BY: The Diplomat
الشرق اليوم- اضطرت الحكومة الشيوعية في فيتنام للتعامل حديثاً مع ثلاث معضلات كبرى: فيروس كورونا، واستفحال الفساد في البلاد، واحتدام الصراعات في بحر الصين الجنوبي لفرض سيطرة موقّتة. قد تنعكس هذه التطورات كلها على الدبلوماسية العامة، أي قدرة البلد على استمالة الرأي العام محلياً وخارجياً لتحقيق أهدافه.
على مستوى الدبلوماسية العامة، حقق الحزب الشيوعي الفيتنامي حتى الآن انتصاراً كبيراً في معركته ضد وباء “كوفيد 19”. يظن بعض المراقبين أن الحزب استفاد من عامل الشفافية، مما ساهم في تخفيف آثار الفيروس المستجد تزامناً مع تحسين سمعته وسط الرأي العام. اعترفت الأوساط الداخلية والخارجية بنجاح فيتنام النسبي في محاربة “كوفيد 19” وحصد قادة البلد الإشادة بسبب استجابتهم الشفافة والاستباقية، كذلك بقي الدعم الشعبي لخطة العمل التي طرحها النظام لمحاربة الوباء كبيراً طوال الوقت.
لكن رغم هذه الانتصارات الأخيرة، قد يرتفع منسوب الاستياء بين الناس على المدى الطويل لأن المواطنين الفيتناميين اكتشفوا في ملف كورونا مستوىً غير مألوف من الشفافية، ومن الطبيعي أن يتوقع البعض تطبيق معيار الشفافية في جميع المواضيع، لكن إذا تسنى للرأي العام أن يلاحظ التناقضات الواضحة في مجالات أخرى من الحُكم، فقد يشكك بالنوايا الكامنة وراء هذا التوجه الشفاف. في النهاية، لا تعكس الشفافية الانتقائية شكلاً حقيقياً من الشفافية، وفي ظل تصاعد توقعات الناس من حكومتهم، لا مفر من أن يتأجج الإحباط العام بسبب الرسائل المختلطة التي يوجّهها النظام، وفي الوقت الراهن، تكثر هذه الرسائل حول شفافية الدولة الفيتنامية في التعامل مع مسائل أخرى. يتّضح هذا الوضع الشائك في طبيعة معركة مكافحة الفساد التي تبقى جزئية، فحتى الآن لم تستهدف هذه الحملة إلا قضايا رفيعة المستوى، لكنّ الفساد في فيتنام مستفحل على جميع المستويات، وصولاً إلى أدنى المراتب، فيحق للرأي العام إذاً أن يشكك في قرار عدم التعمق في فِرَق التحقيق والاكتفاء باستهداف الفِرَق التنفيذية. الأسوأ من ذلك هو توسيع فِرَق العمل التي تسعى إلى السيطرة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وإلى جانب قانون الأمن الإلكتروني المثير للجدل، زادت الحكومة قدرتها على التدقيق بمشاركات الناس في الفضاء الإلكتروني، وفي الوقت نفسه، وسّعت وزارة الإعلام والاتصالات صلاحيات هيئة أمن المعلومات، مما يعني أن هذه السياسة قد تكون مجرّد واجهة لتوسيع مهام فِرَق العمل وكبح حرية التعبير على شبكة الإنترنت. على مستوى الدبلوماسية العامة، قد يبدأ الرأي العام باعتبار شفافية الحزب الشيوعي الفيتنامي في التعامل مع فيروس “كوفيد 19” حلاً ضرورياً لكسب التأييد الشعبي، وتثبت سطوة الدولة على نشاطات مستخدمي الإنترنت أن إحداث تغيير شامل في موضوع الشفافية السياسية يبقى مستبعداً في أي وقت قريب.
في الوقت الراهن، تستعمل دولة الحزب الواحد الدبلوماسية العامة كاستراتيجية إلهاء لتحويل أنظار الرأي العام عن المسائل السياسية العالية المخاطر، تشمل صفحة الحكومة الرسمية على فيسبوك مثالاً مثيراً للاهتمام عن المقاربة التي يتبناها الحزب الشيوعي الفيتنامي، وتتكل هانوي على انتصارات البلد ضد وباء “كوفيد 19” وقد طبّقت مقاربة مزدوجة في استراتيجيتها العامة وفيها رسائل تستهدف الرأي العام المحلي والدولي. بين 22 يوليو و2 أكتوبر الجاري، شملت صفحة الفيسبوك 320 تحديثاً عن الموجة الثانية من الوباء، أي ما يساوي خمسة منشورات يومياً تقريبا، وحصدت تلك المنشورات عشرات آلاف الإعجابات وكتب الناس آلاف التعليقات للإشادة بعمل الحكومة والحزب الحاكم. في المقابل، اقتصر عدد المنشورات حول التطورات المقلقة في بحر الصين الجنوبي خلال 2020 على 39 حتى الآن، وبعد مرور تسعة أشهر من 2020، نُشر 50 خبراً فقط عن التحقيقات المرتبطة بالمخالفات الحاصلة، بما في ذلك قضايا متعلقة بسوء التعامل مع فيروس “كوفيد 19″، واستناداً إلى الأرقام من الواضح أن الحكومة تُركّز على موضوع الوباء، وهو قرار مبرر. لكن يبقى هذا الوضع موقتاً في مطلق الأحوال، فعاجلاً أو آجلاً ستضطر دولة الحزب الواحد لمواجهة الأسئلة العالقة نفسها عن المحاسبة والشفافية، وفي خضم اللعبة الطويلة الرامية إلى كسب عقول الناس وقلوبهم وتعزيز شرعية الحزب الحاكم، تُعتبر الشفافية أفضل أداة ممكنة لكن من المستبعد أن تحظى بتأييد معظم المحافظين الأيديولوجيين المتشددين في صفوف الحزب الشيوعي الفيتنامي، إذ يعتبر هؤلاء سطوة الحزب على البلد شرطاً مسبقاً لاستمرار حُكمه، فمن سيُشعِل فتيل الأزمة إذاً في المرحلة المقبلة؟