الشرق اليوم– أعادت السلطات العراقية افتتاح نفق شارع السعدون الذي يمر أسفل ساحة التحرير، أيقونة حركة الاحتجاج العراقية التي انطلقت قبل نحو عام، معلنة نهاية حقبة مميزة من تاريخ البلاد الحديث، شهدت أكبر موجة تظاهرات عرفتها البلاد.
وبالرغم من بقاء ساحة التحرير مغلقة أمام حركة العربات حتى ساعة إعداد هذا التقرير، إلا أن فتح نفق السعدون يعتبر مؤشرا على إمكانية التلاشي السريع لما تبقى من تجمعات المحتجين الفئوية وبعض خيام الاعتصام.
ولم تكن نهاية هذه الحقبة مفاجئة، لاسيما بعدما تخللتها عملية إطاحة كلية بحكومة واستبدالها بأخرى ذات مواصفات غير معهودة في العملية السياسية العراقية.
وبدلا من أن تكون “الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين”، التي حلت في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، مناسبة لتجديد الحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وسوء الإدارة وسرقة المال العام، تحولت إلى علامة استفهام بشأن جدوى التظاهرات، في ظل تمسك الأحزاب المتنفذة بمصالحها ومصادر نفوذها.
وخسرت “ثورة أكتوبر” نحو 700 شخص، وأصيب في أحداثها نحو 20 ألفا آخرين، دون أن تتمكن من تحقيق جميع أهدافها.
وكان الحديث عن حجم المكاسب قياسا بقدر التضحيات حاضرا في الذكرى الأولى لحراك أكتوبر، إذ شكك العديد من النشطاء في جدوى استمرار التظاهرات مع هذه الضريبة الباهظة.
لكن أصواتا عديدة تقول بأن حراك أكتوبر هو مجرد بوابة في مسيرة التغيير العراقية، التي يجب أن تستمر، على أن تكون الخطوة القادمة ترجمة سياسية للتظاهرات، عبر الاستفادة من زخمها الشعبي الهائل خلال الانتخابات القادمة.
ويرى عبدالرحمن الجبوري -وهو ناشط بارز في تظاهرات أكتوبر وأحد الأصدقاء الشخصيين لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي- أن متظاهري أكتوبر “أعادوا للوطن وحدته وللوطنية اعتبارها، ووضعوا قواعد وأسسا لبناء دولة مقتدرة”.
وتعليقا على رمزية انتهاء الاحتجاجات في ساحة التحرير ببغداد، قال الجبوري “اكتملت المرحلة الأولى.. سنة نضال وإبداع مميزة وابتدأت مرحلة الزحف العظيم والتوظيف السياسي للثورة”، داعيا إلى “استعادة البرلمان بانتخابات حرة نزيهة تمهد لحكومة تنفيذية تساهم في صناعة دولة الاقتدار”.
وتقول مصادر عديدة في بغداد إن الكثير من قادة الحراك الشعبي في العاصمة العراقية توصلوا إلى تفاهمات مع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للنزول معا في قائمة واحدة خلال الانتخابات المقبلة.
ويرى مراقبون أن تحويل زخم ثورة أكتوبر في العراق إلى كتلة تصويتية خلال الانتخابات قد يؤدي إلى قلب المعادلة السياسية الحاكمة، التي تمنح الميليشيات التابعة لإيران وأحزاب الإسلام السياسي الجزء الأكبر من الكعكة.
وتقول المصادر إن ما يحدث من تفاهم بين الكاظمي وقادة الحراك في بغداد يتكرر أيضا في الناصرية، جنوب البلاد، أحد أهم معاقل الاحتجاج في البلاد.
واستبعد الكاتب العراقي فاروق يوسف أن تفقد ساحة التحرير رمزيتها. فهي ساحة كل العراقيين بكل طوائفهم. وهي ملتقى شوارع بغداد الكبرى، لذلك تحولت إلى ملتقى للمسرات التي يسعى العراقيون من خلالها إلى نسيان أسباب الحزن.
وقال يوسف، في تصريح لـ”العرب”، “لقد وهب نصب الحرية للساحة قدرا من هيبتها التي لا يلتقي بها المرء في أية ساحة أخرى. ومثلما وهبها ذلك النصب صفة معمارية مميزة، أضفى على نفوس العراقيين قدرا من التفاؤل والأمل”.
وأضاف “في تلك الساحة تصب الشوارع كالأنهار ويتوقف العراقيون أينما كانوا ذاهبين ليتأملوا فكرة وجودهم وقوتهم. لم تكن لتضيق بالمحتجين بالرغم من أنها لم تكن قد صممت للتظاهرات ولا لاستقبال عشرات الآلاف من الشباب الغاضبين. غير أنها كانت أكثر سعة من مساحتها الجغرافية. كانت جغرافية التمرد والحرية تسمح بأن تستوعب تلك الساحة من البشر أكثر مما يمكن تخيله؛ فساحة التحرير تقيم في خيال حريتها”.