بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يحتاج المرء إلى أن يكون حشاشا لكي يخرج بما خرجت به وزارتا الخارجية والدفاع الإيرانيتان بمناسبة انقضاء الحظر الدولي على استيراد وتصدير الأسلحة بموجب القرار الدولي 2231.
الخارجية الإيرانية قدمت بيانا طويلا استعرضت فيه انتصارات إيران على الولايات المتحدة لتوحي بأنها سوف تدخل سوق السلاح وكأنها قوة عظمى لن يحول دونها حائل. فيما قدم وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي عرضا شديد السعة لفرص مبيعات السلاح الإيرانية، “بأسعار منصفة ومناسبة لأصدقائها”.
الهراء مجاني في كل مكان. ويمكن للمرء أن يهذي من دون أن يتكلف شيئا. إلا في إيران. فكلما زاد الهراء، كلما زادت المحنة.
لا تعرف من هم “أصدقاء” إيران الذين سيطلبون شراء أسلحة منها. الصديقان المعروفان هما بشار الأسد، وهذا لا يملك ما يدفع به ثمن القمح الذي تشتريه بلاده، فتضطر إيران إلى تغطية مشترياته من لقمة عيش شعبها. والثاني هو ميليشياتها في العراق ولبنان واليمن، وهذه عصابات تنهب من أموال دولها لكي تسدد لإيران بعض ما تحصل عليه. و”الميزان التجاري” بينها وبين إيران خاسر من الأساس. فبينما يتاجر “حزب الله” على سبيل المثال بالمخدرات ويجني أموالا من أعمال التهريب وتبييض الأموال، فإن ذلك لا يكفي لتغطية فاتورة “المقاومة”، الأمر الذي يُجبر إيران على دفعها.
يقول حاتمي إن بلاده مستعدة لبيع دبابات وطائرات مسيرة وحاملات جند، كما أنها مستعدة أيضا لإصلاح الطائرات المدنية والعسكرية الغربية.
عندما تقرأ كلاما من هذا النوع، لا بد أن تقفز في ذهنك خاطرتان، تقول الأولى “بشرط ألا تقوموا بقصفها عندما تمر في الأجواء الإيرانية”. وتقول الثانية “رجاء، قوموا بإصلاح طائراتكم المهترئة أولا”. فإيران من دون سلاح جوي، وطائراتها المدنية أشبه بعربات الحمير الطائرة في الجو. وبنيتها التحتية تنهار، ومعدات مصانعها تتهالك، ومؤسساتها الصحية تترك الناس يموتون لأنها لا تملك ما يكفي من أجهزة التنفس الصناعي في مواجهة وباء كورونا. فإذا كانت هناك من دوافع جعلت أوروبا تعارض العقوبات الأميركية، فلأنها تعاقدت مع إيران على بيعها أكثر من 200 طائرة مدنية، معظمها من “إيرباص”.
حاتمي أضاف، وهو في قمة “التألق”، “أن العديد من الدول تواصلت مع إيران منذ عام وتفاوضت معها لشراء أسلحة”، ولكنه لم يذكر اسم دولة واحدة “تواصلت وتفاوضت” مع إيران. وزاد على ذلك بالقول “إن المعدات العسكرية الإيرانية ذات جودة عالية وسعر مناسب مقارنة بأسلحة الدول الأخرى”.
يعني، “شيء ولا أحسن منه” من حيث المواصفات التقنية الخارقة التي تتمتع بها إيران دون سواها من دول العالم. أما الأسعار فرخيصة، لأن الإيرانيين، عندما ماتوا من الفقر والجوع والمرض، فقد صاروا يعملون بأسعار قد لا يوجد على سطح الأرض ما هو أدنى منها.
أما الخارجية الإيرانية فقد قالت، من باب “التعفف” طبعا، إنها لن تُسرف في شراء الأسلحة. هذا لأن إيران تملك الكثير من الأموال إلى درجة أنها توزعها مجانا، ولكنها، هذه المرة على الأقل، تريد أن تقتصد.
بعض التحشيش، فيه مؤشرات أيضا. فالمسؤولون الإيرانيون عندما يفرطون في استعراض مواهبهم في تجارة الأسلحة، فلأنهم يريدون أن “يوسّعوا الفرشة” أمام الرئيس المقبل، من أجل التفاوض عليها. فمثلا، تقول إيران على سبيل المثال “سوف لن نبيع صواريخنا المتطورة إلى كوريا الشمالية، مقابل تخفيف العقوبات”. أو من قبيل القول “لن نقوم بإصلاح طائرات أف – 35 أو طائرات إيرباص، في مقابل السماح لنا باستيراد معدات لإصلاح عجلات عربات الحمير الطائرة التي نملكها”.
القصة، وراء هذا المستوى من “التألق”، هي أن إيران تريد أن توسع مساحات التفاوض، باستعراض قدراتها الخارقة، من أجل الحصول على تنازلات.
