إعداد: يزن الكرخي – إندبندنت عربية
الشرق اليوم- يسأل العراقيون دوماً عن سر التفاوت في أسعار العاملين في قطاع الأدوية وأحوالهم، وكيف يتمكن شاب تخرج منذ 5 سنوات فقط من كلية الصيدلة أن يمتلك سلسلة صيدليات ومذاخر؟
غالباً ما تكون الإجابة متعلقة بحل سحري، لن تسمعه من الصيادلة بشكل علني بالتأكيد، لكنه يُقال خلف الأبواب الموصدة: إنه الدواء المهرَّب الذي لا يخضع لأجور أو رسوم إضافية ويأتي بأرباح خيالية.
وكانت عمليات تهريب الأدوية في العراق، والتي تقوم بها جهات سياسية تحت حماية جماعات مسلحة، أطاحت وزير صحة سابقاً، هرب من البلاد بعد أشهر من استلامه منصبه خوفاً من انتقام تلك الجهات، بعد كشفه جانباً من عمليات التهريب.
وبين حين وآخر تعلن الحكومة إحباط عمليات تهريب الأدوية من خارج الحدود وبخاصة من الجارة الشرقية إيران التي تواجه عقوبات شديدة من الولايات المتحدة، فيما تبدو الأدوية التي تُضبَط، أقل بكثير من التي تتسرّب إلى داخل البلاد.
في هذا العام فقط، أعلنت السلطات في العراق مراتٍ ستاً عن حملات كبيرة لضبط الأدوية المهربة، وصل حجمها إلى نحو 100 طن، كان آخرها نهاية الأسبوع الماضي، حيث ضبطت 19 شاحنة أدوية من إيران في محافظة ديالى، شرق العراق، سلكت منافذ غير رسمية.
الجارة الشرقية
يقول مسؤول محلي في محافظة ديالى لـ “اندبندنت عربية”، إن “هناك مناطق فارغة بين الحدود العراقية والايرانية شرق ديالى، لا تتواجد فيها قوات أمنية، وغالباً ما تُستغَل للتهريب”.
ويبلغ طول الشريط الحدودي بين العراق وإيران أكثر من 1400 كيلومتر، وهو أطول سلسلة حدود تربط العراق مع جيرانه، فيما تلعب الخلافات السياسية في البلاد دوراً في عدم ضبط الحدود، ما يساعد على رواج تجارة التهريب.
يضيف المسؤول “منذ دخول داعش إلى العراق، صيف 2014، وما تلتها من تغيرات سياسية وأمنية، جرى ترك فراغ كبير خصوصاً بعد انسحاب القوات الكردية “البيشمركة” إلى داخل كردستان، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وزاد الأمر من تجارة تهريب الأدوية”.
ويسيطر على مناطق شرق ديالى المحاذية لإيران، عدد من الفصائل المسلحة التي انتشرت بعد انسحاب “البيشمركة”. ويتابع المسؤول أن “غالبيتها موالية لإيران وتساعد طهران في تجاوز تبعات العقوبات الأميركية”.
في المقابل، أعلنت مديرية الاستخبارات العسكرية في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إحباط ما وصفتها بـ “أكبر عملية تهريب للأدوية” في ديالى، محملة بـ 19 شاحنة.
وذكرت المديرية في بيان إنه “ضمن جهودها لتعزيز واردات الدولة وإحباط عمليات التهريب والإضرار بالاقتصاد العراقي بمعلومات استخبارية ومتابعة دقيقة، تمكنت مفارز قسم الاستخبارات العسكرية في قيادة عمليات ديالى واستخبارات الفوج الثاني من لواء مغاوير القيادة من إحباط أكبر عملية تهريب للأدوية محملة بـ 19 شاحنة”.
أكبر عمليات التهريب
وفي أكبر عمليات ضبط تهريب أدوية إلى العراق هذا العام، أعلنت السلطات في البصرة ضبط نحو 50 طناً من الأدوية غير صالحة للاستهلاك في ميناء أم قصر الأوسط.
