في ذلك الحصول على صوت ديمقراطي واحد من نبراسكا- بدا أن النجاح في ولايتي ويسكونسن وميتشيغان فقط كان كافياً لحصول بايدن على 270 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي المطلوبة للوصول إلى البيت الأبيض. وقد كان الأمر كذلك حتى بدون نتيجة ولاية بنسلفانيا المجاورة (التي تملك 20 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي) حيث كان ترامب متقدماً في عدد الأصوات بالإضافة إلى التأخير في عد الأصوات البريدية -التي يُعتقد أنها غالباً ما تفضّل الديمقراطيين- الأمر الذي ترك الأمور غير مؤكدة.
لم يكن طريق بايدن للوصول إلى هذه النقطة سهلاً على الإطلاق. ففشله في الاستيلاء على فلوريدا (التي لديها 29 صوتاً) من ترامب –بسبب نفور الناخبين اللاتينيين من أصل كوبي وفنزويلي من الحزب الديمقراطي- جعله بحاجة إلى الفوز في ولايات أخرى. لكنه نجح في الحصول على أريزونا (11 صوتاً)، حيث كسب الديمقراطيون أيضاً مقعداً في مجلس الشيوخ. وفسّر ذلك تحقيق مكاسب كبيرة في الأصوات لصالح الديمقراطيين في فينيكس وما حولها. لكن آمال الديمقراطيين الأولى في احتمال انتزاع ولاية كارولينا الشمالية أو حتى تكساس من ترامب أثبتت خطأها. وبحلول بعد ظهر يوم 4 نوفمبر، ظلت آمال الديمقراطيين معقودة على جورجيا، حيث يشير عد الأصوات البريدية نظرياً إلى أن بايدن يمكنه التغلب على تقدم الرئيس.
ما سيأتي بعد ذلك ليس سهلاً. فبدايةً، سوف تتدفق الكثير من الدعاوى القانونية، حيث يحاول الجمهوريون إبطال الميزة التي يتمتع بها بايدن. إذ سعوا بالفعل إلى إعادة فرز الأصوات في ولاية ويسكونسن، حيث يمكن أن يفعل الطرف الخاسر ذلك عندما يكون الفارق أقل من نقطة مئوية واحدة. وقد حدثت عمليات إعادة الفرز هذه من قبل في الولاية خلال العقدين الماضيين، إلا أنها لم تغير النتائج الإجمالية. وستأتي المزيد من التحديات في أماكن أخرى. وفي هذه الأثناء، يحاول ترامب ومندوبوه -من خلال مزاعمهم المتكررة عن سوء المعاملة أو سوء فرز الأصوات دون تقديم أدلة- إثارة المواجهة والشك بشأن نتيجة الانتخابات. وال ترامب في أحد الأوقات: “سنذهب إلى المحكمة العليا الأمريكية… نريد أن يتوقف التصويت كله”. وأشار خبراء قانونيون -وبعضهم من الحزب الجمهوري- أن ذلك سيكون مستحيلاً.
ما الذي أضعف حظوظ ترامب في الغرب الأوسط؟ أشارت استطلاعات الرأي دائماً إلى أنه في مأزق، لكنها تبدو الآن مخطئة للغاية. ففي جميع الأحوال، كانت حملته قوية بما يكفي لجعل النجاح فيها قريباً. وعلى عكس الديمقراطيين الخائفين من الجائحة، طرق متطوعوه أبواب آلاف الناخبين رغم الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بفيروس كورونا في المنطقة. كما أن الفعاليات الجماهيرية العامة التي أقامها أشعرت مؤيديه بالحماس، حيث أقام خمس تجمّعات انتخابية في ويسكونسن في الأسبوعين الماضيين، كان أحدها في كينوشا في 2 نوفمبر. ولم يتردد الناخبون من الهتاف له في مراكز الاقتراع يوم الانتخاب في ميلووكي وما حولها، كما أشادت ممرضة في كينوشا بطريقة تعامله مع الجائحة. وحتى أن بعض مؤيدي الحزب الديمقراطي أشادوا به بشأن الاقتصاد.
