الشرق اليوم- لم تكن مشاهد إفراغ ساحات التحرير وسط بغداد من الخيم وفتح الشوارع المؤدية إليها في الذكرى الأولى لانطلاق الاحتجاجات الشعبية الأكبر في تاريخ العراق، إلا خطوة من قبل المتظاهرين تمهّد لدخولهم المعترك السياسي وتنظيم صفوفهم لخوض الانتخابات المقررة في يونيو (حزيران) المقبل.
فـ”شباب تشرين” (للدلالة على تاريخ انطلاق الثورة العراقية في أكتوبر الماضي)، وعلى الرغم من تعدد مشاربهم الفكرية، إلا أنهم توصّلوا إلى قناعة مفادها بأن استمرار الاحتجاجات من دون وجود كيان سياسي أو اجتماعي يمثلهم أمام المجتمع العراقي سيوثر سلباً في كل ما حققته الاحتجاجات من تحولات سياسية مهمة، تمثلت في إسقاط أول حكومة عراقية تُدار من قبل الميليشيات بشكل مباشر، وتبدلات اجتماعية، عبر نشوء جيل من الشباب الرافض للهمينة الإيرانية ومَن يمثلها في العراق، يرغب في الخروج من المحاصصة والطائفية وتحويل بلاده إلى دولة ناجحة.
إزاحة الطقم القديم
ومن هنا جاءت التحركات لإنشاء كيانات سياسية مختلفة قد لا تكون جميعها ممثلة بصدق لمطالب “حركة تشرين” الإصلاحية، لكنها تجسّد بداية مهمة لإزاحة جيل من السياسيين العراقيين الذين توقف بهم الزمن، وأصبحوا غير منسجمين فكرياً وسياسياً مع توجهات الجيل الجديد، بل تحولوا إلى تركة ثقيلة تهدد وحدة العراق ومستقبل شعبه.
وعلى الرغم من الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها الأحزاب والميليشيات ضد المتظاهرين، المتمثلة بمختلف أشكال التخوين والاتهامات بالعمالة وتهديدهم بالتصفية، مثلما حصل مع ناشطين كثر، إلا أن حراك قادة الاحتجاج أخذ منحىً أكثر جدية نحو تكوين وتشكيل كيانات سياسية عابرة ربما تكون الحصان الأسود في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
حراك جدي لتشكيل كيانات
وقال الصحافي الناشط في تظاهرات كربلاء طارق الطرفي إن “هناك حراكاً واسعاً في صفوف الناشطين لتشكيل كتل وحركات سياسية بهدف المشاركة في الانتخابات المقبلة، قسم منها في طور الإعلان”. وأضاف أن “هذه الأحزاب ستكشف عن أسمائها وخططها واستراتيجياتها خلال الأشهر المقبلة. وأرجّح أن تحظى هذه الأحزاب بمقبولية من قبل الجماهير، لا سيما أن قانون الانتخابات الجديد فسح المجال أمام شخصيات مستقلة لتكون منافساً قوياً في العملية الانتخابية المقبلة”.
وشكّل تراجع شعبية الأحزاب التقليدية في البلاد بحسب الطرفي، “فرصة مهمة أمام الشخصيات الشبابية الجديدة لكي تغازل الشارع العراقي بشعارات تمثل حاجاته الأساسية”، لكنه حذر بعض الناشطين “من الدخول في تحالفات مع بعض الأحزاب والكتل السياسية التي لها سمعة سيّئة في المجتمع”، إذ إن هذا الأمر قد يؤدي إلى فشلهم وعدم اختيارهم من قبل الجمهور.
“شباب تشرين” خياراتهم مفتوحة
وصرّح الناشط في ساحة التحرير موسى رحمة الله أن “شباب تشرين لم يقرروا بعد الدخول في الانتخابات أو الاستمرار بحركتهم الاجتماعية”، مشيراً إلى أن “الذين انضموا إلى أحزاب سياسية لا يمثلون الحركة”. وأضاف أن “شباب تشرين يركزون حالياً وفي المرحلة المقبلة، على إنشاء تيار اجتماعي فكري يغيّر نمطية الأفكار وتوجّهات العراقيين وفق مبدأ المواطنة”.
وتحدث رحمة الله عن “أن التشكيلات الموجودة حالياً من الشباب في الساحة السياسية، هي من التيار القريب من الحكومة، الذي انبثقت منه جبهة تشرين الداعمة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وهي لا تحظى بدعم المتظاهرين بشكل عام”.
وكانت مجموعة من الناشطين العراقيين أعلنت في 24 أكتوبر (تشرين الأول)، تشكيل كيان سياسي باسم “جبهة تشرين”. وبحسب البيان الصادر عنهم، فإن “تشكيل جبهة تشرين جاء لتنظيم عمل تنسيقيات التظاهرات في بغداد والمحافظات، وهي جبهة مفتوحة أمام جميع الجهات الوطنية”.
وعبّر رحمة الله عن اعتقاده أن “شباب تشرين سيعودون بشكل أقوى بعد خوض نقاشات عدة وتوحيد الجهود والرؤية”، متعهداً بعدم إنهاء الاحتجاجات إلا بموت أصحابها الذين يمثلون شريحة واسعة من الشعب العراقي. وتوقع “حصول مفاجئات جديدة من قبل شباب تشرين قد تتمثل في عودة الاحتجاجات في المستقبل القريب”.
خطوة متقدمة
بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن “تحرك عدد من تنسيقيات حركة تشرين في تأسيس كيانات سياسية وأحزاب، الغرض منها دخول الانتخابات وتكوين مشروع سياسي ممكن أن يمثل المتظاهرين”. واعتبر أن “إنشاء التحالفات خطوة إلى الأمام لأنها محاولة لكسر المعادلة التي حكمت النظام السياسي”.
وبشأن إمكانية بروز خلافات بين القوى السياسية الناشئة، أوضح أن “ذلك أمر وارد، لكن هناك قلقاً من أن تبرز بعض التيارات لأحزاب سياسية، ككيانات ظل لأحزاب تقليدية تستخدم عناوين ثورة تشرين، ما يجعل من الصعب التمييز في ما بينها”.
ورجّح الشمري أن يكون “نصف أعداد المسجلين في التحالفات الجديدة، كيانات رديفة لأحزاب كبيرة”.
تحالفوا مع القريبين منكم
من جانب آخر، دعت آيات المظفر، عضو ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الشباب الذين يرغبون في الدخول ضمن كتل وائتلافات سياسية أن “يختاروا أحزاباً قريبة من توجهاتهم شرط أن لا يكونوا أداة بيد هذه الأحزاب”. وأضافت أنه “من الضروري أن يكون هناك وعي لدى الشباب وأن ينظّموا صفوفهم ويختاروا شخصيات حقيقية لتشكيل تيار جماهيري يراقب العملية الانتخابية، ويضغط على البرلمان الجديد”.
وعن الأحزاب التي تشكّلت حديثاً، تساءلت المظفر عن “مصادر تمويل هذه الأحزاب وتوجهاتها، وهل هي فروع لأحزاب كبيرة؟ ما يتطلب من الشباب أن يكونوا على قدر كبير من الوعي في التمييز”.
المصدر: إندبندنت عربية