الافتراض السائد في طهران، الذي يملي عليها هذا المستوى من “التألق”، هو أن إدارة الرئيس جو بايدن سوف تنخدع بما تزعمه إيران عن مواهبها وقدراتها الخارقة.
يجب الاعتراف بأن إيران نجحت في خداع إدارة الرئيس باراك أوباما، كما خدعت أوروبا، بحسب ما اعترف به وزير خارجيتها محمد جواد ظريف. ولكن من دون أن ينتبه هذا الوزير إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا لم تنخدعا إلا بما أرادتا أن تنخدعا به. إذ كان الطرفان يحتجزان نحو 400 مليار دولار من الأموال الإيرانية، وكان من الضروري لهذه الأموال أن تؤخذ، بطريقة أو أخرى. وبينما حصلت إيران على جزء منها نقدا، فإن الجزء الأعظم تحوّل لتغطية التعاقدات مع الشركات الأميركية والأوروبية. وعندما نضبت الموارد الإيرانية، بفعل الحظر على مبيعات النفط الإيرانية وغيرها من الصادرات، توقف كل شيء تقريبا، حتى لم يبق لإيران إلا أقل من 85 مليار دولار هي التي تعيش عليها الآن.
الرئيس بايدن قد يرغب بالعودة إلى الاتفاق النووي. ولكن هل يفعل ذلك وهو يقبل المزيد من “الانخداع”؟
السؤال الأصوب: هل يوجد في خزائن البنوك الأميركية من الأموال الإيرانية، ما يكفي لكي ينخدع به أي أحد؟
هل يستطيع الرئيس بايدن أن يتجاهل كل ما تغير بين العام 2018، عندما قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب أن تنسحب من الاتفاق النووي، وبين العام 2020؟
هل يفعل ذلك مجانا؟ هل يمكنه تجاهل المخاوف الخليجية من النزعات العدوانية الإيرانية؟ هل يتجاهل ما ارتكبته من جرائم وتهديدات أعاقت حرية الملاحة في الخليج العربي؟ هل يغض الطرف عن الاعتداء الجبان على منشآت أرامكو في السعودية؟ وإذا فعل كل ذلك، هل يستطيع أن يتغاضى عن التهديدات التي تتعرض لها قواته في العراق؟
يحتاج المسؤولون الإيرانيون إلى صفعة على الوجه، لكي يفيقوا من غفوة “التألق”، لكي ينظروا مليا في الأجوبة المحتملة لهذه الأسئلة.
يعارض الرئيس بايدن استمرار الحرب في اليمن. نعم. ولكن السعودية وبقية دول التحالف العربي، لا تريد استمرارها أيضا. فهل تكسب ميليشيات الحوثي نصرا على السعودية إذا قرر بايدن سحب دعمه لهذه الحرب؟ وهل سيكون ذلك نصرا للسلام، أم للمزيد من الجرائم والأعمال الوحشية التي اتخذت الشعب اليمني كله رهينة للانقلاب على الشرعية. السعودية تملك من الجرأة ما يكفي لتقول للرئيس بايدن: تعال حلها بنفسك.
وهناك ثلاثة شعوب أخرى لا تزال رهينة أيضا لميليشيات إيران، عليه أيضا أن يأتي ليحل مشاكلها ومشاكله معها بنفسه.
مستقبل سوريا إنما يتعطل، بسبب هيمنة ميليشيات الحرس الثوري على سلطة الرئيس بشار الأسد. واللبنانيون يغرقون كل يوم في درك أسفل من جهنم بسبب رفض “الثنائي الشيعي” للإصلاح. والعراقيون يدفعون كل يوم ثمن الوحشية التي تمارسها ميليشيات الولي الفقيه، من أعمال القتل، إلى أعمال الفساد.
تراهن إيران على أن إدارة الرئيس بايدن ستكون مصابة بالعمى، بحيث لا ترى ولا تسمع، وليس لدى جيشها قادة محليون يعرفون من أين تأتي التهديدات. وسوف يتعين على “القائد العام للقوات المسلحة” أن يتجاهل مخاوف وتقديرات ضباطه، حبا في سواد عين الولي الفقيه، وغراما بجرائم ميليشياته.
برغم احتفال إيران بقدرتها على دخول سوق الأسلحة من أعرض الأبواب، وبرغم طول البيانات وعرض الأوهام، فقد كان يكفي لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن يقول “إن الولايات المتحدة تعتزم استخدام سلطاتها المحلية في معاقبة أي شخصيات أو كيانات ستسهم ماديا في إمداد إيران بالأسلحة التقليدية ونقل هذه الأسلحة إليها أو منها، بالإضافة إلى من يقدم تدريبا أو تمويلا أو خدمات أو أي نوع آخر من الدعم إلى طهران في هذا المجال”.
نقطة، رأس السطر. ذلك هو الحد الذي يجعل الاحتفال الإيراني بدخول سوق السلاح احتفال حشاشين، لا صلة لهم بالواقع.