كان التغيير الحاسم هو زيادة الإقبال إلى حد كبير -لا سيما في المدن- مدعوماً في الزيادة الكبيرة في التصويت المبكر وعبر البريد. حيث أن تراجع الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم والمستقلين ساعد الديمقراطيين هذه المرة. وأدى الغضب جراء الجائحة، والرغبة في الإبقاء على قانون الرعاية الصحية الميسرة (المعروف باسم “أوباما كير”)، والاستياء (خاصة بين النساء) من سلوك ترامب الشخصي، إلى خروج الناخبين المناهضين لترامب للإدلاء بأصواتهم. فحشد الديمقراطيون دعماً هائلاً في المقاطعات التي تضم المدن الكبرى، مثل دين وماديسون في ولاية ويسكونسن. ورغم حشد ترامب المزيد من المؤيدين في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، إلا أنه لم يستطع مواكبة ذلك.
اتضح أن بايدن كان المرشح المناسب للغرب الأوسط، لا سيما عندما تحدّث عن الطبقة العاملة والحاجة إلى توفير المزيد من الوظائف. ويقول دان كوفمان، الذي يكتب عن الاتجاهات الاجتماعية والسياسية في الغرب الأوسط، إن أحد استطلاعات الرأي في ميتشيغان أشار إلى أن 61 في المئة من الأسر النقابية هناك صوتت لصالحه، ما يمثل زيادة بنحو عشر نقاط عن كلينتون قبل أربع سنوات. وساعده أيضاً أن حملته الممولة بسخاء غالباً ما تجاوزت ترامب في الإنفاق على الإعلانات عبر التلفاز والوسائل الأخرى.
وقدم المرشح الديموقراطي أداء جيداً مع الأمريكيين من أصول إفريقية في الغرب الأوسط. فبعد صيف مليء بالاحتجاجات الكبيرة على إطلاق الشرطة النار على الشبان السود -في كينوشا على سبيل المثال- ووفاة جورج فلويد في مينيابوليس خنقاً، اندفع الكثيرون إلى التسجيل في الانتخابات والمشاركة في التصويت. ولم يساعد استخدام ترامب لهذه اللحظات في محاولة إثارة الخوف من انهيار القانون والنظام في الضواحي، وذلك بين الناخبين غير البيض على الأقل. وفي مدن مثل ميلووكي وديترويت التي يعيش فيها عدد كبير من الناخبين الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، تفوق بايدن على الرقم القياسي المسجل في عام 2016.
لا ينبغي أن يجعل كل هذا الديمقراطيين يشعرون بالتفاؤل. فقد كان أداؤهم أسوأ بكثير مما أشارت إليه استطلاعات الرأي في العديد من الولايات. حيث فشلوا فشلاً ذريعاً في أوهايو التي فاز فيها ترامب بفارق ثماني نقاط، وهو نفس الهامش الذي فاز به قبل أربع سنوات. وفي سباقات مجلس الشيوخ في المنطقة، كان أداء الديمقراطيين ضعيفاً أيضاً. حيث حققت جوني إرنست -العضوة في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري- فوزاً مُريحاً في ولاية أيوا بعد أن وقف معها الناخبون في الأرياف والمناطق الزراعية. بينما عانى غاري بيترز -عضو مجلس الشيوخ الحالي عن ولاية ميتشيغان- بصورة غير متوقعة قبل أن يتقدم بفارق ضئيل على منافسه الجمهوري، جون جيمس، الأمريكي من أصل إفريقي.
لا شيء من هذا يرقى إلى أن يتمكن الديموقراطيون من إعادة بناء جدارهم الأزرق الأسطوري. وبدلاً من ذلك، أثبتت الانتخابات مرة أخرى أن الغرب الأوسط لايزال ساحة مُتنازعاً عليها بشدة لأنه موطن العديد من الولايات المتأرجحة، وغالباً ما تكون النتائج فيه متقاربة بدرجة مؤلمة. ربما ينتهي الأمر بتسليم الغرب الأوسط الرئاسة إلى بايدن، لكنه لم يرفض ترامب رفضاً مُطلقاً.