بقلم: محمد كريشان – القدس العربي
الشرق اليوم- عندما يتصفح القارئ هذا العدد صباح الأربعاء لن تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد باحت بكل أسرارها ولا النتائج الأولية بدأت في الظهور على الأرجح، لكن ذلك لا يحول دون الوقوف عند بعض الظواهر الخطيرة التي خلّفتها أو ستخلفها هذه الانتخابات.
أول هذه الظواهر، ليس فقط التشكيك المتلاحق من ترامب في نزاهة العملية الانتخابية بل وتكرار اتهاماته باحتمال تزويرها. يحدث ذلك في «بلد المؤسسات وقلعة الديمقراطية وزعيمة العالم الحر» وبالتالي فإن مجرد تجرؤ ترامب المتكرر على الطعن في الانتخابات، حتى قبل ظهور نتائجها، إنما هو طعن في أثمن ما تفخر به أمريكا.
لعل البعض نسي أن اتهامات ترامب هذه ليست جديدة فقد فعل الشيء نفسه في الانتخابات التي فاز بها قبل أربع سنوات على حساب هيلاري كلينتون، مما يجعل من مثل هذا التشكيك سلاحا ثابتا لديه تحسبا لأي هزيمة.
التذكير هنا جيد بل وضروري للغاية فقبل أربع سنوات كتب ترامب على حسابه في «تويتر» أنه «بالطبع يوجد تزوير للأصوات على نطاق واسع حاليا، وقبل يوم الانتخابات» مؤكدا في مناسبة أخرى أن «الانتخابات يجري تزويرها حتما من قبل وسائل إعلام غير أمينة ومشوهة تؤيد هيلاري، وأيضا في كثير من أماكن التصويت. أنا حزين». لم يكتف وقتها بذلك بل إنه استهجن ما لاقته أقواله عن التزوير من ردود حتى داخل حزبه الجمهوري صارخا فيه وقتها «لماذا ينكر زعماء الحزب الجمهوري ما يجري؟ (من تزوير) إنهم سذج للغاية» مما حدا بصحيفة «نيويورك تايمز» وقتها إلى استنكار صمت هؤلاء الزعماء وعدم تشهيرهم بقوة باتهامات ترامب بالتزوير واكتفائهم بمجرد الإعراب عن ثقتهم في النظام السياسي والانتخابي للولايات المتحدة، حتى أنها شبهت مثل هذا الموقف بمن يعاين الحريق في بيته يلتهم كل شيء وهو لا يفعل سوى الإعراب عن ثقته بأن رجال المطافئ سيصلون في الوقت المناسب!!».
ترى ماذا يمكن لهذه الصحيفة العريقة أن تكتب الآن بعد تجدد اتهامات ترامب بالتزوير، والإلحاح عليها في كل مناسبة، وهي التي كتبت قبل أربع سنوات كاملة في افتتاحيتها أن «الأوان قد يكون فات بالنسبة إلى الحزب الجمهوري لإنقاذ نفسه من كارثة دونالد ترامب المتدحرجة، لكن كبار زعماء هذا الحزب ما زال أمامهم واجب رفع أصواتهم لإنقاذ البلد من خطبه المستهترة»؟!!.
سواء كسب ترامب السباق الرئاسي أو خسره، فإن ما سيتركه من آثار أو ندوب في الحياة السياسية ليس بالهين على الاطلاق
إذن أسلوب ترامب هذا قديم وهو «تكتيك ثابت» تحسبا لأي هزيمة لكنه إن فاز فلن يحرك به لسانه ثانية، رغم أنه يكون قد ترك في الأثناء من الإساءات والحط بالقانون الانتخابي الشيء الكثير مما لا يمكن أن يمر دون أن يترك ندوبا هنا وهناك.
الخطير الآن وبعد أربع سنوات من حكمه، لم يعد المشكل في شخص ترامب فقط بل في ما شكّله طوال هذه الفترة من أنصار متعصبين له من ناحية، وما كرّسه داخل حزبه الجمهوري من انتهازية من ناحية أخرى جعلته يقبل أن يكون زعيمه رجلا بهذه الشعبوية.
كثيرون في الولايات المتحدة أعربوا في الأشهر الماضية، وأمام تصاعد عجرفة ترامب وحماسة أنصاره وعنفهم، عن تخوفات شديدة من أن البلد قد يشهد أعمال عنف واسعة إن خسر ترامب ودعا الجموع المؤيدة له للحيلولة دون حرمانه من نصر يراه سُرق منه، بل إن الأمر وصل بالكاتب المعروف توماس فريدمان إلى حد التحذير من امكانية اندلاع حرب أهلية.
عديد التحقيقات التلفزيونية أظهرت ما تخبئه مجموعات مسلحة من استعداد انتظارا لنتائج الانتخابات، ولأي كلمة من ترامب تأمرهم بالانطلاق في ما بيّتوا الأمر عليه، وهو مجهول إلى حد الآن. وحتى لو فاز ترامب، ما الذي يضمن أن هذا التيار العنيف الذي يسير بخطى حثيثة نحو تثبيت نفسه مؤثرا عنيفا في سير الانتخابات من خارج الأطر الدستورية والسلمية سيختفي من الساحة؟
وسواء كسب ترامب السباق الرئاسي أو خسره، فإن ما سيتركه من آثار أو ندوب في الحياة السياسية ليس بالهين على الاطلاق. هذا لا ينطبق فقط على تلك المجموعات المسلحة، ولا على الحزب الجمهوري الذي بدا حزبا هشا مستسلما لقيادته حتى من قِبل أكثر الشخصيات تطرفا وخواء في نفس الوقت، ولكنه ينطبق بالخصوص على ذلك التيار الشعبي الذي سيتركه ترامب كأبرز «إرث حقيقي» له. عندما نرى مثلا أن زهاء الــ 80٪ من البيض الإنجيليين البروتستانت سيصوتون لترامب، يمكن أن ندرك أن هؤلاء، ومن هم على نفس التوجه، لن يتراجعوا عن تبني ما عبّر عنه ترامب في سنواته الأربع في البيت الأبيض مع كل ما يعنيه ذلك من تيار خطير قد يبحث بعد ترامب عمن هو أكثر تطرفا منه.
هل ينذر ذلك بتبلور تيار فاشي أمريكي في المستقبل لا أحد يمكن أن يتنبأ بمدى خطورته ؟ هذا وارد، لكنه ليس أكيدا خاصة إذا برزت قريبا زعامات تحاول نزع فتيل الاشتعال وإبعاد أجواء الكراهية والعنصرية والإقصاء.