الشرق اليوم- ذهب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى أديس أبابا، الأحد، وهو بصدد التفكير في إيجاد مخرج لحل أزمة سد النهضة التي صعّدت فيها الحكومة الإثيوبية ووصلت بها إلى حافة الهاوية، بعد أن تجاهلت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي بدا فيها ممتعضا من موقفها، ومتفهما لرؤية مصر.
وبحث البرهان مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تطورات سد النهضة، بالتزامن مع استئناف المفاوضات على المستوى الوزاري، الأحد، بين مصر وإثيوبيا والسودان بوساطة الاتحاد الأفريقي، في محاولة قد تمثل فرصة أخيرة للتوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم لجميع الأطراف بشأن عملية الملء والتشغيل والمخاطر.
وقالت مصادر سياسية سودانية لـ”العرب” إن البرهان يحاول إعادة صياغة دور بلاده في هذه الأزمة، وتدشين مرحلة جديدة يصبح فيها السودان طرفًا يبحث عن مصالحه فقط، ما يحث أديس أبابا على تقديم تنازلات في المباحثات الجارية، استجابة لنصائح وتهديدات أميركية مبطنة، تتفهم استخدام مصر لآلتها العسكرية، إذا أرادت.
وربط مراقبون بين زيارة البرهان الحالية لأديس أبابا، وبين زيارته السابقة للقاهرة، حيث جاءت الزيارة الحالية بعد أقل من أسبوع، بما يشير إلى أن هناك رسائل مصرية حملها رئيس مجلس السيادة السوداني إلى القيادة الإثيوبية، تتضمن إشارات طمأنة وأخرى تحذيرية، بشأن التعامل مستقبلا مع الأزمة.
وحققت إثيوبيا إنجازا لافتا بنجاحها في إكمال المرحلة الأولى من ملء السد في يوليو الماضي، وتثبيت موقفها في التصرف بصورة أحادية، غير أن الخطوة كانت لها ارتدادات سلبية على مستوى مصر والسودان، ومستوى الدول التي دعمت المفاوضات ونصحت بالتوصل إلى تسوية بالتراضي.
واستثمرت الحكومة الإثيوبية في سد النهضة كمشروع قومي يمنحها قدرا من الشعبية ويخفف عنها بعض الأزمات، غير أن النجاح الذي حققته في الملء الأول لم يقلل حدة الاحتقانات المحلية، وباتت بين فكي رحى ضغوط مزدوجة، في الداخل والخارج.
وتمنح هذه الأجواء فرصة لتقدم البرهان في مهمة إنزال آبي أحمد تدريجيا من أعلى الشجرة، فمكوثه على الحافة سوف تترتب عليه تبعات غامضة، في ظل مواقف محلية وإقليمية ودولية متحفظة على رؤية أديس أبابا، التي فقدت ورقة إنحياز الخرطوم إليها، وظهرت مواقف حاسمة من الأخيرة جعلتها أقرب إلى القاهرة.
ومر السودان بثلاث مراحل في التعامل مع سد النهضة، في المرحلة الأولى كان مؤيدا له كمشروع اقتصادي وتنموي مفيد، وفي الثانية تعهدت الحكومة الانتقالية في الخرطوم بالقيام بدور الوسيط، وفي الأخيرة جمع السودان بين الطرف الأصيل والوسيط.
ويعتزم المكون العسكري في السودان، بقيادة البرهان، تكريس دوره في الملفات الحيوية التي تواجهها البلاد، حيث تصدى الجنرال لملف التطبيع مع إسرائيل، ولعب دورا مهما في التوصل إلى اتفاق سلام في جوبا واحتواء الحركات المسلحة، وأضحى قريبا من القبض على دفة ملف سد النهضة.
البرهان في أديس أبابا قابضا على الجزرة ورافضا للعصا
وتصب مقاربة البرهان لسد النهضة في مصلحة مصر، التي يرى رئيسها عبدالفتاح السيسي انسجاما معه بحكم أنهما منحدران من المؤسسة العسكرية، ودوره يبتعد عن المناورات السياسية التي كبلت عمل الحكومة السودانية، وجعلتها ترضخ أحيانا لحسابات قوى ترى أن العلاقة مع إثيوبيا أكثر جدوى من مصر.
ويسعى البرهان والسيسي إلى توظيف إقرار الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني واضح لسد النهضة، يضمن الحفاظ على الحقوق المائية لجميع الأطراف، من أجل حض إثيوبيا على إنجاز الاتفاق.
ويقول متابعون، إن زيادة التعاون بين القاهرة والخرطوم تضع إثيوبيا في مربع ضيق، وتصورها كأنها تغرد خارج السرب في الجولة الحالية من المباحثات المفصلية، التي تمتد لمدة أسبوع، وهو ما حاول البرهان توظيفه بصورة جيدة لتليين موقف آبي أحمد.
وأبدى رئيس وفد التفاوض السوداني في ملف سد النهضة صالح حمد، رفضه خلال المفاوضات التي جرى استئنافها، الثلاثاء الماضي، لمواصلة المحادثات بنفس المنهج القديم، الذي قاد إلى طريق مسدود في الجولات الماضية.
وتقدم السودان بمقترحات لمنح دور أكبر للخبراء والمراقبين في عملية التفاوض لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، وعدم السماح لهامش المناورات بإعادة تكرار مواقف سلبية سابقة، وهو ما يجب أن تلتقطه أديس أبابا.
وقال أستاذ العلوم السياسية بمركز الدراسات الدولية في الخرطوم، الرشيد محمد إبراهيم، إن البرهان يستفيد من الزخم الخارجي بعد رفع اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وتبنيه لخطوة التطبيع مع إسرائيل لتقديم نفسه كطرف مؤثر في واحدة من أكبر الأزمات التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة.
وأضاف إبراهيم، في تصريح لـ”العرب”، أن الطريقة التي يتبعها رئيس مجلس السيادة تمكنه من تمدد السودان شمالاً وجنوباً وشرقا وغربا، على أساس المصالح القومية، بعيدا عن لعبة التوازنات التي كبلت حركة السودان سابقا، وجعلته أسيرا لتقديرات عقائدية.
وبدأ السودان يطرح رؤى عملية في تعامله مع قضايا عدة، تخدم مشروعه الإستراتيجي في توفير الاستقرار بالداخل، وهو بحاجة إلى توفير الأمن المائي في منطقة حوض النيل، بشكل يمكّنه من إدارة موارده الزراعية بصورة صحيحة.
واستوعب البرهان خطورة الأدوار الحيادية، وما جلبته له من أضرار طالت مصالح بلاده، لذلك يميل إلى تبني جرأة كبيرة تمكنه من كسر المحرمات التقليدية، وتنعكس إيجابا على مستوى تطويق نزاعات السودان الحدودية لاحقا.
وتحاول الخرطوم تثبيت الأوضاع الأمنية على الحدود مع إثيوبيا، حيث تطرقت زيارة البرهان إلى الأوضاع المضطربة في منطقة “الفشقة”، وناقش مسألة تعيين الحدود وضرورة وضع حد لتوغل الميليشيات الإثيوبية في الأراضي السودانية.
ويسعى البرهان للتأكيد على أن بمقدوره التعامل مع الأوضاع المضطربة والبتّ في القضايا الحيوية، وأن الانتهاكات يجب أن تواجه بضغوط سياسية لا بحروب عسكرية.
المصدر: العرب اللندنية