الشرق اليوم- دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، الأربعاء، السلطات العراقية إلى “مزيد من الجدية” بحماية الصحفيين والحفاظ على سلامتهم، عقب تقارير عن ملاحقة وتهديدات تعرض لها صحفيون عاملون في قناة فضائية قام أنصار الميليشيات بإحراقها نهاية أغسطس الماضي.
وبالتزامن مع تقرير المنظمة، قال إعلامي عراقي معروف إنه أوقف برنامجا يناقش مفاهيم التشدد في الفقه الإسلامي، بعد بيان شديد اللهجة أصدره زعيم ميليشيا جيش المهدي، مقتدى الصدر، الذي انتقد إحدى حلقات البرنامج.
وقال صحفيون ومختصون عراقيون لموقع “الحرة” إن “العراق يعيش أسوأ حقبة” بما يخص حرية التعبير فيه، مشيرين إلى تصاعد نشاط الميليشيات المتخصصة بمهاجمة وإحراق مقار كل من يوجه انتقادات لها.
ونقلت هيومن رايتس ووتش في تقرير بعنوان “متى يبدأ العراق بحماية الصحفيين” شهادات لإعلاميين يعملون في قناة “دجلة” التي قام عناصر في مجموعة داعمة للميليشيا بإحراقها بسبب بثها برنامجا غنائيا في شهر محرم، الذي يعتبر شهر حزن بالنسبة للطائفة الشيعية.
وقال تقرير المنظمة إن ثلاثة إعلاميين تلقوا تهديدات عديدة عبر مكالمات هاتفية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأن رجالا مسلحين أتوا بحثا عنهم.
وبحسب التقرير فقد أجبرتهم هذه التهديدات جميعا على الاستقالة من وظائفهم، من خلال منشورات علنية على فيسبوك، لكن “استقالتهم لم تكن كافية لوقف التهديدات، مما أجبرهم على مغادرة منازلهم”.
وقالت المنظمة إنه “بالرغم أن حادثة حرق مقر قناة دجلة قد تمت في 31 أغسطس الماضي فإن السلطات المختصة لم تعتقل أو تحقق مع أحد”.
وتبنت مجموعة تطلق على نفسها اسم “ربع الله” المسؤولية عن إحراق القناة، ضمن مجموعة من الهجمات تصاعدت مؤخرا وكان آخرها إحراق مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد بعد انتقادات وجهها وزير الخارجية العراقي الأسبق، والقيادي في الحزب، هوشيار زيباري للحشد الشعبي.
وقالت المنظمة إن الحكومة العراقية أشارت إلى وجود لجنة حكومية مشكلة في العام 2016 للتحقيق في حالات الاعتداء على الصحفيين، لكنها قالت “إن من الواضح إن اللجنة لا تأخذ عملها على محمل الجد”، مضيفة “بعد إحراق محطة تلفزيونية علناً، ما الذي يجب أن يحدث أكثر من ذلك حتى تأخذ السلطات العراقية هذه الهجمات بجدية؟”.
وأثارت هجمات الميليشيا مخاوف على حرية التعبير، الهشة أساسا في العراق.
وقال رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، مصطفى ناصر، لموقع “الحرة” إن مؤشر الانتهاكات والاعتداءات ضد الصحافة والصحفيين ارتفع أضعاف ما كان عليه قبل تشرين الأول 2019، وتصاعدت موجة الانتهاكات نوعا وكما، حتى “بلغت مراحل خطيرة من الحرق والإغلاق فضلا عن تشريد العديد من الصحفيين العاملين في بعض وسائل الإعلام التي اعتبرت وسائل عدوة في قوائم بعض الأحزاب والجهات المقربة للسلطة.”
وكشف ناصر إن منظمته “سجلت في عام 2019 أكثر من 370 انتهاكا توزعت بين عمليات اغتيال واختطاف وتهديد بالقتل واعتقال واحتجاز ومنع أو عرقلة تغطيات، واقتحام وسائل إعلام، وحرق وسائل، وصولا إلى تهجير العديد من الزملاء من مناطق إقامتهم المعتادة”.
وتعد المنظمة تقريرا للانتهاكات التي طالت – وتطال – الصحفيين في عام 2020، ويعتقد مصطفى إن حصيلة التقرير ستكون “كبيرة”.
وقال ناصر “مؤخرا شهدنا إيقاف برنامج فكري عبر قناة العراقية الرسمية للزميل سعدون ضمد، الذي استضاف خلاله أحد رجال الدين في حوار تناول أمورا فكرية وفقهية ودينية. ما أدى إلى إيقاف البرنامج بسبب الضغط الهائل الذي تعرض له الزميل والقناة ايضا، بسبب آراء لم تتبناها القناة أصلا”.
وأثار إلغاء بث برنامج “المراجعة” الذي يقدمه الإعلامي المشهور سعدون محسن ضمد، على قناة العراقية الحكومية، مخاوف لدى الصحفيين من تراجع المساحة الضيقة أساسا لحرية التعبير في العراق.
وقال الصحفي عمر الجفال لموقع “الحرة” إن “العراق عاش حريّة التعبيّر بعد غزوه لفترات قليلة ومتفاوتة، لكن رغم ذلك، يمكن القول إننا خرجنا من ديكتاتورية نظام البعث إلى ديكتاتورية الأحزاب ومؤسساتها الإعلامية”.
وألغي البرنامج بعد انتقادات وجهها زعيم ميليشيا جيش المهدي (سرايا السلام) مقتدى الصدر لمقدمه ضمد، ولضيف البرنامج رجل الدين المثير للجدل كمال الحيدري، بعد حلقة ناقش فيها البرنامج قيام علماء شيعة بـ”تكفير” مخالفيهم.
وطالب الصدر بأن “لا تكون النقاشات التلفزيونية بين الإسلاميين والعلمانيين بيد مَن لا يعي الكثير من المستويات وأن تكون من قِبل المنصفين من الطرفين، لا بين الماكرين والمنحازين وذوي الميولات المشبوهة”.
بعدها بساعات أصدر ضمد بيانا قال إنه سيوقف تسجيل برنامج “المراجعة بسبب التطورات التي حدثت وسوء الفهم”.
وبحسب الصحفي عمر الجفال فإن “حريّة الإعلام في العراق هي واحدة من أكثر الكذبات التي نعيشها”، مضيفا “الصحفيون اليوم محاطون برقابة ذاتية تشبه تلك الرقابة الموجودة في الأنظمة الشمولية، وهناك خطوط حمراء يتفق كثر على عدم تجاوزها، وحتّى أولئك الذين فروا إلى الخارج ويكتبون بحرية، فإن التهديد الذي يتلقونه بالتعرّض لعائلاتهم يجعلهم يعيشون في دائرة الخوف، ويتجنبون الخوض في الكثير من المحاذير”.
وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب الجفال، أصبحت “محاصرة بأموال الرشى التي تدفع للصفحات والمدونين، وسلاح الميليشيات الذي يهدد المنتقدين”.
المصدر: الحرة