BY: Abhijnan Reg – The Diplomat
الشرق اليوم- بحسب التقارير الإعلامية الهندية أصبح اتفاق لوجستي بين الهند والمملكة المتحدة في مراحل الإعداد الأخيرة، فقد سبق أن عقدت الهند اتفاقاً مماثلاً مع بلدان عدة مثل أستراليا واليابان والولايات المتحدة، لكن الاتفاق الجديد سيسمح لجيوش البلدَين بإعطاء طابع رسمي لعمليات تقاسم الخدمات والمنشآت والإمدادات، بما في ذلك الوقود، مما يؤدي إلى توسيع التبادلات وتكثيف التدريبات المشتركة وتسهيل عمليات الشحن، وتبقى هذه الاتفاقيات روتينية في معظمها لكن لطالما حملت أهمية رمزية كبرى بالنسبة إلى الهند التي تتردد تقليدياً في الموافقة على ترتيبات عسكرية رسمية مع قوى أخرى، لا سيما في الغرب.
لكن وراء هذه الأهمية الرمزية تكمن مسألة جوهرية أخرى، فلم يتّضح بعد ما تسعى إليه الهند عبر الاتفاق على ترتيبات بحرية كثيرة، مع أن نطاقها البحري يبقى محدوداً، ولم يُعرَف أيضاً المنطق العسكري الكامن وراء تكثيف الجهود البحرية. يظن الكثيرون أن الاتفاقيات اللوجستية تسمح للقوات البحرية الهندية بالوصول إلى مختلف الموانئ حول العالم، وهم محقون في رأيهم، لكن لا أهمية لهذه الخطوة ما لم توضع استراتيجية عسكرية واضحة يمكن تطبيقها في زمن الحرب والسلم بدل أن تقتصر على إثبات مكانة الهند كواحدة من القوى العالمية على الساحة الدولية.
بقيت نصوص الاتفاقيات اللوجستية الأخرى التي عقدتها الهند سرّية حتى الآن، لكن يختلف الوضع مع “اتفاقية الاستحواذ والخدمات الشاملة” التي أبرمها البلد مع اليابان، واستناداً إلى تلك الوثيقة يسهل أن نستنتج أن نطاق عمل الاتفاق، على مستوى النشاطات التي يغطّيها، يبقى محصوراً نسبياً ولا شيء يضمن وصول الهند إلى الموانئ اليابانية في حال اندلاع حرب مع الصين مثلاً. وحتى بعد إعادة تفسير المادة التاسعة من الدستور الياباني بطريقة مثيرة للجدل في عام 2014 (يلتزم البلد بموجبها بالحفاظ على طابعه السلمي في جميع الظروف)، من المستبعد أن تتورط اليابان في أي اشتباك بين الهند والصين، وعند الإعلان عن قرار الحكومة بإعادة تفسير تلك المادة، صرّح رئيس الوزراء الياباني السابق آبي شينزو بأن اليابان لن تقع في مستنقع الحروب للدفاع عن بلدان خارجية، ولن يُطبَّق الالتزام الجديد بمبدأ الدفاع الجماعي إلا إذا أصبح وجود اليابان على المحك.
إذا اعتبرنا “اتفاقية الاستحواذ والخدمات الشاملة” بين الهند واليابان نموذجاً يُحتذى به في جميع الاتفاقيات اللوجستية الأخرى التي تعقدها الهند، فسيتبيّن أن هذه الاتفاقيات كلها ترتبط بزمن السلم، رغم الهستيريا الإعلامية التي ترافق هذا الموضوع، أو ربما تحمل الاتفاقية قيمة هامشية رغم تشديدها على عمق الميثاق السياسي بين الهند والأطراف الأخرى.
بالعودة إلى بريطانيا، شهدت لندن خلال السنوات الأربع الأخيرة تخبطاً كبيراً وأصبح نظامها السياسي في حالة من الفوضى العارمة رغم تماسك بوريس جونسون ورئيس الوزراء الذي سبقه وتصريحاتهما الصاخبة، فبعد قرار “بريكست” عام 2016، شعر البعض في نيودلهي ولندن بحماسة كبرى إزاء احتمال عقد اتفاق تجاري حرّ بين الهند وبريطانيا، ولا تزال هذه الفكرة مطروحة، لكن من المستبعد أن تتبلور في أي وقت قريب.
لن تكون الوجهة التي تتخذها بريطانيا في نهاية المطاف باعتبارها دولة مستقرة انعكاساً لفكر سياسي محدد على المستويَين الاقتصادي والاستراتيجي معاً، بغض النظر عن أهمية هذه المسألة، بل إنها ستتحدد بحسب الوقائع الملموسة والدوافع القهرية مستقبلاً. عملياً سيتّضح الدور البريطاني في العالم بناءً على ثلاثة ضغوط متزامنة: المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، والأثر الاقتصادي المترتب عن فيروس كورونا، وتداعيات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل من الناحيتَين السياسية والاقتصادية، وبما أننا لا نعرف بعد الانعكاسات الجماعية لهذه العوامل الثلاثة على البلد، من الأفضل أن ننتظر قليلاً قبل توقّع مستقبل العلاقات الهندية البريطانية.