الشرق اليوم– فجرت تصريحات أدلى بها السياسي الكردي هوشيار زيباري بشأن انتشار قوات الحشد الشعبي في المنطقة الخضراء، التي تضم مقرات الحكومة وكبرى البعثات الدولية، ومطار بغداد عاصفة من الجدل في العراق، وسلطت الضوء على أسئلة تتعلق بقدرة السلطات الأمنية على مواجهة التحديات التي يجسدها النفوذ الإيراني السلبي في العاصمة العراقية.
وقال زيباري، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الخارجية ثم وزير المالية في الحكومة الاتحادية، إن الولايات المتحدة أبلغت العراق فعلا نيتها إغلاق سفارتها في بغداد بسبب التهديد الذي تفرضه الجماعات المرتبطة بإيران وتكرار قصفها بصواريخ الكاتيوشا، مشيرا إلى أن من مهام حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تنظيم وضع الحشد الشعبي داخل المنطقة الخضراء والسيطرة على الطريق الرابط بين مبنى السفارة الأميركية والمنطقة الخضراء.
ويعتقد زيباري أن استمرار سيطرة الحشد الشعبي على المنطقة الخضراء وطرقها المؤدية إلى مطار بغداد، لن يخدم العراق وعلاقاته الخارجية، لاسيما علاقاته مع الدول المهمة.
وسبق أن كشفت مصادر استخبارية عراقية لـ”العرب” عن وجود نحو 10 آلاف مسلح، مرتبطين بميليشيات تابعة لإيران وقوات الحشد الشعبي في المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد، والتي تضم مكتب رئيس الوزراء ومجلس النواب ووزارة الدفاع وبعثة الأمم المتحدة وسفارتَيْ الولايات المتحدة وبريطانيا.
وأطلقت الميليشيات والأحزاب التابعة لإيران حملة واسعة للرد على تصريحات زيباري، على اعتبار أنها “مس بالمقدسات”، وفقا للنائب أحمد الأسدي عن كتلة الفتح النيابية، التي يتزعمها رئيس ميليشيا منظمة بدر هادي العامري.
ويقول الأسدي الذي يرأس ميليشيا الحركة الإسلامية في العراق، وهي جزء من الحشد الشعبي، إن “الحشد تاج على رأس التاريخ ومن يتخطى تضحياته فهو للعدو أقرب”، مؤكدا أن “الحشد الشعبي مؤسسة عسكرية وطنية تابعة للدولة العراقية”.
ودعا الأسدي زيباري إلى “إدراك أن أربيل وكل مدننا لم تحفظ هيبتها إلا بتضحيات الحشد، ومن يقترب من قدسيته ومكانته فكأنه يقترب من مقدساتنا”.
ويفهم العراقيون لغة المقدسات بوضوح، وعادة ما يجري استخدامها في سياق طائفي، كما فعل الأسدي، وهو أحد وجوه التطرف المذهبي في البرلمان.
وبالنسبة إلى نعيم العبودي، وهو نائب عن ميليشيا حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، فإن “خروج الحشد الشعبي من المطار و(المنطقة) الخضراء هو مطلب أميركي، وتصريحات هوشيار هي صدى لتلك المطالب”، وقد أكد أنه “لولا الحشد الشعبي لكان هناك سقوط للعملية السياسية في البلاد”.
وهدد العبودي بالتصعيد في حال لم يعتذر زيباري. وقال “إذا لم يكن هناك اعتذار بعد التطاول على الحشد فإننا لن نسكت”.
ولم يحدد العبودي طبيعة الرد الذي أشار إليه، ولكن وفقا لسلوك الميليشيا التي ينتمي إليها فإن مهاجمة مصالح وشخصيات كردية في بغداد عبر الاغتيالات المباشرة أو القصف بالصواريخ ستكون من بين الأساليب المتوقعة.
لكن الميليشيات التابعة لإيران لديها ورقة أخرى تلعبها في العادة كلما كانت مساحة الاستهداف المباشر لخصومها ضيقة، وهي ورقة التظاهرات.
ويمكن لهذه الميليشيات جمع المئات من عناصرها ومن عناصر الحشد الشعبي لتنظيم تظاهرات ذات مضمون سياسي في الغالب.
ويبدو أن الميليشيات بكّرت في استخدام ورقة التظاهر للرد على تصريحات زيباري؛ لأن الأوراق الأخرى التي تتعلق بالاستهداف المسلح قد تأتي بنتائج عكسية في هذا التوقيت، الذي تتزايد فيه الاتهامات لأتباع طهران بزعزعة الأمن في العاصمة العراقية.
ودعت مجموعة مجهولة، تطلق على نفسها تسمية “جماهير وأنصار الحشد المقدس”، إلى تظاهرة حاشدة يوم غد السبت في بغداد.
وحذرت هذه المجموعة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “من أي تعرض للمتظاهرين أو محاولة منعهم من التعبير عن آرائهم، لأن ردة الفعل ستكون قاسية”.
ويقول مراقبون إن إصرار الميليشيات التابعة لإيران على إحياء مصطلحات طائفية، هو محاولة لدفع الأغلبية الشيعية في العراق نحو الصدام مع الأكراد، ما يخلق بيئة مثالية لازدهار أنشطة المجاميع المسلحة ويحد من قدرة الحكومة وأجهزتها الأمنية على التأثير.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع، في أوساط سياسية كردية وسنية عراقية، بأن الأطراف الشيعية التي تتلقى الأوامر من إيران تبحث حاليًّا عن تفجير صراع طائفي بأي ثمن، لتنقذ نفسها من دائرة الضغط الشعبي، حيث تتهم بالفشل في إدارة الدولة وسرقة موارد البلاد.
ويتوقع مراقبون أن تواصل القوى الميليشياوية محاولة التصعيد الطائفي ضد الأكراد والسنة خلال الأشهر القليلة القادمة التي تسبق الانتخابات، على أمل أن تنجح في حشد الشارع الشيعي خلفها، والظهور بمظهر المدافع عنه.
وقالت الكتلة البرلمانية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي إليه زيباري إن “محاولة تحوير” تصريحات وزير الخارجية الأسبق بشأن الحشد الشعبي، تترجم موقف طرف “لا يستطيع التعايش مع السلم الأهلي”، في إشارة إلى اليمين السياسي الشيعي الموالي لإيران وميليشياته التي تعبث بالملف الأمني.
وترى الكتلة الكردية أنه “في الوقت الذي يمر فيه البلد بظروف سياسية واقتصادية عصيبة، وفي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن العراقي تكاتف ممثليه وقواه السياسية من أجل الخروج من الأزمات التي تعصف بالبلد، فإن هناك من يحاول افتعال المشاكل ليروج لنفسه على حساب مصلحة الشعب العراقي، ويبدو أن هناك من لا يستطيع أن يتعايش مع السلم الأهلي، ولا يتناغم مع الإجماع الوطني على التهدئة ورص الصفوف”. وخلصت إلى القول، إن “التركيز على المشتركات والبحث عن الحلول للمشاكل، سوف يصب بالنهاية في مصلحة كل أطياف الشعب العراقي، ولن يستفيد من التصعيد إلا من لا يريد الخير للوطن والمواطنين”.
المصدر: العرب اللندنية