وبحسب بيان لجهاز الأمن الوطني في البصرة صدر في يوليو (تموز) الماضي، أنه “بناءً على معلومات استخبارية وموافقات قضائية تمكنت مفرزة من الجهاز من ضبط حاويتين محملة بأدوية مختلفة من دون أوراق أصولية تقدر كميتها بـ 50 طناً غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب حرارة الأجواء علاوة على أن الحاوية غير مبردة ومغطاة بقرطاسية وأجهزة منزلية داخل الحرم الجمركي التابع لميناء أم قصر الأوسط”.
كما أعلنت وزارة الصحة سابقاً، ضبط أكثر من 30 طناً من الأدوية المهربة في منطقة القادسية في غرب بغداد.
وفي مايو (أيار) الماضي، قال وزير الصحة السابق جعفر علاوي، إن حجم أموال الأدوية التي تُهرَّب إلى العراق تُقدَّر بما بين 5 إلى 7 مليارات سنوياً. وأضاف في مقابلة تلفزيونية، إن الوزير الذي سبقه (علاء العلواني) استقال من منصبه بسبب ضغوط ومساومات كبيرة.
وقالت مصادر آنذاك إن استقالة علاوي بعد أقل من سنة من استلامه منصبه، أتت بسبب عقود الأدوية واللقاحات وخلافه مع “مافيات” حول طريقة استيراد الأدوية.
هل ضبطت الحدود؟
في سياق متصل، تعزو نقابة الصيادلة في العراق سبب دخول الأدوية الفاسدة إلى العراق بطريقة التهريب لعجز الدولة عن ضبط الحدود.
وسبق أن تعهد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بالسيطرة على المنافذ الحدودية في البلاد، التي تكبد العراق خسائر بمليارات الدولارات سنوياً، بسبب سيطرة “عصابات وجماعات وقطّاع طرق وأصحاب نفوذ”، بحسب بيان حكومي.
ويقول النائب الثاني لنقيب الصيادلة العراقيين أمجد حسيب، إن “دخول الأدوية الفاسدة إلى العراق بطريقة التهريب يعود إلى عجز الدولة عن ضبط الحدود بطريقة آمنة تؤمن دخول الأدوية بشكل سليم”.
وأوضح حسيب إن “وزارة الصحة لا سيما في ما يخص أدوية فيروس كورونا سهّلت استيرادها كثيراً، لكن ضعاف النفوس ومَن يسعى إلى الربح السريع استغلوا ضعف الرقابة على الحدود وبالتالي قاموا بإدخال أدوية فاسدة ومغشوشة”.
وارتفع عدد الوفيات في العراق جراء انتشار وباء كورونا إلى 10 آلاف حالة، فيما تخطى عدد الإصابات أكثر من 400 ألف.
من جهة ثانية، قال النائب باسم خشان، إن “عمليات تهريب الأدوية أحياناً تدخل من منافذ رسمية لكن من دون علم وزارة الصحة”.
وأوضح خشان، إن “ذلك يجري حين يتم إخفاء الأدوية المهربة مع مركبات أخرى، حينها تدخل الشحنة بشكل رسمي”.
واتهم خشان في وقت سابق “مافيات لم يسمها بالسيطرة على قطاع الأدوية الصحية في العراق”.
وأكد النائب الذي قدم في وقت سابق ملفات فساد كبيرة للقضاء لم يُنظَر فيها حتى الآن، أن “ما يدخل إلى العراق من أدوية بشكل رسمي لا يتجاوز 30 في المئة فقط”، محذراً من خطورة الأدوية الفاسدة على صحة العراقيين.
وكان جواد الموسوي، عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي، قال في وقت سابق، إنه “لا توجد أي سيطرة نوعية على عملية صناعة الأدوية داخل العراق أو استيرادها إلى البلاد”.
وأشار إلى أن مصنع “أدوية سامراء” العراقي يُعدّ أحد أكبر المصانع في الشرق الأوسط، والأدوية المنتجة فيه رصينة وجيدة جداً لكنه “يعاني مشاكل عدة ومحاربة من بعض الشخصيات” التي لم يذكرها.