الشرق اليوم- تسير العلاقة بين زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر والنشطاء الداعمين لحركة الاحتجاج الشعبية في العراق نحو المزيد من التوتر، بعد محاولة الأول تقييد حراك التظاهرات وربطه بعدد من الشروط التي وُصفت بالتعسفية.
وتردد الصدر كثيرا قبل الالتحاق بحركة الاحتجاج التي انطلقت في أكتوبر 2019، فيما يقول النشطاء إن الصدريين لم يشاركوا في الاحتجاجات إلا عندما وجدوها تكتسح الشارع العراقي، وذلك خوفا على مساحتهم من أن تتلاشى داخله.
وخلال مسيرة التظاهرات التي امتدت شهورا، تميزت العلاقة بين جمهور المحتجين والتيار الشعبي التابع للصدر بالشد والجذب، والتقى الطرفان مرات وافترقا مرارا، لكن العلاقة شهدت انعطافة واضحة عندما قتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني والقائد الميداني لقوات الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد مطلع 2020.
وبينما رحب المحتجون بالعملية الأميركية ووجدوا فيها فرصة للحد من هيمنة طهران على القرار السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، انحاز الصدر وجمهوره إلى إيران وشاركا في تظاهرة حزبية طالبت بإدانة الولايات المتحدة، قبل أن يشترك ممثلو رجل الدين الشيعي داخل البرلمان العراقي في صياغة قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأميركية من البلاد.
ومنذ دخول جمهور الصدر تحت عباءة إيران ليكون إلى جانب قادة الميليشيات المسلحة الذين يتحدون الدولة، صار اسما منبوذا في ساحات الاحتجاج التي تحتضنها المدن الشيعية وسط العراق وجنوبه.
وخلال مراسم زيارة أربعينية الحسين في كربلاء نهاية الأسبوع الماضي، اتهمت ميليشيات موالية لإيران شبانا شيعة جاؤوا للمشاركة في طقس العزاء بتنظيم تظاهرة سياسية. وردد الشبان فعلا شعارات ضد إيران، ما تسبب في تفاقم التهم ضدهم.
وبدلا من أن يخرج الصدر بموقف داعم لحق التظاهر والتعبير عن الرأي، شن حملة غريبة ضد المحتجين، داعيا جمهوره إلى المشاركة فيها.
وتمادى الصدر في موقفه المناهض للحراك الشعبي معلنا عن 12 شرطا كي يسمح للمحتجين بالتظاهر، وهدد باستخدام قوة رادعة ضد المخالفين.
وتجاهل الصدر دور الدولة والأجهزة الحكومية التي تتحمل مسؤولية قرار المنع أو الاستمرار في التظاهرات، والدستور الذي يكفل حرية التعبير، فيما انخرط النشطاء في حملة شعبية مضادة لمواقف رجل الدين الشيعي.
وباغت المحتجون الصدر برد على شروطه يتضمن 12 شرطا للسماح لجمهوره بالمشاركة في تظاهرة يريد النشطاء إطلاقها في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الجاري.
ومن بين الشروط التي سطرها المحتجون تقديم الصدر اعتذارا علنيا عن عدم التزامه بوعده القاضي بالامتناع عن المشاركة في الحياة السياسية والاكتفاء بالدور الديني.
وذكّر المحتجون الصدر بانخراط ميليشيا جيش المهدي التي أسسها عام 2004 في أعمال العنف الطائفي ضد السنة في العراق بين 2006 و2007، مطالبين إياه بالاعتراف بالمسؤولية عن هذه الأعمال وتعويض المتضررين منها.
وطالب المحتجون زعيم التيار الصدري بـ “إخلاء المطعم التركي (وهو مبنى في ساحة التحرير وسط بغداد يسميه المتظاهرون جبل أحد) الذي تحتله ميليشياتك والذي أصبح وكرا للخطف وقتل الناشطين”.
ودعا المتظاهرون الصدر إلى سحب الوزراء والنواب الذين يمثلونه في الحكومة والبرلمان و”إيقاف تقاعد النواب السابقين والوزراء من كتلتك”، فضلا عن “إعادة الأموال التي سرقها أبوفدك وبهاء الأعرجي وعلي التميمي محافظ بغداد ومديرا مكتبك عون النبي وجليل النوري وغيرهم من كبار من تسلم مناصب من أتباعك”.
ومِن بيْن ما اشترطه المتظاهرون على الصدر “إعادة الأموال التي باسمك في بنك طهران الإسلامي ومصرف مشهد الاستثماري وبنك عودة في لبنان”، وإعادة 80 عربة وطائرة خاصة يملكها إلى الدولة.
كما طالب المتظاهرون زعيم التيار الصدري بـ”سحب سرايا السلام التي تحتل مدينة سامراء وتسليم سلاحها إلى وزارة الدفاع حصرا وإعادة المدينة إلى الشرطة المحلية فيها”.
ويقول نشطاء إن العلاقة بين حركة الاحتجاج والتيار الصدري في أكتوبر 2019 كانت تكتيكية، وتمثل استجابة موحدة انطلاقا من دوافع مختلفة، إذ كان هدف التظاهرات الإطاحة بالنظام السياسي الذي تهيمن عليه أحزاب الإسلام السياسي الشيعي، في حين سعى الصدر إلى تعزيز دوره في هذا النظام وملء أي فراغات تنجم عن ضغط الشارع.
ويتوقع مراقبون أن تقع احتكاكات بين المتظاهرين المستقلين وأتباع الصدر خلال أي تجمع احتجاجي مستقبلا في بغداد والناصرية على وجه الخصوص.
وسيحاول الصدر أن يحافظ على حضوره في الشارع في مواجهة غضب شعبي عارم ضد كل أركان العملية السياسية في العراق، بمن في ذلك الصدر وتياره السياسي الذي يملك أكبر كتلة في البرلمان وتقع ضمن حصته 5 وزارات مهمة في الحكومة.
ويعد تحدي الصدر بهذا الشكل العلني خطوة كبيرة من حركة الاحتجاج العراقية التي تريد أن تكون مستقلة عن جميع أشكال الاستخدام السياسي، لكنها قد تفتح باب الخطر على الكثير من النشطاء البارزين، الذين يدور الهمس حاليا بشأن إمكانية تصفيتهم على أيدي عناصر التيار الصدري.
المصدر: العرب اللندنية